اللواء الموشكي: الخيارات الاستراتيجية التي رسمها قائد الثورة لعبت دوراً محورياً في مسارات العمليات العسكرية
مرور ألف يوم على صمود وثبات وانتصارات شعبنا أمام اعتى عدوان همجي إجرامي بربري متواصل في حربه الظالمة على اليمن أرضاً وإنساناً لا يعد فقط وبكل المقاييس السياسية والعسكرية حدثاً وطنياً مهماً فحسب، بل أيضاً متغيراً استراتيجياً قلب رأسا على عقب مفاهيم خوض المعارك الحديثة وأساليب ادارة الحروب وسياقات مسارات تاريخها برمتها، خصوصاً إذا ما نظرنا الى طبيعة التكتيكات العسكرية والأساليب التعبوية والاستراتيجية للجيش واللجان الشعبية في مواجهة أهداف هذه الحرب الدموية التدميرية التمزيقية المعلنة من العاصمة الامريكية واشنطن والتي شاركت فيها أكثر من 17 دولة تحت مسمى “التحالف العربي”، إضافة الى حشود المرتزقة المحليين والأجانب من كل بقاع الأرض بقيادة مملكة الشر السعودية وبدعم واسناد ومشاركة فاعلة من قبل الامبريالية الصهيوأمريكية وفقاً لسيناريو العدوان المرسوم من قبل خبراء البنتاجون والقيادة المركزية الامريكية الوسطى المعنية عسكرياً واستخباراتياً بشؤون منطقة الشرق الأوسط والتي تتخذ من مدينة “تامبا” بولاية جورجيا الامريكية مقراً لها.
وفي هذا السياق خصصت دول العدوان الخليجية مئات المليارات من الدولارات لتمويل هذه الحرب الهمجية الارهابية على اليمن الجغرافيا والثروة والانسان، وها هي تمر ألف يوم على شن العدوان الغاشم غاراته الجوية المفرطة على أرض الحضارة والحكمة والإيمان والتاريخ وشعبنا اليمني العظيم صامد بشموخ وكبرياء دفاعاً عن سيادة ووحدة واستقلال الوطن رغم استخدام الفاشيين الجدد مختلف أسلحة القتل والدمار والخراب وأشدها فتكاً، ومنها تلك القنابل المحرمة دولياً والتي ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء.. اضافة الى فرض قوى الشر والعدوان حصارها الجائر براً وبحراً وجواً بغية تركيع هامات اليمنيين وكسر إرادتهم في الخلاص من التبعية والوصاية والهيمنة الاستعمارية الامريكية السعودية التي ظلت سائدة خلال عقود من زمن النظام المندثر السابق، ودفع خلالها شعبنا الصابر المكافح المسالم أثمانا باهظة على حساب نمائه ونهوضه وتطوره.
وإذا ما كانت الحروب بصورها وأشكالها المتعددة تشكل في أهدافها الاستراتيجية امتدادا للسياسة واداة ووسيلة لتحقيق الغايات التي عجزت عن بلوغها فإن الهدف الاستراتيجي للعدوان كان قد تضمن القضاء على الثورة الوليدة الـ21من سبتمبر وكبح تطلعات وطموحات الشعب اليمني التحررية والسيطرة على مناطق الثروة والمواقع الحيوية الجيوسياسية وفي مقدمتها مضيق باب المندب والجزر الحاكمة على ممرات الملاحة الدولية في جنوب البحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن وصولاً الى بوابة المحيط الهندي “جزيرة سقطرى” والهيمنة على الموانئ اليمنية ومناطق النفط والغاز في حضرموت وشبوة ومارب والجوف الواعدة واعادة تقسيم اليمن الى كنتونات هشة وضعيفة تحت مسمى الاقاليم وبما ينسجم مع خارطة مشروع الشرق الأوسط الجديدة الضامن أمن ومصالح الكيان الاسرائيلي في المنطقة بصفة خاصة، وبفرض الهيمنة الامريكية بصفة عامة وبما يتواكب مع مسارات صراع المصالح الدولية في المنطقة والعالم.
