تحليل: وكالة الصحافة اليمنية//
ركن آخر من أركان إدارة ترامب ينسحب منها، وهو جيمس ماتيس وزير الدفاع والجنرال في الجيش الأمريكي، لكنه أيضًا رجل يحظى باحترام كثيرين في الأوساط السياسية والعسكرية في الولايات المتحدة، وباستقالته بعد كل من وزير الخارجية السابق وجون كيلي رئيس هيئة موظفي البيت الأبيض وإتش آر ماكماستر المستشار السابق لشؤون الأمن القومي، يرحل آخر الرجال الأربع الذين كان يُنظر إليهم بصفتهم حكماء التشكيلة الحكومية في عهد الرئيس ترامب.
وعلى الرغم من أن ترامب حاول التخفيف من أثر الصدمة في القرار المفاجئ، ولمَّح في تغريدة على تويتر أن الطلاق كان وديًا بتقديمه الشكر للوزير المنصرف، فإن رسالة ماتيس لم تترك مجالاً للشك في أنها كانت استقالة احتجاجية على ما يراه خطرًا حقيقيًا على النظام العالمي الذي صممته ورعته أمريكا منذ الحرب العالمية الثانية.
رأس آخر يغادر بيت ترامب
في الوقت الذي يبدو فيه الانسحاب من سوريا كالضربة التي قضت على آخر قدر من صبر وتحمل الجنرال السابق في مشاة البحرية، فإن قائمة طويلة بطول القرارات المثيرة للجدل التي اتخدها ترامب في النصف الأول من ولايته الرئاسية في مجالات الأمن القومي، وفي حين ربط البعض قرار ماتيس بإعلان بدء سحب القوات الأمريكية من سوريا وأنباء تحدثت عن عزم الرئيس الأمريكي سحب أعداد كبيرة من من الجنود من أفغانستان، أكد مسؤولون أمريكيون أن الاستقالة لم تكن بضغط من ترامب.
وزير الدفاع الأمريكي المستقل جيمس ماتيس والرئيس الأمريكي دونالد ترامب
البداية كانت مع رغبة ترامب في الانسحاب من المعاهدة النووية مع إيران، التي عزلت واشنطن عن حلفائها وباقي الأطراف الموقعة على المعاهدة، وفي منطقة الشرق الأوسط اختلف الوزير المستقيل أيضًا مع رئيسه بشأن حصار قطر وتعامل البيت الأبيض مع تداعيات مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، كما شكلت العلاقات مع روسيا ورئيسها فلادمير بوتين أيضًا موطنًا لخلاف مستديم بين البيت الأبيض والبنتاغون الذي يرى في كل من موسكو وبكين تهديدًا إستراتيجيًا لمصالح أمريكا وحلفائها في العالم.
لجوء الرئيس ترامب إلى تغريدات تويتر كوسيلة مفضلة لاتخاذ قرارات كبرى لا يروق لماتيس ولا لجنرالات البنتاغون المتعودين على التخطيط بعيد المدى
انتقادات الرئيس ترامب العلنية لحلفاء أمريكا في حلف شمال الأطلسي أثارت حفيظة الجنرال ماتيسن الذي قال إن واشنطن استفادت أكثر من غيرها من ذلك التحالف الذي لم يساعدها في كسب الحرب الباردة وحسب، بل كانت المرة الوحيدة التي دخل فيها في مواجهة عسكرية مشتركة جاءت من دعوة أمريكا بُعيد الحادي عشر من سبتمبر في الحرب الدائرة الراحلة في أفغانستان.
ماتيس أعرب أيضًا لمساعديه الأقربين عن امتعاضه من طلب الرئيس الأمريكي نشر قوات عسكرية على الحدود مع المكسيك في ذورة حملة الانتخابات النصفية، في خطوة اُعتبرت على نطاق واسع توظيفًا انتخابيًا للقوات المسلحة لإبراز خطر مبالغ فيه للمهاجرين واللاجئين على الأمن القومي الأمريكي.
