تقرير: الأخبار: وكالة الصحافة اليمنية//
ما معنى أن تستمر إسرائيل في اللهاث وراء روسيا في ما يتعلق بالساحة السورية، في موازاة استمرار التجاهل الروسي المقابل؟ سؤال يعيد فرض نفسه على طاولة البحث والمتابعة مع كل «حادث» جديد بين الطرفين، يؤكد استمرار الأزمة والقيد على مناورة إسرائيل العسكرية في سوريا.
في استغلال مفرط لمسألة الأنفاق على الحدود مع لبنان، هاتف رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. خصصت المحادثة لإطلاع روسيا على «كشف الأنفاق» مع تمرير طلب لقاء مباشر لعرض المعطيات أكثر. حظي الطلب باستجابة لبقة بعد جهود أيام من مكتب نتنياهو مع نظيره الروسي، بإرسال وفد عسكري مهني لإطلاع موسكو على المعطيات.
في حينه، أطلّ نتنياهو على الإعلام، مستغلاً الاتصال الهاتفي، تماماً كما فعل في الماضي لدى مهاتفة بوتين لتهنئته بعيد ميلاده والتأكيد لاحقاً أنه اتفق معه على لقاء قريب جداً. هذه المرة ابتعد عن تكرار الخطأ، وأشار إلى ما لا يمكن التأكد منه، وبما لا يستدعي رداً روسياً: «اتفقنا على لقاء عسكري وعلى ضرورة استمرار التنسيق، مع التشديد على أن إسرائيل ستواصل العمل على منع التمركز الإيراني في سوريا ونقل السلاح النوعي إلى حزب الله في لبنان وتطوير صواريخه هناك».
بالفعل، توجّه وفد عسكري إسرائيلي رفيع المستوى إلى موسكو، برئاسة رئيس شعبة العمليات في الجيش اللواء أهارون حاليفا. المفاجأة كما تشير المصادر الإسرائيلية (قناة «كان») في الاستقبال الروسي، الذي يمكن وصفه في حد أدنى باللامبالاة: أشغل كبار العسكريين في وزارة الدفاع والجيش الروسي أنفسهم خارج موسكو، ووكلوا إلى مجموعة متدنية الرتبة لقاء غير نظرائهم من العسكريين الإسرائيليين، برئاسة نائب شعبة العمليات الجنرال فاسيلي تروشين.
صحيفة «يديعوت أحرونوت» تشير في ذلك إلى أن ترؤس تروشين للوفد الروسي يحمل أكثر من دلالة على التجاهل واللامبالاة الروسية: «تروشبن يوشك على مغادرة منصبه إلى التقاعد، ولم يكن ذا علاقة خلال السنوات الماضية بالساحة السورية، كذلك فإنه قضى العام الأخير في تمثيل وزارة الدفاع في الاحتفالات الرسمية والانشغال ببروتوكولاتها».
قناة «كان» العبرية التي أكدت المعطيات بعد أيام على اللقاء وعلى نقيض من الشكل الذي خرجت بها البيانات العسكرية الإسرائيلية، أشارت أيضاً إلى أن البيان الصادر عن الجانب الروسي جاء مقتضباً، ويشير إلى أنه لم يتحقق شيء، باستثناء قرار مواصلة مناقشة قضية التنسيق الأمني بين الجانبين، الذي عُدّ بذاته نوعاً من الإنجاز في تل أبيب.
ليس لدى تل أبيب خيارات بديلة موازية من شأنها تحقيق النتائج المأمولة
في السياق كذلك، كان الاهتمام الإسرائيلي بتقارير روسية عن تنسيق بين القوات الروسية في سوريا وحلفاء الدولة السورية، أي إيران وحزب الله، اهتماماً بالغاً. بحسب الإعلام الروسي (صحيفة «كومرسانت» الواسعة التأثير والانتشار)، تعمد القوات الإيرانية وحزب الله إلى رفع الأعلام الروسية في أكثر من موقع في سوريا، مع حديث عن تنسيق مسبق بين الجانبين. إزاء هذا «المعطى»، رفض الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي التعليق، لافتاً في حديث للإعلام العبري («يديعوت أحرونوت») أنه لا يعلق على ما يرد من تقارير في موسكو.
