تحليل : وكالة الصحافة اليمنية //
تعيش العاصمة السياسية مدينة “رام الله” بالضفة الغربية المحتلة، حالة غير مسبوقة من التوتر وعدم الاستقرار، نتيجة الإخفاقات السياسية المتتالية التي جنتها طوال السنوات الأخيرة، وخاصة في ملفي المصالحة والمفاوضات مع “إسرائيل“.
وضع رام الله الذي وصفه مراقبون ومحللون بـ”المترهل والسلبي”، يبدو أنه بات يزعج كثيرًا الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الأمر الذي أجبره على اتخاذ قرارات حاسمة وحساسة للغاية قد تتسبب بقلب مؤسسات السلطة وحركة فتح رأسًا على عقب.
مصادر قيادية في حركة فتح، من داخل مقر المقاطعة برام الله، كشفت لـ”نون بوست”، عن تغييرات جذرية في السلكين الدبلوماسي والسياسي الفلسطيني في الداخل والخارج، ستشهدها الساحة الفلسطينية خلال أسابيع قليلة بأمر من الرئيس عباس.
وأوضحت أن التغيرات التي وصفت بـ”الحساسة والجذرية”، ستطال قيادات وازنة في مؤسسات السلطة الفلسطينية وكذلك السفارات والقنصليات في الخارج منها مصر والسعودية والأردن والأمارات، وفرنسا، وإضافة لقيادات أخرى من حركة فتح وخاصة من الضفة الغربية المحتلة.
تغييرات حساسة
القيادات الفتحاوية، أكدت أن الرئيس عباس يريد من خلال تلك الخطوة “تنظيف” الساحة الفلسطينية من أي معارضين له ولسياسته، وهذه الخطوة ستكون تمهيدًا للخطوة الأكبر وهي إعلان استقالته من رئاسة السلطة الفلسطينية وحركة فتح، ليحل محله مؤقتًا نائبه في حركة فتح محمود العالول.
كان موضوع خلافة عباس من المحرمات في الدوائر الرسمية الفلسطينية منذ تسلمه السلطة قبل 14 عامًا
وتوقعت أن تخرج قرارات الرئيس عباس بشان التغييرات الجذرية وحركة التنقلات في مؤسسات السلطة وحركة فتح، منتصف شهر ديسمبر المقبل، مؤكدةً أن هناك مشاورات مكثفة تجري داخل مقر المقاطعة برام الله لوضع اللمسات الأخيرة على هذه الخطوة.
وكشفت لـ”نون بوست”، أن أيام الرئيس عباس في رئاسة السلطة وحركة فتح واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير باتت معدودة، نظرًا لتدهور وضعه الصحي، وعلمه أن الكثير من الدول العربية تسعى لاستبداله، مشيرةً إلى أن عباس ينوي قبل رحيله تنظيف الساحة ممن أسماهم “أعداء ودخلاء فتح”، وتسليم الكرسي لشخص يثق فيه.
وقبل أشهر كشفت وكالة فلسطينية محلية عن مخطط للإطاحة بالرئيس عباس من خلال مقربين منه، وقالت: “أجهزة السلطة كشفت مساعي عربية وأمريكية من خلال اتصالات مع مقربين من عباس لعزله من منصب الرئاسة وتحجيم صلاحياته“، وأكدت أن معلومات أمنية وصلت إلى عباس شخصيًا من خلال أجهزة الرئاسة، تفيد بوجود اتصالات سرية بين مسؤولين كبار في السلطة الفلسطينية ومقربين منه لعزله من منصب رئاسة السلطة.
عباس خلال اجتماع بمقر المقاطعة برام الله
وأضافت أن عباس أصدر تعليماته بالتحقيق مع مقربين منه عن مدى صحة الاتصالات، وما دار خلالها مع مسؤولين عرب وآخرين من الإدارة الأمريكية، دون أن يصدر أي تعقيب رسمي من السلطة على تلك الأنباء.
