«الحكومة ملتزمة بهدفها المتمثل في تحقيق التوازن بين الإيرادات والمصروفات في الميزانية بحلول 2020».. بهذه الكلمات تحدث وزير المالية السعودي «محمد الجدعان»، قبل أيام، ليعلن عن بداية عام جديد في المملكة (2018) يحمل المزيد من الرسوم والضرائب والزيادات في أسعار الخدمات والطاقة.
وبينما تُطبق تلك الرسوم والضرائب والزيادات على الوافدين والمواطنين على حد سواء؛ فإن المتضرر الأكبر منها هو المقيم؛ بعدما استحدثت السلطات في المملكة نظاما لدعم المواطنين ماديا لتخفيف الأعباء المعيشية الإضافية عنهم، عبر حساب أسمته «حساب المواطن».
وتنتظر الوافدين في السعودية، على نحو خاص، 3 صدمات مالية في 2018، قد تعطى دفعة قوية لما وصفه بعض المراقبين بـ«موسم الهرب الكبير»؛ حيث بدأ كثير من الوافدين في مغادرة المملكة إلى أوطانهم أو البحث عن دول أخرى للبحث عن فرص عمل فيها.
الصدمة الأولى
وكانت السلطات السعودية بدأت، اعتبارا من أول يوليو/تموز الماضي، تطبيق ضريبة على المرافقين والمرافقات للعمالة الوافدة، بواقع 100 ريال شهريا (حوالي 27 دولار أمريكي) عن كل مرافق.
وتسببت تلك الضريبة وحدها، إضافة إلى رفع في أسعار الطاقة والكهرباء خلال 2015، انعكس بزيادة في أسعار بقية السلع والخدمات، في رحيل أعداد كبيرة من العمالة الوافدة عن السعودية بعدما لم تعد مداخيلها قادرة على تلبية احتياجات أسرهم؛ فيما وصفه بعض المراقبين بـ«موسم الهرب الكبير».
ومجددا، ستضاف أعباء على المقيمين بالسعودية في 2018 جراء ضريبة المرافقين؛ إذ من المقرر أن تتضاعف في هذا العام لتصل إلى 200 ريال شهريا (54 دولارا) عن كل مرافق، قبل أن ترتفع حتى 400 ريال (106.7 دولارات) شهريا بحلول 2020.
ويوجد في السعودية ما يزيد عن 10.24 مليون عامل أجنبي وافد يمتهنون أعمالا يدوية ومحاسبية وخدمية ومنزلية، وهم يشكلون ثلث تعداد سكان المملكة، وأكثر من نصف قوة العمل فيها.
ونهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قدر تقرير للبنك السعودي الفرنسي، عدد العمالة الوافدة التي ستغادر السعودية مع تطبيق رسوم المرافقين، بنحو 670 ألفا حتى عام 2020؛ حيث سيكون معدل مغادرة العمالة الأجنبية في حدود 165 ألف عامل سنويا.
الصدمة الثانية
ويبدو أن المقيمين في السعودية على موعد جديد مع أعباء أخرى تشكل الصدمة الثانية لهم بعد ضريبة المرافقين؛ إذ نقلت وكالة «رويترز» قبل أيام، عن مصدرين مطلعين، إن المملكة تعتزم رفع أسعار البنزين والكهرباء والمياه، مع مطلع يناير/كانون الثاني المقبل.
وكانت وزارة الطاقة السعودية أعلنت بالفعل، في 12 ديسمبر/كانون الأول الجاري، عزمها إدخال تعديلات على أسعار بعض المحروقات (البنزين ووقود الطائرات والديزل لبعض القطاعات) خلال الربع الأول من 2018.
وفي اليوم ذاته، كشفت وكالة «بلومبيرغ» الأمريكية، أن السعودية سترفع أسعار البنزين بنحو 80%، في يناير/كانون الثاني المقبل، كما سترفع أسعار وقود الطائرات أيضا، في إطار برنامجها لإصلاح اقتصاد المملكة، وتحقيق التوازن بين الإيرادات والمصروفات في الموازنة العامة للدولة.
وتنوي السعودية رفع أسعار الطاقة لتصل لمعدلاتها العالمية بحلول 2025، حسب تحديث لوثيقة التوازن المالي الصادرة عن وزارة المالية السعودية.
الصدمة الثالثة
ضريبة «القيمة المضافة» ستكون الصدمة الثالثة للمقيمين في المملكة خلال 2018؛ حيث من المقرر بدء تطبيقها مطلع العام.