وجاء قرار الانسحاب من سوريا ليختزل كل مآخذ ماتيس على أداء الرئيس ترامب شكلاً ومضمونًا، فمن حيث الشكل لجوء الرئيس ترامب إلى تغريدات تويتر كوسيلة مفضلة لاتخاذ قرارات كبرى لا يروق لماتيس ولا لجنرالات البنتاغون المتعودين على التخطيط بعيد المدى، كما أن الرئيس لا يسعى إلى مشاورتهم مسبقًا، وحتى إن فعل فإنه نادرًا ما يعمل بمشورتهم، من المعاهدة النوورية مع إيران إلى قرار الانسحاب من شمال شرقي سوريا.
ويبدو أن ماتيس قد استشاط غضبًا من التخلي عن قوات سوريا الديمقراطية المكونة أساسًا من المقاتلين الأكراد وبعض العرقيات الأخرى في وقت حرج وتركهم يواجهون مصيرهم بين القوات التركية من جهة والقوات النظامية السورية ومقاتلي تنظيم الدولة “داعش” من جهة أخرى، بعد أن شكَّلوا لفترة طويلة أقوى حلفاء أمريكا في سوريا.
رؤوس كثيرة سبقت
أسئلة كثيرة تُطرح بإلحاح في واشنطن والعواصم المعنية بما يجري فيها كثرة الأسماء التي سحبت من واجهة المشهد السياسي من عهد الرئيس ترامب، فاستقالة وزير الدفاع ليست الأولى، فخلال العامين الماضيين الأولين لترامب في البيت الأبيض غادر مسؤولون بارزون إدارته، منهم تيلرسون الذي أعاز استقالته أيضًا إلى عدم تطابق وجهات النظر مع ترامب في قضايا عدة.
أقال الرئيس الأمريكي دونالد ترمب جيمس كومي مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي من منصبه بعد كشفه معلومات عن رسائل إلكترونية خاصة بوزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، وقدم مايكل فلين مستشار الأمن القومي الأمريكي استقالته من منصبه بعد أقل من شهر على تعيينه في إدارة ترامب جراء الكشف عن اتصالات أجراها مع سفير روسيا لدى واشنطن.
جون سبايسر المتحدث باسم البيت الأبيض استقال هو الآخر من منصبه احتجاجًا على تعديل فريق الاتصالات الحكومي، حيث عين ترامب أنطوني سكاراموتشي مديرًا جديدًا للاتصالات، لكن لم يستمر أكثر من 10 أيام في منصبه، لينضم إلى راينس بريبس كبير موظفي البيت الأبيض الذي جاءت إقالته على خلفية خروج الخلافات داخل فريق الرئيس الأمريكي إلى العلن.
أنجيلا ريد رئيس الخدم التي تعد أول سيدة وثاني أمريكية من أصل إفريقي تشغل هذا المنصب أنهى البيت الأبيض خدمتها، بدورها، كاتي وولش وهي نائبة رئيس موظفي البيت الأبيض استقالت من منصبها، كما أقيلت سالي وزيرة العدل بالوكالة من منصبها بعد تصديها للقرار التنفيذي الذي أصدره ترامب بشأن المهاجرين.
سجل هؤلاء وغيرهم الكثير رفضهم البقاء في إدارة رجل لا يزال يبحث عمّن يوافق هواه في القرارات التي يتخذها، وتعود أهم أسباب الرفض إلى الفوضى التي تعم البيت الأبيض، وعدم تمكن المسؤولين من اختيار موظفيهم، بالإضافة إلى تشكيك البعض في نزاهة الانتخابات التي فاز بموجبها الرئيس ترامب.
ويرى مراقبون بعض قرارات ترامب سواء في الشان الداخلي أم الخارجي باتت تلقى معارضة حتى من المقربين منه، وهو ما يدفع مقربون من مسؤولين بإدارته لمغادرة مناصبهم ويجعل بعض المشرعين المدافعين عنه ينتقدونه علنًا.
حكومة نحو الشلل
قرار استقالة ماتيس عمَّق متاعب ترامب مع حلفائه في الكونغرس، حيث أَّدت المواجهة بين ترامب وإدارته إلى توترات أخرى في واشنطن، فقبل ساعات قليلة دخلت الحكومة الأمريكية في إغلاق جزئي لها، بعد فشل الجمهوريين في مجلس الشيوخ في حشد الأصوات اللازمة للموافقة على تمويل بقيمة 5 مليارات دولار طالب به الرئيس ترامب لبناء جدار حدودي مع المكسيك يعارضه الديمقراطيون بشدة، مما دفع العاصمة إلى حالة من الضعف.
