ترجمات : وكالة الصحافة اليمنية//
كان من المفترض أن يكون السودان الآن قد دخل حقبة جديدة، إذ أنه خلال العام الماضي، أنهت الولايات المتحدة عقدين من العقوبات،
التي لطالما اعتبرها الرئيس عمر حسن البشير السبب وراء عزلة وفقر بلده. وقد كانت تلك الخطوة حينها تبشر بتدفق استثمارات
جديدة، وإعادة إحياء الاقتصاد السوداني.
لكن بعد ذلك، عندما أقدم البشير على إنهاء نظام الدعم على الوقود والحبوب، بطلب من الجهات الدولية المانحة، اندلعت الاحتجاجات
في السودان. وعلى مدى الأسبوع الماضي، ظهرت بوادر الاحتقان الكبير لدى الشارع السوداني بعد حوالي 30 عاما من الإحباط الذي سببه
انتشار الفساد وسوء الإدارة الاقتصادية، الذي تطور إلى مظاهرات ضخمة وواسعة النطاق، يعتقد البعض أنها قد تؤدي للإطاحة بالنظام
العسكري الذي يقوده البشير، أو على الأقل تشكل تحديا حقيقيا لشرعيته.
عموما، يعد السودان دولة معظم سكانها من العرب، تقع على أطراف منطقة جنوب الصحراء، وقد دخل هذا البلد يومه السادس من
الاحتجاجات في يوم الاثنين، مع المزيد من التحركات المنتظرة خلال الأيام المقبلة، من بينها مسيرة ضخمة سوف تتجه إلى القصر
الرئاسي، وهو مجمع ضخم بناه الصينيون وتم افتتاحه قبل ثلاث سنوات فقط.
تجدر الإشارة إلى أن تجمع المهنيين السودانيين، وهو المنظمة التي دعت لمسيرة يوم الثلاثاء، قال في بيان له “إنه سوف يتقدم
بمذكرة للبرلمان لمطالبة النظام بالتخلي عن سلطته التنفيذية والسياسية للشعب السوداني الذي غمر المدن بمطلبه الوحيد وهو إنهاء
30 سنة من دكتاتورية النظام الحالي.”
في الأثناء، جاءت مظاهرات يوم الاثنين الماضي، التي نظمها الأطباء، إثر أيام من العنف المتصاعد الذي قامت خلاله القوات الأمنية
بإطلاق القنابل المسيلة للدموع، وقد تسببت المواجهات في سقوط 9 قتلى على الأقل، بحسب منظمة العفو الدولية. ويعتقد صحفيون محليون
أن عدد الضحايا أكثر من ذلك، وبعضهم يرجح أن 28 شخصا سقطوا خلال هذه التحركات.
في ظل هذا الوضع، قامت السلطات باعتقال 14 من قيادات قوى الإجماع الوطني، وهو تحالف معارض، وذلك بحسب تقارير إخبارية نقلت
الخبر عن المتحدث باسمه. كما قامت الحكومة بتعطيل شبكة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، إلى جانب غلق الجامعات والمدارس في
العاصمة، في ما يبدو أنه محاولة لثني الناس عن الانضمام لموجة الاحتجاجات. ويقول حافظ إسماعيل محمد، وهو ناشط في المنظمة غير
الحكومية أفريقيا العدالة: “إن النظام السوداني أصيب بالذعر، وأنا لم أره من قبل وهو في هذه الحال.” ويضيف حافظ: “لقد اندلعت
الاحتجاجات بطريقة عفوية ودون أي قائد منظم لها، ولكن الآن بدأ الناس ينتظمون في إطار هذا الحراك”.
في الأثناء، أعلنت متحدثة باسم الحكومة أنها ستدلي بتعليق على هذه الاحتجاجات، إلا أنها بعد ذلك امتنعت عن الرد على اتصالات
الصحفيين. وقد وصف العديد من السودانيين كيف أن المئات من الناس كانوا يقفون في طوابير لشراء الخبز، وسحب مبالغ نقدية محددة
من مرتباتهم من موزعات البنوك، أو يبيتون في سياراتهم ليومين في انتظار أن يتمكنوا من ملئ خزان الوقود.
يعاني السودان من ارتفاع كبير في معدلات التضخم، الذي وصلت نسبته السنوية إلى 70 بالمائة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بحسب
بيانات حكومية. وقد وصل الأمر إلى عدم تمكن المواطنين السودانيين من شراء اللحم أو وجبة الفول الشعبية. وحاليا يصرف بعض الناس
في السودان 40 في المائة من مرتباتهم على الخبز فقط، بحسب ما يؤكده حافظ اسماعيل محمد.
في نفس الوقت، يعد للسودان تاريخ طويل من انتفاضات الشوارع، اثنين منها أدت لإسقاط الحكومة. ومؤخرا شهد هذا البلد احتجاجات على
ارتفاع أسعار الوقود والخبز في 2013، ثم في وقت سابق من هذا العام أيضا، إلا أنها ظلت مقتصرة على العاصمة وتمكنت قوات الأمن من
محاصرتها.
