تقرير : وكالة الصحافة اليمنية//
بينما تدخل احتجاجات السودان الشعبية أسبوعها الثالث دعت أحزاب وكيانات سياسية ومدنية معارضة على رأسها تجمع المهنيين السودانيين إلى تظاهرة جديدة تتجه صوب القصر الرئاسية تحت عنوان “موكب التنحي” بعد ظهر اليوم الأحد لمطالبة الرئيس عمر البشير بالتنحي وتشكيل مجلس رئاسة انتقالي لتسيير أمور البلاد.
الدعوة لهذا الموكب الذي يستهدف القصر هي الثالثة من نوعها منذ انطلاق الاحتجاجات في الـ19 من ديسمبر الماضي، بعد الفشل في توصيل العريضة للبشير في المرتين السابقتين على إثر استهداف قوات الأمن للمتظاهرين في كل مرة ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى والمصابين فضلاً عن وقوع المئات منهم بيد الاعتقال.
إصرار المحتجين على تصعيد حراكهم يتزامن مع تقديم الرئيس السوداني حزمة من الوعود والتعهدات بتحسين الأوضاع وتوفير حياة كريمة، وإجراء بعض التغييرات الحكومية، غير أنه يبدو أنها لم ترتق بعد لمستوى طموحات الغاضبين التي تتصاعد سقفها يومًا تلو الآخر، هذا في الوقت الذي بدأت تهدأ الأمور نسبيًا في بعض الولايات الساخنة خلال الفترة الماضية حيث استئنفت الدراسة بها بعد توقف على رأسها
ولاية الخرطوم.
موكب 6 يناير
الدعوتان السابقتان للاحتشاد والتوجه في اتجاه القصر الجمهوري للمطالبة بتنحي الرئيس وإقالة حكومته فورًا في 25 و31 من ديسمبر الماضي انطلقتا من وسط العاصمة الخرطوم غير أنها قوبلت باعتراض من قوات الأمن التي حولت المنطقة المحيطة بالقصر إلى ما يشبه الثكنة العسكرية، ما حال دون تحقيق أهدافها في توصيل مذكرة المطالب المقدمة.
غير أن دعوة اليوم جاءت مختلفة إلى حد ما من حيث التكتيك وإن تم إعلان تفاصيلها عبر الصفحة الرسمية لتجمع المهنيين السودانيين على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث ستنطلق التظاهرات في تمام الساعة الواحدة بعد الظهر عبر 4 مواكب مختلفة، من شارع السيد عبد الرحمن، محطة باشدار، أبوحمامة، صينية نادي الشرطة وكلها باتجاه القصر مباشرة.
التجمع دعا إلى التزام جميع المواكب بالسلمية التزامًا منه وحلفاؤه بالعمل السلمي في كل خطواته الساعية للتغيير، داعيًا إلى رفع اللافتات والهتافات الموحدة والأعلام الوطنية تعبيرًا عن وحدة الصف الوطني تجاه قضية رحيل النظام، متعهدًا بتوفير غرف طوارئ في مسارات المواكب الأربعة.
جدير بالذكر أن الأحزاب والقوى المشاركة في موكب اليوم أكدت على معاودة التوجه إلى القصر مرة أخرى حال فشل مسيرة اليوم وذلك عبر تظاهرة أخرى يتم الإعداد لها من الآن ومقرر لها الأربعاء القادم الـ9 من يناير الحاليّ في محاولة لمحاصرة النظام بموجات متتالية من الاحتشاد الشعبي يومًا تلو الآخر.
تعديلات حكومية
بعد تعهد البشير بتوفير حياة كريمة خلال كلمته على هامش زيارته لولاية الجزيرة تزامنًا مع موكب القصر الأول في الـ25 من ديسمبر وإصداره لقرار بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق عن الأحداث الاخيرة ودعوته للأحزاب السياسية للحوار في ذكرى إحياء عيد الاستقلال الذي تزامن هو الآخر مع الموكب الثاني للقصر في الـ31 من الشهر الماضي ها هو الرئيس السوداني يستبق الموكب الثالث بحزمة من الإجراءات.
البشير أجرى بالأمس عددًا من التعديلات الطفيفة على الحكومة السودانية، وبحسب وكالة أنباء البلاد الرسمية “سونا” فقد أصدر مراسم جمهورية قضت بتعيين وزير وأمناء عامين ووكيل ومديرين عامين، من بينها الإطاحة بوزير الصحة محمد أبو زيد مصطفى وتعيين الخير النور المبارك خلفًا له.
كما شملت المراسم تعيين عصام الدين محمد عبد الله أمينًا عامًا لمجلس الوزراء القومي، وضياء الدين محمد عبد القادر أمينًا عامًا لدار الوثائق القومية، فضلاً عن عبد المنعم السني أحمد مشرفًا عامًا على “النيباد”، (الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا”)، مجدي عبد العزيز الفكي نائبًا للمشرف العام على الأمانة الوطنية للنيباد، حاتم حسن بخيت أمينًا عامًا لمجلس الصداقة الشعبية العالمية، وأحمد عبد القادر محمد أمينًا عامًا للمجلس القومي لتنسيق نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج.