في الدلالات، يشار إلى الآتي:
من الخطأ، رغم كل ما ورد، التعامل حول القيد الروسي لإسرائيل في سوريا بناءً على موقف عدائي. العلاقة بين الجانبين غير عدائية، لكنها تشهد في هذه الفترة تبايناً في المصالح، يفرض على موسكو التشدد. نعم، من الصعب في هذه المرحلة إقدام روسيا على تغيير الموقف، وإن كان الهدف الإسرائيلي غير ممتنع بالمطلق، رغم صعوبة التوصل إليه.
ما دون هذه الملاحظة وضرورة حضورها الدائم يشار إلى أن من الواضح أن زيارة الوفد الإسرائيلي، وإن اتخذت وصفاً بأنها عملياتية توضيحية حول الأنفاق المنسوبة إلى حزب الله، إلا أنها في الأساس، زيارة «اختبار» تهدف إلى معاينة عن قرب إن كان موقف روسيا مقبل على تغيير بما يتعلق بقيدها المفروض في سوريا على أنشطة سلاح الجو الإسرائيلي، بل أيضاً على أي نشاط عسكري فعلي ضد سوريا وفيها.
النتيجة التي تلقتها إسرائيل، أن الموقف الروسي المقيّد موقف ثابت، ولا يوجد ما يشير إلى الآن أنه مقبل على تليين أو تغيير. وكما أشار الإعلام الروسي بعد مغادرة الوفد الإسرائيلي موسكو، نقلاً عن مصدر رفيع في وزارة الدفاع: «موقفنا لا يتغير. ضربات سلاح الجو الإسرائيلي لبنى تحتية سورية، بحجة التهديد الإيراني، غير مقبولة من قبلنا».
في الموازاة، الواضح كذلك من الجانب الإسرائيلي، الإصرار على «دق باب» موسكو، علّ تغييراً طرأ على موقفها، رغم أن الإدراك الذي بات موجوداً في تل أبيب، أن الموقف الروسي ليس تكتيكياً، بل يرتبط بقرار يتجاوز إسرائيل إلى ما هو فوقها وورائها نحو حليفها الأم والأكثر اقتداراً، وهو الجانب الأميركي وبما يرتبط بالوجهة النهائية للحرب والحل السياسي في أعقابها.
لكن كما يتضح كذلك، ليس لدى تل أبيب خيارات بديلة موازية من شأنها تحقيق النتائج التي كانت مأمولة من نشاطها العدائي في سوريا. ما يبقي لديها الساحة الأصعب كمكان مواجهة افتراضي، أي لبنان، حيث أقل مستوى تهديد فيه كرد على أنشطة إسرائيل العدائية الذي بات محسوماً، من شأنه أن يجر إلى مواجهة، مساوئها ولا يقينها أكثر وأوسع من الفوائد الممكن أن تستحصل عليها منها.
يبقي القيد الروسي إسرائيل أمام خيارات صعبة، أقل ما يقال فيها أنها تمثّل معضلة ترتبط بمجمل خياراتها العملية، وبما يشمل معطيات اتخاذ القرار وبلورته، وكذلك تنفيذه، واليوم الذي يلي ذلك. هذه المعضلة تبقي إسرائيل على جاهزية دائمة لتلقُّف أي معطى روسي أو حادث يمكن استغلاله لمعاينة صلابة موقف موسكو وثباته. لدى إسرائيل في الموازاة إرادة مستميتة للحفاظ، وإن بالشكل، على صورة الاقتدار في وعي أعدائها في سوريا، التي باتت مثقوبة، بعد القيد الروسي فيها.