في هذه المرة، انطلقت الاحتجاجات من مدينة عطبرة الموجودة في شرق البلاد، التي كانت في السابق معقلا للنشاط النقابي والنضال ضد
الاستعمار. وسرعان ما امتدت الاحتجاجات إلى حوالي ست مدن أخرى. ويقول زكرياء مانبيلي، أستاذ العلوم السياسية في معهد فاسار
الأمريكي، ومؤلف كتاب: “انتفاضة أفريقيا: الاحتجاج الشعبي والتغيير السياسي”: “إن نظام البشير ظل يواجه أزمة شرعية منذ فترة.
وقد تم خلال العام الماضي رفع العقوبات الأمريكية بعد أن اعتبرت إدارة دونالد ترامب أن الحكومة السودانية حققت بعض التقدم في
عدد من الملفات، من بينها مكافحة الإرهاب.”
في هذا الصدد، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية حينها أن الحكومة السودانية توقفت عن استهداف المدنيين، وحسنت من تعاونها في
مجال الإغاثة الإنسانية من أجل الوصول للمناطق المنكوبة مثل دارفور، التي تتهم فيها حكومة البشير بقتل مئات الآلاف من الناس في
جرائم إبادة جماعية انطلقت في 2003.
وقالت واشنطن أيضا حينها إن الخرطوم بصدد خفض أنشطتها المقوضة للاستقرار في دولة جنوب السودان، التي انفصلت عنها ونالت
استقلالها في 2011. كما تلعب السودان دورا مركزيا في الحرب الدائرة في اليمن، والتي تدعمها أيضا الولايات المتحدة. لكن، لا تزال
الولايات المتحدة تضع السودان ضمن قائمتها للدول الراعية للإرهاب، وهو ما يعني أنها لا يمكن منحها مساعدات في شكل قروض، وهو ما
يمثل عائقا كبيرا أمام الاقتصاد.
أرسل صندوق النقد الدولي فريقا للخرطوم في تموز/ يوليو الماضي، وبدأت السودان في سلسلة من الإصلاحات والإجراءات التقشفية في إطار
توصيات الصندوق، من بينها إلغاء الدعم، في محاولة لتنشيط الاقتصاد الذي يرزح تحت وطأة ارتفاع التضخم ونقص العملة الصعبة. ورغم
أن الصندوق لم يوافق لحد الآن على تقديم قرض للسودان، إلا أنه ملتزم بتقديم الدعم التقني. ويقول مانبيلي: “إن خبراء الصندوق
اعتقدوا أنهم يمكنهم التعامل مع الأزمة الاقتصادية، ولكنهم لم يتوقعوا هذا الرد السياسي”.
في هذا السياق، يقول أحمد سليمان، الخبير في شؤون القرن الأفريقي في معهد شاتام هاوس لدراسات الشؤون الخارجية في لندن:”إن
الإجراءات التي أوصى بها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي كانت مصممة لتخفيف المعاناة الاقتصادية. ولكن على المدى القصير تسببت
هذه الإجراءات ببعض الأضرار، حيث أن الإعانات كان هدفها تسريع النمو وتشجيع الشركات على النشاط، ولكن هذا لم يحدث”.
وتجدر الإشارة إلى أن السودان لا يزال يعاني من تبعات قرار الانفصال الذي اتخذه الجزء الجنوبي من البلاد، الذي أخذ معه حوالي 75
بالمائة من المدخرات النفطية السودانية. وإلى حدود تاريخ الانفصال كانت العائدات النفطية تشكل أكثر من نصف مداخيل السودان،
وحوالي 90 بالمائة من الصادرات، بحسب ما يقوله أحمد سليمان.
لكن المشكل الأكبر، بحسب كثيرين من السودانيين، هو أن نظام عمر البشير، الذي وصل للسلطة على إثر انقلاب عسكري في 1989، لم يقم
بأي استثمارات تذكر في البنية التحتية في الفلاحة أو في الثروة البشرية، بينما يعد في المقابل ببناء متحف يوثق لأضرار العقوبات
الأمريكية.
في السودان لا تتجاوز الاعتمادات المخصصة لقطاع الصحة سبعة في المائة من الموازنة العامة، وفي المقابل مثلا 75 في المائة يذهب
للدفاع والأمن ورواتب وامتيازات كبار المسؤولين، بحسب حافظ إسماعيل محمد الناشط في أفريقيا العدالة، الذي يؤكد أن النخبة
السودانية سرقت جزء كبير من الثروة، وهو اتهام كان المسؤولون الحكوميون قد نفوه في الماضي.
وفي الختام، يضيف الناشط في أفريقيا العدالة أن “هذا النظام ليست لديه القدرة على إيقاف الاحتجاجات من خلال القيام بإصلاحات
اقتصادية، لأن هيكلة الاقتصاد برمتها نخرها الفساد والمسؤولون ليست لديهم أي فكرة حول كيفية إدارة هذا القطاع. لقد وصل النظام
إلى طريق مسدود، وهو لا يعلم ما الذي يجب فعله”.
………………………………
المصدر: كيميكو دي فريتاس