وقد حددت الخطة التنفيذية العملياتية لسيناريو العدوان جملة من الخطوط العريضة تحت مسمى “عاصفة الحزم” التي بدأت بشن عدوانها فجر يوم الخميس 26 مارس 2015م بغارات جوية مكثفة هدفت الى شل فعاليات الدفاعات الجوية اليمنية التي كانت أصلاً في معظمها خارجة عن الجاهزية القتالية منذ مرحلة التآمر على جهوزية الجيش والامن التي جرت تحت مسمى “اعادة الهيكلة” بإشراف امريكي مباشر، كما قضت خطة العدوان تدمير القواعد الصاروخية بدرجة رئيسية والانتقال الى توجيه ضربات مركزة على قوات النخبة واللجان الشعبية وتمزيق قوات الدروع وتشكيلات المشاة في زمن وجيز، ومن ثم الدفع بجحافل المرتزقة وقوات الغزو للسيطرة على المناطق المهمة التي تضمنها سيناريو العدوان، وكما قال العسيري في تصريحاته الاولى بأن الحرب ستحقق اهدافها خلال أيام معدودة وان هدفها اعادة ما يسمى بالشرعية ولكن كما اثبتت مسارات هذه الحرب كانت حسابات العدوان خاطئة، حيث لم تمر المرحلة الاولى من حربهم الظالمة إلا وقد استطاع الجيش اليمني مسنوداً باللجان الشعبية من امتصاص الغارات الجوية وإعادة ترتيب وضعه قتاليا ورص الصفوف وتمتين الجبهة الداخلية والانتقال من الدفاع الى الهجوم والتعامل مع العدوان في جبهات القتال بمهارة عالية واقتدار قتالي رفيع المستوى.. حينها استدركت القيادة العسكرية الامريكية السعودية الموقف وأعلنت على لسان ناطقها الرسمي الذي يشغل اليوم منصب نائب مدير الاستخبارات العسكرية “عسيري” الانتقال الى ما يسمى بالخطة “ب” “إعادة الأمل” في حين كان العدوان قد أعلن اكثر من مرة انه تمكن من القضاء على قوة الردع الصاروخية اليمنية وانه على وشك الدخول الى صنعاء، معتمداً على آلته الإعلامية التضليلية المرتكزة في أدائها على الشائعات والترويج للأكاذيب المتناقضة جملة وتفصيلاً مع ما يجري على الأرض من انتصارات نوعية كبرى للجيش اليمني واللجان الشعبية يقابلها هزائم وإخفاقات في مختلف جبهات المواجهة بما في ذلك جبهات ما وراء الحدود وفق مقتضيات الأساليب القتالية التي فرضتها معطيات ومتطلبات معركة مواجهة العدوان وبمثل هكذا صورة استطاع الجيش واللجان الشعبية على تحقيق الانتصارات المتواصلة ضد المعتدي الغادر والحاق الهزائم المريرة والقاسية بقواته براً وبحراً وجواً.
وفي هذا المنحى ومن أجل تحقيق المزيد من الانتصار وتعزيز الجبهة الداخلية رسم قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي الخيارات الاستراتيجية للجبهة المناهضة للعدوان الارعن، وقد تضمنت هذه الخيارات الوطنية خطوطا عريضة عملت قيادة وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان العامة على بلورتها وفق خطط وبرامج عملياتية عسكرية جسدت كفاءة واقتدار القيادة العسكرية اليمنية على خوض الأعمال القتالية الدفاعية والهجومية بمهارة عالية، وبما يحقق التفوق في جبهات القتال تماماً كما حدث في عمق قوات العدو السعودي وفي جبهة الساحل الغربي وجبهة مارب وغيرها من جبهات المواجهة وكانت أهم مضامين تلك الخيارات الوطنية الاستراتيجية تسخير كل الامكانات المتاحة للدفاع عن سيادة ووحدة واستقلال اليمن، والعمل على دحر المعتدين من كل شبر من الوطن وتفعيل دور الصناعات العسكرية اليمنية وفتح المجال واسعاً امام الشعب اليمني للانتصار لإرادته في الحرية والعزة والكرامة من خلال تعزيز ورفد جبهات المواجهة بالرجال والمال والسلاح وبالتالي الابقاء على مسار الحل السياسي للازمة اليمنية باعتباره الوسيلة المثلى للتجاوز بالوطن والشعب تداعيات الحرب الظالمة والحصار الجائر، وفي ضوء هذه الخيارات توافرت عوامل النصر في الميدان واستطاع المقاتل اليمني المدافع عن أرضه وعرضه خوض العمليات القتالية في أكثر من أربعين جبهة عسكرية.
