لم يخف الاسرائيليون تذمرهم وانزعاجهم من قرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب بسحب القوات الاميركية من سوريا.
المعارضة الاسرائيلية ذهبت الى ابعد من انتقاد القرار فقد وصفته بانه مؤشر لفشل ذريع لسياسة رئيس وزراء الاحتلال بينيامين نتنياهو واعتبرت زعيمة المعارضة الإسرائيلية تسيبي ليفني أن الانسحاب الأمريكي من سوريا هو فشل سياسي وأمني لرئيس الوزراء الإسرائيلي.
وغردت ليفني العضو في الكنيست عن حزب “المعسكر الصهيوني” منتقدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، معتبرة أن إعلانه أن تنظيم “داعش” كان الهدف الوحيد لواشنطن في سوريا، يظهر بحسب تعبيرها “تجاهلا خطيرا للوجود الإيراني” في تلك المنطقة.
وقالت ليفني: “الولايات المتحدة تسحب قواتها من سوريا مع الادعاء بأن “داعش” هو السبب الوحيد لوجودها هناك واصفة تجاهل الوجود الإيراني المترسخ في سوريا، بانه أمر خطير على “إسرائيل” وفشل سياسي وأمني سجل تحت اسم نتنياهو”.
أما رئيس حزب “يش عتيد” وعضو الكنيست يائير لابيد، فقد شدد على أن “الانسحاب الأمريكي يشكل فشلا في سياسة “إسرائيل” الخارجية وهو ما سيمكن إيران من ترسيخ موطئ قدمها في سوريا ويقلل من قدرة المساومة الإسرائيلية مع الروس” حسب تعبیره.
قرار ترامب فشل صاعق لنتنياهو
وفي الشأن ذاته، كشفت القناة 10 الإسرائيلية أن نتنياهو حاول إقناع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالعدول عن قراره لكنه فشل، مشيرة إلى “خيبة أمل كبيرة” من قرار الانسحاب الذي أكدت أنه في صالح روسيا وإيران وحزب الله.
كما وصفت القناة الخطوة الأمريكية بأنها صفعة على وجه “إسرائيل”، معتبرة أن الوجود الأمريكي في سوريا كان “ورقة المساومة الوحيدة” لدى حكومة تل ابيب “لإقناع روسيا بمنع إيران من ترسيخ وجودها في سوريا”.
اما بالنسبة الى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فقد كشف ان حكومته اصبحت وحيدة في الملعب السوري وقال أمس الجمعة تعليقا على نبأ انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، إن “إسرائيل” ستواصل الحفاظ على أمنها والدفاع عن نفسها في الحلبة السورية، وأن الإدارة الأمريكية أطلعته مسبقا على قرار الانسحاب وطمأنته بأن لديها وسائل أخرى للتأثير في سوريا، لكنه لم يتحدث عن فشل محاولاته اقناع الرئيس الاميركي بالعدول عن قراره بسحب القوات
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد اعلن مؤخرا، أن السبب الوحيد لبقاء قوات بلاده في سوريا خلال فترة رئاسته كان يتمثل في ضرورة هزيمة “داعش”، وبعد تحقيق هذا الهدف “حان الوقت لعودة جنودنا من سوريا”.
وزير الحرب الإسرائيلي السابق، موشيه يعالون، هو الآخر عبر عن خيبة امله حيث أكد ان حكومة الاحتلال اصبحت وحيدة في الميدان وقال على حسابه بموقع “تويتر” باللغة الروسية، إنه: “إذا انسحب الأمريكيون من سوريا، فإن عبء المسؤولية عن أمن الشمال سيُلقى على كاهل إسرائيل”.
هل خان ترامب “اسرائيل”
وفي السياق ذاته نقلت القناة 14 العبرية، عن مسؤول أمني إسرائيلي كبير، قوله إن “ترامب ألقى بنا تحت عجلات شاحنات الجيش السوري الذي ينقل الأسلحة إلى سوريا وحزب الله في لبنان.