وحسب الهيئة العامة للزكاة والدخل (سعودية حكومية)، فإن معظم السلع والخدمات المتداولة في المملكة ستكون خاضعة لضريبة القيمة المضافة بنسبة 5%.
وكانت السعودية فرضت، منتصف 2017، ضريبة جديدة عرفت باسم «الضريبة الانتقائية»، والتي تراوحت بين 50 و100%، وشملت السلع الضارة بالصحة بمختلف أنواعها، وفي مقدمها التبغ بأنواعه كافة، إضافة إلى مشروبات الطاقة والمشروبات الغازية.
وبينما ظل بإمكان المقيم النأي بنفسه بعيدا على أعباء «الضريبة الانتقائية» باعتبارها لم تطل سلعا أساسية لحياته، فإن «القيمة المضافة» ستطال معظم السلع والخدمات الأساسية لمعيشته ما يعني زيادة في أسعارها بنحو 5%.
وسبق أن أعلن حساب ضريبة «القيمة المضافة» بالسعودية أن الضريبة تشمل البنزين ومشتقاته.
وتمهيدا لتلك الزيادات في الأسعار والضرائب الجديدة، التي تحل مع حلول العام، وتجنبا لأي غضب في الشارع السعودي، بدأت السعودية، الخميس الماضي، صرف أول دفعة من برنامج «حساب المواطن»، بحد أدني 300 ريال (80 دولارا).
وبدأت الأسر السعودية التسجيل الفعلي في برنامج «حساب المواطن» مطلع فبراير/شباط الماضي، ويهدف إلى تعويض المواطنين من ذوي الدخل المنخفض والمحدود ماديا عن الآثار الاقتصادية الناتجة رفع أسعار الطاقة والمياة، وغيرها من المبادرات.
وبلغ عدد المسجلين في البرنامج، قرابة 13 مليون مواطن ومواطنة، فيما لا يُعرف عدد من تمت الموافقة على منحهم الدعم.
ورصدت موازنة السعودية 2018، التي أعلنت رسميا، قبل أيام، مبلغا بقيمة 2.5 مليار ريال شهريا (667 مليون دولار)، للإنفاق على «حساب المواطن»، ويتوقع أن تكون موازنة هذا الحساب في حدود 32 مليار ريال (8.53 مليارات دولار) عام 2018.
لكن مواطنين سعوديين أبدوا عدم رضاهم من قيمة الدعم الذي حصلوا عليه ضمن «حساب المواطن»، وانعكس ذلك على تعليقاتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
السعودة والتوطين
حالة عدم الرضا تلك تعكس الصورة المأسوية للمقيم الذي يتلقى الصدمات دون دعم.
ويقول مراقبون إن تلك الصدمات مقصوده في إطار رؤية لتوطين الوظائف (السعودية)، والقضاء على البطالة التي تزيد عن 12% في المملكة.
إذ تسعى السلطات إلى توطين وسعودة الوظائف لخفض نسب البطالة، وتوفير 450 ألف وظيفة للسعوديين، وإحلال 1.2 مليون وظيفة بالمواطنين بحلول 2020.
وفي هذا الصدد، تم اتخاذ الكثير من الإجراءات والقرارات خلال الأشهر القليلة الماضية، وشمل ذلك توقيع وزارة العمل السعودية، في 24 أبريل/نيسان الماضي، مذكرة تفاهم مع هيئة النقل العام في البلاد لتوطين مكاتب تأجير السيارات.
كما أصدر وزير العمل السعودي، في 20 أبريل/نيسان الماضي، قرارا بقصر العمل بالمراكز التجارية المغلقة (المولات) في المملكة، على السعوديين والسعوديات فقط.
وكانت المملكة أصدرت قرارا مماثلا، العام الماضي، بقصر العمل في مراكز الاتصالات على المواطنين فقط، وفرضت عقوبات بحق أرباب العمل المخالفين.
وإضافة إلى ذلك، هناك إعلانات متلاحقة عن مخططات لتعزيز السعودة؛ فوزارة العمل أعلنت، أنها تبحث «سعودة» كاملة أو جزئية لـ6 قطاعات خلال الفترة المقبلة هي العقار، والسياحة، وسائقي الأجرة، وصيانة الحاسب، محال بيع الذهب، ومحال بيع الفواكه والخضروات.
أيضا، وقعت وزارتا «العمل» و«الخدمة المدنية» في السعودية، اتفاقية لتطبيق ما يعرف بـ«برنامج تنمية وكفاءة» الذي يتضمن جدولا زمنيا لاستبدال العمالة الوطنية بالأجنبية في القطاع الحكومي.