القوة الصاروخية
وفي ذات السياق وتنفيذاً لتوجيهات السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي تم تفعيل دور الصناعات العسكرية اليمنية التي تضمنت تطوير وتحديث قوة الردع الصاروخية متوسطة وبعيدة المدى، ودخلت صواريخ الزلزال 1، 2، 3 البالستية لأول مرة ميدان المعركة وتحديداً في شهر يناير 2016م والتي كانت أكثر دقة في اصابة الأهداف إلا ان صواريخ توتشكا والتي تعني باللغة الروسية “النقطة” كانت قد لعبت دوراً حاسماً آنذاك ضد معسكر بيرق في مارب وفي جبهة باب المندب وأدت تلك الضربات الى مصرع المئات من ضباط الامارات والامريكان والسعوديين وتدمير غرف عمليات قوى الغزو والاحتلال ومراكز التحكم، وحينها اعتبر المحللون العسكريون نجاح توتشكا يعود الى نجاح العمل الاستخباري العسكري للجيش اليمني بالدرجة الاساسية، كما كان من أبرز الضربات الصاروخية استهداف قاعدة خميس مشيط الجوية وقاعدة الملك خالد العسكرية وأبوظبي عبر صواريخ بالستية مطورة محلياً –بركان 1، 2، وكروز- كما تم استهداف البارجة الاماراتية “سوفيت” في الاول من أكتوبر 2016م قبالة شواطئ باب المندب وكانت القوة الصاروخية قد استهدفت بصاروخ بركان 1 في الـ9 من أكتوبر من نفس العام القاعدة الجوية في الطائف لتقوم على اثر ذلك طائرات العدوان بقصف القاعة الكبرى بالعاصمة صنعاء والتي راح ضحيتها المئات من المعزين لآل الرويشان.
وفي 27 أكتوبر 2016م دمرت القوة الصاروخية الاستراتيجية من طراز بركان 1 مطار الملك عبدالعزيز بجدة وكان أول صاروخ يمني يصل الى هذه المدينة بمدى 800 كم2 وهو صاروخ مطور محلياً من نوع سكود.
ومع تواصل عملية الإنتاج العسكري اليمني وجه قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي إنذاراً لدول العدوان بوقف عدوانها ما لم سيتم استهداف قواعدها ومنشآتها العسكرية والاقتصادية حيثما وجدت على خارطة الإمارات والسعودية وصدق وعده باستهداف الرياض وابوظبي والقادم أعظم براً وبحراً وجواً في ظل تنامي الصناعات العسكرية اليمنية التي شملت منظومة قوة الردع الصاروخية ومنظومة الصواريخ البحرية ومنظومة الدفاع الجوي وطائرات بدون طيار.
قوة الردع الصاروخية ستطال اهدافها في عمق دول العدوان السعودي الإماراتي وفي البحر والجو في ظل استمرار الغارات الجوية على اليمن، وهذا الأمر يؤكد للجميع بأن القوة الصاروخية اليمنية المطورة محلياً غدت تمثل عامل توازن استراتيجي بعد أن كان العدوان يتفوق جواً، وها هي الضربة الصاروخية على قصر اليمامة في الرياض بصاروخ بركان H2 تؤكد مدى قدرة القوة الصاروخية اليمنية على إصابة أهدافها بدقةٍ عالية.
وختاماً يمكننا القول بأن الجيش اليمني واللجان الشعبية أصبح اليوم يمتلك من الخبرات والقدرات القتالية والقوة اكثر من أي وقت مضى خصوصاً بعد ان تم إعادة تشكيل مناطق ومحاور ووحدات القوات المسلحة ووأد الفتنة والانتقال الى مرحلة الهجوم كخير وسيلة للدفاع وحتماً ستشهد الأيام القادمة انتصارات كبرى في مختلف جبهات مواجهة العدوان الغاشم بمشيئة الله تعالى.
اللواء الركن/ علي حمود الموشكي
نائب رئيس هيئة الأركان العامة