اما وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق ليبرمان فقد عبر عن قلقه من ان الانسحاب الأمريكي من سوريا يزيد احتمال نشوب نزاع واسع النطاق في لبنان وسوريا، ويرفع معنويات الرئيس السوري بشار الأسد وحلفائه في إيران وحزب الله اللبناني.
وعن تبعات الانسحاب الأمريكي المرتقب من سوريا على “إسرائيل” فقد اعتبرت تحليلات إسرائيلية أن قرار الرئيس الامريكي ترامب بمثابة ضربة لإسرائيل، وأنه يبقيها وحيدة تنفرد في الجهود لإبعاد إيران من سورية. كما ذهبت بعض التحليلات إلى اعتبار قرار ترامب يدل على “ضعف وربما خيانة” من جانب الولايات المتحدة لحلفائها في المنطقة.
وتناولت التحليلات القرار من باب خيبة الأمل والصدمة، خاصة بعد تصريحات كبار المسؤولين الإسرائيليين، بمن فيهم رئيس وزراء الاحتلال، بأن “الولايات المتحدة لن تنسحب من سورية قبل أن تنسحب القوات الإيرانية منها”.
وكتب المحلل العسكري لصحيفة “هآرتس”، عاموس هرئيل، أن قرار ترامب يعتبر ذا أهمية إستراتيجية كبيرة بالنسبة لسوريا ودول الشرق الأوسط، بما فيها الأردن والسعودية، وعلى معركة النفوذ بين واشنطن وموسكو.
وكان مسؤولون كبار في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية قد تحدثوا، في الأسابيع الأخيرة، عن أهمية من الدرجة الأولى لبقاء القوات الأميركية هناك.
وبحسب هرئيل، فقد كان لنتنياهو، في السنتين الأخيرتين، محاولات كبيرة في الوصول إلى ترامب، وفي التأثير عليه أيضا. واعتبر أن جملة من القرارات التي اتخذها ترامب، مؤخرا، تبدو كأنها مطالب “الليكود”، وبضمنها التعامل المتساهل مع السعودية بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي، ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، وانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع إيران.
التواجد الاميركي ورقة مساومة ..سقطت
وأشار إلى أن “إسرائيل” اعتبرت تواجد القوات الأميركية في التنف كورقة مساومة، بحيث لا تخرج منها إلا في إطار اتفاق يقضي برحيل القوات الإيرانية من سوريا. وفي حال تبين أن انسحاب القوات الأميركية ليس جزءا من اتفاق شامل مع روسيا، فإن ذلك سيبقى الهيمنة الروسية على سوريا.
وبالنسبة لحكومة تل ابيب، بحسب هرئيل، فإن لذلك معنيين: الأول هو عزلها كما كانت في السابق وانفرادها في الجهود لإبعاد الإيرانيين من سوريا، في ظل التوتر القائم مع روسيا منذ إسقاط الطائرة الروسية “إيليوشين 20” في أيلول/سبتمبر الماضي؛ والثاني هو أن ترامب قد اتخذ قرارا يتعارض مع موقف نتنياهو. ليخلص إلى أن ذلك يطرح تساؤلات بشأن المستقبل، خاصة وأن ترامب قلق، في الفترة الأخيرة، من الحرب التجارية مع الصين، ومن الملاحقة القضائية في الداخل بشأن التحقيقات التي يجريها المحقق الخاص، روبرت مولر، في قضية التدخل الروسي على نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية قبل سنتين.
في المقابل، نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن مصادر سياسية إسرائيلية قولها إن الحديث عن “ضربة لإسرائيل” وكتبت الصحيفة أن قرار الانسحاب الأميركي يأتي في توقيت سيئ جدا بالنسبة “لإسرائيل”، فالعلاقات مع روسيا لم تعد إلى مسارها بعد إسقاط الطائرة الروسية، وأنه رغم (مزاعم) “تهديدات أنفاق حزب الله”، فإن الولايات المتحدة تواصل تسليح الجيش اللبناني، كما أنها ليست على استعداد لممارسة الضغط عليه.