وفي منتصف الليل، تم إغلاق تسع وكالات فيدرالية، بما في ذلك وزارة الأمن الداخلي ووزارة الخارجية وإدارة العدل، كما تم إغلاق المنتزهات والمتاحف الوطنية التي تديرها وزارة الداخلية، وهو الإغلاق الثالث للحكومة الأمريكية لهذا العام، وهو رقم قياسي في أربعة عقود، فمنذ عام 1981، أدت فجوات التمويل إلى إغلاق الحكومة في 12 مناسبة.
حذر الرئيس ترامب من تعطيل مهام الحكومة بشكل مطول إذا واصل الحزب الديمقراطي رفض زيادة التمويل لبناء جدار مع المكسيك، ولا تزال مواقف الطرفين متباعدة تمامًا قبل ساعات قليلة من نهاية مهلة تمويل هيئات رئيسة، وبينما يقول جمهوريون إن المفاوضات مستمرة لمعرفة ما إذا كان من الممكن التوصل إلى قانون تمويل للحكومة بشكل وسطي، ويمكن أن يقبل به مجلس الشيوخ.
مثل هذا الإغلاق سيؤثر على 800 ألف موظف فيدرالي، سيعمل 420 ألف منهم دون أجر طوال فترة الإغلاق، بينما سيضطر 380 ألف موظف منهم إلى أخذ إجازة من العمل دون مقابل
وفي الساعات التي سبقت الإغلاق، بذل الجمهوريون والديمقراطيون عددًا من المحاولات الأخيرة للتوصل إلى حل وسط، لكن مع عدم رغبة ترامب في التراجع عن طلب يعارضه الديمقراطيون لم يتم التوصل إلى اتفاق، ومن المتوقع أن يستأنف أعضاء مجلس الشيوخ المحادثات يوم السبت على أمل التوصل إلى اتفاق لاستئناف العمليات الحكومية قبل نهاية عطلة نهاية الأسبوع.
يلوم ترامب الديمقراطيين ويهدد بأن إغلاق الحكومة إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق يعني إغلاقًا لفترة طويلة، ومثل هذا الإغلاق سيؤثر على 800 ألف موظف فيدرالي، سيعمل 420 ألف منهم دون أجر طوال فترة الإغلاق، بينما سيضطر 380 ألف موظف منهم إلى أخذ إجازة من العمل دون مقابل.
وبينما تستمر المساعي في الكونغرس للحيلولة دون إغلاق الحكومة، يحذر آخرون من تبعات الإغلاق على الإدارة الأمريكية والكونغرس، بل وعلى الاقتصاد الأمريكي، فقد كلَّف إغلاق الحكومة منذ 5 سنوات، 24 مليار دولار أمريكي، أي أن الاقتصاد الأمريكي يخسر 6 مليارات دولار أسبوعيًا جرَّاء الإغلاق.
وأدت احتمالية إغلاق الحكومة إلى تغذية مخاوف المستثمرين التي ساهمت في انخفاض آخر يوم الجمعة للأسهم الأمريكية، وانخفض مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 1.82%، وخسر مؤشر ستاندرد اند بورز 500 بنسبة 2.06%، ومؤشر ناسداك انخفض بنسبة 2.99%.
وأدت المواجهة إلى توترات في واشنطن مع تصدي أعضاء الكونغرس أيضًا لتحرك ترامب المفاجئ لسحب القوات من سوريا، الأمر الذي دفع جيم ماتيس وزير الدفاع إلى الاستقالة وعزز المخاوف بشأن التحقيق في التدخل الروسي في انتخابات 2016 التي فاز بها ترامب، وهو القرار نفسه الذي قد يعمّق من رغبة ترامب في العثور على بديل مقنع، بل قد يجد صعوبة أكبر في تصديق الكونغرس على خلف للوزير المستقيل.
………………………
المصدر: noonpost