وكان موضوع خلافة عباس من المحرمات في الدوائر الرسمية الفلسطينية منذ تسلمه السلطة قبل 14 عامًا، وعُيّن الرئيس “أبو مازن” رئيسًا انتقاليًا في أعقاب وفاة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات عام 2004، وتمّ انتخابه في العام التالي، لِما كان من المفترض أن تكون ولاية من خمس سنوات، وأحكم عباس سيطرة حازمة منذ ذلك الحين، رافضًا تسمية خليفة له، وحال الانشقاق السياسي مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) دون إجراء انتخابات جديدة.
السيناريوهات الثلاث بعد رحيل عباس
ما كشفته المصادر الفتحاوية لـ”نون بوست”، توافق تمامًا مع ما نشرته صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية مؤخرًا، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس المصري ناقشا خلال اجتماعهما في نيويورك قبل أشهر، مستقبل السلطة الفلسطينية بعد محمود عباس، وبحثا في إيجاد بديل له.
بحسب قيادات فتحاوية فإن “رحيل عباس عن الساحة بات أمرًا محسومًا، ولن يرشح نفسه لأي انتخابات قادمة، وسيعتزل الحياة السياسية قريبًا”
وقالت الصحيفة “لقاء السيسي ونتنياهو الذي جاء على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في 26 من سبتمبر الماضي، كان مطولاً وناقش بشكل مستفيض مسألة خلافة عباس”، مشيرة إلى أن “إسرائيل” تشارك بشكل كبير في مشاورات إيجاد خليفة لمحمود عباس، وتجري محادثات بشأن هذا الموضوع مع كبار المسؤولين الفلسطينيين وبعض الدول العربية مثل مصر والسعودية والأردن والإمارات العربية المتحدة.
“من خليفة الرئيس محمود عباس؟ ومتى سيرحل؟ وما السيناريو المتوقع بعد رحيله”، أسئلة باتت تطرح بقوة في الساحة الفلسطينية خلال المرحلة الأخيرة، خاصة في ظل “الإخفاق السياسي” الذي تعيشه السلطة داخليًا وخارجيًا، والقطيعة مع الإدارة الأمريكية التي تأزمت بعد قرارات الاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل” ورفض السلطة استقبال المبعوث الأمريكي مايك بنس.
وبحسب قيادات فتحاوية فإن رحيل عباس عن الساحة بات أمرًا محسومًا، ولن يرشح نفسه لأي انتخابات قادمة، وسيعتزل الحياة السياسية قريبًا، وهناك العديد من الشخصيات مرشحة لخلافته أبزرها مدير المخابرات اللواء ماجد فرج.
لكن بخصوص السيناريو المتوقع لما بعد رحيل عباس، يجيب عن هذا السؤال الباحثان أودي ديكل وكوبي ميخائيل، وهما من الفريق العامل في (مركز أبحاث الأمن القومي) في جامعة “تل أبيب”، ويؤكدان أن هناك 3 سيناريوهات، الأول: فوضى وغياب الرئيس أبو مازن عن المشهد وصراعات داخلية تؤدي إلى انهيار تام، والسيناريو الثاني، توافق بين القيادات الأمنية والقيادات الإدارية التابعة للسلطة الفلسطينية مبنية على التقاء المصالح مع المحافظة على مؤسسات السلطة، أما السيناريو الثالث، فهو انهيار يؤدي إلى تفكك السلطة وتفكك المناطق إداريًا، وهذا ما تخشاه فعليًا “إسرائيل” وستحاول منعه.
يُذكر أن القانون الأساسي للسلطة الفلسطينية ينص على تولي رئيس المجلس التشريعي، وهو القيادي في حركة حماس عزيز دويك، رئاسة السلطة بعد موت أو غياب الرئيس بشكل طارئ، على أن تجرى انتخابات عامة في غضون 60 يومًا بعد موته أو استقالته.
وفي آخر استطلاع للرأي داخل فلسطين، أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، فقد كشف أن 67% من الفلسطينيين يرغبون في استقالة عباس من منصبه.
…………………………………..
المصدر: رصيف 22