واعتبرت الصحيفة أن قرار ترامب هو استجابة لمطالب دمشق وطهران وموسكو برحيل القوات الأميركية، كما أشارت إلى أنه بعد وقت قصير من الإعلام الأميركي، فإن وزارة الخارجية الروسية أصدرت بيانا قالت فيه إن “تواجد الجيش الأميركي في سوريا غير قانوني، ويعرقل عملية السلام“.
“اسرائيل”فقدت مظلتها الاستراتيجية
وكتب المحلل السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، شمعون شيفر، أن إعلان ترامب، الذي صرح قبل شهر أن التواجد الأميركي في الشرق الأوسط من أجل “إسرائيل”، يشير إلى تحول خطير في مكانة “إسرائيل”، وأن “هذا القرار المتسرع سيكون على حسابها“.
وبحسبه، فإن ترامب لم يتمكن من تصفية قائد داعش، أبو بكر البغدادي، كما أن القرار لا يتماشى مع ادعاءات نتنياهو بأن “ترامب أكبر صديق لإسرائيل منذ أجيال”، وأن “قادة دوليين، مثل ترامب وبوتين، يرقصون على إيقاعاته“.
وبحسبه، فإن “المظلة الإستراتيجية التي وفرتها الولايات المتحدة لإسرائيل تضعضعت، بعد أن كانت إسرائيل “تتمتع” بالقدرة على التلويح لـ”أعدائها” بأنه من الأفضل أن يأخذوا بالحسبان أن الولايات المتحدة إلى جانبه”.
وكتب أيضا أن “قرار ترامب يدل على ضعف، وربما خيانة واشنطن لحلفائها، وأولهم الأكراد في سورية، وأيضا إسرائيل تشعر بالقلق، حيث أن نتنياهو تجنب التدخل في الحرب في سوريا، واعتمد على الأميركيين في ضمان مصالح إسرائيل عندما تنتهي الحرب. ولكن يبدو الآن أن سورية أصبحت بيد ألد أعدائها، دون أن يكترث أحد لمصالح إسرائيل“.
البصقة الاميركية هي امطار بركة على “اسرائيل”
من جهته كتب مراسل “هآرتس” في الولايات المتحدة، حيمي شاليف، أن الخطوة التي وصفها بـ”المتسرعة” لترامب هي بمثابة “بصقة في وجه إسرائيل“.
وكتب، ملمحا بشكل واضح إلى نتنياهو، أنه راهن على خطوات رمزية، مثل نقل السفارة إلى القدس وتحصين المستوطنات، على حساب التهديد الخطير والفوري القائم في الشمال. مضيفا أن هذا مصير من “علق في حفرة لزجة من الخنوع والتملق إلى درجة أنه فقد القدرة على الاختلاف مع الرئيس الأميركي علانية، أو تجنيد الكونغرس والرأي العام ضده“.
وكتب أيضا أن “إسرائيل” ستنظر في الأسابيع القريبة إلى الولايات المتحدة وهي تتخلى بشكل فعلي عن قدرتها على التأثير على الأحداث في سوريا. ورغم أن مسؤولين أميركيين تعهدوا بمواصلة المعركة من الجو، إلا أنه بدون تواجد على الأرض فإن القدرة على الردع سوف تتضرر، والقدرة على تعزيز تواجدها بشكل فوري على الأرض ستزول، وتأثيرها على صياغة التسوية النهائية في سورية سوف تتبدد بشكل تام. فالتراجع الأميركي يعني منح الهيمنة المطلقة لموسكو.
وأنهى مقالته بالقول “إن نتنياهو صرح أن إسرائيل تعرف كيف تدافع عن نفسها، ولكنها ستفعل ذلك من موقع ضعيف، حيث لا يقف خلفها الأخ الأكبر، خاصة بعد أن تقلصت قدرتها على المناورة بشكل جدي بعد إسقاط الطائرة الروسية، قرار ترامب يمس بشكل خطير بأمن “إسرائيل”، ولكنها ستتقبل عقابها بحب، ويجب عليها أن تقسم الآن أن البصقة من البيت الأبيض هي أمطار بركة”.