عبدالقادر عثمان/ وكالة الصحافة اليمنية//
في محافظة تقع أقصى غرب اليمن يزداد الوضع المعيشي صعوبة يوما بعد آخر وصل بمعظم سكانها حد المجاعة نتيجة حرب لم يسلم منها أحد.
“الحديدة” المدينة الأكثر فقرا الواقعة على الشريط الساحلي الغربي للجمهورية اليمنية باتت اليوم الأكثر تضررا بعد أربع سنوات من الحرب والحصار إلا قليلا.. والذي ساهم بشكل رئيسي في رفع معدل الفقر والمجاعة.
الحجة فاطمة 70 عاما تعاني من ورم في ركبتها اليمنى واحدة ممن أصابهم الجوع في مديرية “التحيتا” فلاذت بالفرار إلى المدينة قبل شهر مع أسرة من سبعة أفراد بينهم طفلين لم يتجاوزا العاشرة من العمر يرتسم عليهم ملامح المرض حيث تبرز عظام أجسامهم واضحة تلتصق بالجلد ذو اللون الأصفر مباشرة أما فاطمة فإنها كما تقول: “أصبحت يائسة من الشفاء، المستشفيات على وشك التوقف عن العمل والدواء لم يسمح بدخوله إلينا بسبب الحصار”.
مأساة مشتركة
ليست أسرة فاطمة – التي تسكن خيمة في منطقة السلخانة – أكثر سوءً من غيرها حيث أن 82 في المئة من اليمنيين بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة تنال الحديدة نصيب الأسد من بين ذلك، فالطفلان عمر و يعقوب يرقدان في هيئة مستشفى الثورة العام في المدينة وهما اثنان من بين 2.2 مليون طفل في اليمن يعانون من سوء التغذية، بينهم 400 ألفا يعانون من سوء تغذية حاد، يقع ربع العدد في محافظة الحديدة بحسب إحصائية اليونيسف في أكتوبر/ تشرين الثاني 2018، ومع انقطاع وصول الأدوية يحتاج أكثر من 21 مليون شخص في اليمن، (نحو 82 في المئة من إجمالي السكان)، إلى مساعدات إنسانية، حسب بيان أعلنته منظمة الصحة العالمية الشهر الماضي، ووفقاً لتقرير الاحتياجات الإنسانية للأمم المتحدة في عام 2018، هناك 16.37 مليون يمني يعانون انعدام الأمن الغذائي الشديد، وهو مستوى من العوز يتطلب توفير مساعدات غذائية خارجية على وجه السرعة.
بدوره حذر البنك الدولي، في وقت سابق من أن نسبة الفقر في البلاد تجاوزت حاجز 85 في المئة من السكان، الذين يقدر عددهم بـ 26 مليون نسمة، جرّاء تداعيات الحرب، كما أن نصيب الفرد من الاستهلاك الخاص، انخفض من 392 دولارًا إلى 208 دولارًا في السنة، بتراجع تصل نسبته إلى 47 في المئة
بين الفقر والموت
مهيوب 45 عاما هو الابن الأكبر لفاطمة يروي لـ “وكالة الصحافة اليمنية” جزءً من حياة واحدة من بين مئات الأسر التي جثم عليها الجوع والفقر بعد حياة ميسورة، حيث كان يعمل – قبل الحرب – كغيره من أبناء التحيتا صيادا يتوسط دخله اليومي بين الثلاثة والخمسة آلاف ريال يكفي لسد حاجة أسرته، وبعد اندلاع الحرب التي يشنها التحالف منذ 26 مارس/ آذار 2015، أصبح الصيادون غير قادرين على ممارسة مهنتهم اليومية، و مع استمرار الحصار و قصف طائرات السعودية لصيادي الخوخة اضطروا إلى بيع ممتلكاتهم ليسدوا به جوع أبنائهم ونسائهم.
يعمل الآن مهيوب الذي أكل الجوع بدنه الضخم ورسم الزمن خارطة على وجهه الأسمر في سوق “صدام” بمديرية السلخانة دلّالا لبيع الخضروات بالجملة بأجر يومي لا يكفي لشراء ثلاثة كيلوهات دقيق، ويعول ستة مرضى بما فيهم زوجته الحامل التي تعاني من سوء تغذية سيؤثر كما قال الأطباء على صحة الجنين الذي قد يموت في أي لحظة دون ذنب يذكر غير أنه ولد لأسرة يمنية فقيرة ضاعفت الحرب مأساتها.
ربما يرتوي الضمأ
الحديدة التي أعلنتها حكومة الإنقاذ ومنظمة الأمم المتحدة منطقة منكوبة جراء الحرب والحصار والتصعيد الأخير منذ مايو/ أيار من العام 2018، وبعد تحذيرات اليونسيف من الوضع الكارثي الصحي والإنساني التي وصلت إليه، شهدت إقبالًا محدودًا من قبل المنظمات الخيرية وفاعلي الخير الذين تسارعوا لنجدة أبناء تهامة من بين فكّي الموت البطيء، لكن ذلك لا يكفي حيث أشارت منظمة أوكسفام الدولية للإغاثة إلى أنه بات من المستحيل تقريبا إيصال الغذاء والمواد الطبية إلى مناطق غربي اليمن نتيجة الحرب. وفي ظل وجود نحو 100 ألف طفل يمني تحت سن الخامسة يعانون من خطر سوء التغذية الشديد في ميناء ومدينة الحديدة وحدها بحسب الأمم المتحدة.
وعقب انتهاء مشاورات ستوكهولم بين وفدي صنعاء والرياض شهدت الحديدة تراجعا ملحوظا في التصعيد الذي استمر أكثر من نصف عام مع وصول المراقبين الأمميين للإشراف على الميناء بحسب الاتفاق الذي أبرم مؤخرا في السويد.
ولا تزال المحافظة بحاجة إلى المزيد من التأمين الغذائي والصحي اللذين لن يتحققا إلا برفع الحصار على اليمن وفتح المجال أمام السفن لإيصال المساعدات الطبية الدولية والأدوية التي نفدت من مخازن اليمن منذ سنوات خاصة الأدوية الخاصة بمرضى السرطان.