الانتخابات هي الحل
في أول رد فعل على مطالب المحتجين للرئيس السوداني بالتنحي، دعا البشير إلى الاستعداد لخوض انتخابات 2020 المقبلة للوصول إلى الحكم، لافتًا في مقابلة مع تليفزيون “المستقلة” (قناة خاصة مقرها لندن) إلى أن الانتخابات هي الطريق الوحيد لتغيير نظام الحكم في البلاد.
البشير أضاف “لدينا تفويض شعبي وأتينا إلى الحكم عبر انتخابات أشرفت عليها مفوضية معترف بها من كل القوى السياسية”، موضحًا أن “الدستور الموجود حاليًّا متفق عليه من جميع القوى السياسية”، معتبرًا أنه “يؤدي عهده مع الشعب للعمل على توفير سبل العيش الكريم والأمن وخدمة البلاد”، واصفًا مطالبة أحزاب جبهة التغيير الوطنية بتكوين مجلس سيادة انتقالي لتسيير شؤون البلاد؛ بأنها “جاءت من قيادات حزبية تم إعفاؤها من الوزارات”.
وفي السياق ذاته شدد رئيس مجلس الوزراء السوداني معتز موسى على أن المخرج الوحيد للسودانيين من الأزمة السياسية هو “المضي نحو إجراء انتخابات حرة ونزيهة” عام 2020، كما حذر من أن “إيذاء الوطن خط أحمر”، مؤكدًا أن “التعبير مكفول كحق”.
وفي مقابلة له مع التليفزيون السوداني، قال موسى إن الدولة متماسكة رغم الظروف الراهنة التي تمر بها، محذرًا من أن أي عمل يدخل في إطار ما سماه “التخريب” و”حمل الناس على أفكار معينة بالقوة”، مؤكدًا أن هناك عددًا من الإجراءات المؤقتة يتم تنفيذها حاليًّا لاحتواء الضائقة التي يعاني منها المواطن، واصفًا الاقتصاد السوداني بأنّه قوي ولا يحتاج إلى أي إعانات.
إدانات حقوقية عربية
في الوقت الذي غضت فيه معظم العواصم العربية الطرف عما يدور في شوارع السودان ومدنها، كانت للمنظمات الحقوقية رأي آخر، حيث أدانت 40 منظمة وشبكة وتحالف حقوقي من 12 دولة عربية الممارسات القمعية التي تقوم بها قوات الأمن السودانية ضد المتظاهرين.
المنظمات في بيان لها أكدت أن التظاهرات التي انطلقت في المدن السودانية “جزء من حرية التعبير عن الرأي وحرية التجمع التي كفلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، إضافة إلى نص الدستور السوداني النافذ في مادته (40) على هذا الحق”.
مؤكدين على حق الشعب السوداني في التعبير عن رأيه وممارسة حرية التجمع السلمي، وأنَّ المطالبة بإيقاف الانتهاكات ووضع حد للبطالة، ونقد واستشراه ظاهرة الفساد، وإدانة انتشار قمع الحريات العامة أو انتهاك الدستور والمواثيق الدولية والالتفاف عليها، ورفض اعتماد أشكال المحسوبية في تقسيم الثروات، بعيدًا عن مبادئ الحق والمساواة وبناء الحياة الكريمة للإنسان، هي مطالب إنسانية ولا يجوز انتهاك حقوق السودانيين في التعبير عن آرائهم من خلال قمع التجمعات السلمية أو الملاحقات الأمنية التعسفية.
البيان تضمن عددًا من المطالب التي قدمتها المنظمات الحقوقية على رأسها: الإفراج فورًا عن جميع المعتقلين السياسيين والنقابيين ونشطاء المجتمع المدني ومعتقلي الرأي وتحقيق العدالة الاجتماعية والفصل بين الثروة والسلطة من جهة والفصل بين السلطات الثلاثة من جهة ثانية ومنع استخدام جميع أشكال العنف والسلاح في مواجهة مسيرات وتظاهرات المواطنين السلمية وتعويض كل الضحايا الذين تضرروا في التظاهرات الماضية وتقديم الاعتذار لذويهم وللشعب من السلطة التنفيذية.
مواصلة الاحتجاجات
بينما يؤكد البشير ونظامه رفض فكرة التنحي وتجاهل مطالب المتظاهرين ومحاولة امتصاص غضبهم بوعود يرونها لا تتناسب وحجم طموحاتهم، تصر القوى المعارضة السودانية على مواصلة الاحتجاجات واستمرار التصعيد حتى تحقيق المطالب كافة، هذا في الوقت الذي تتسع فيه رقعة الاحتجاجات لتشمل قوى أخرى جديدة.
في بيان صادر عن تنسيقية ما يطلق عليه “تيار الثورة السودانية” وهو عبارة عن تجمع قوى شبابية مستقلة يضم عدة حركات سياسية أبرزها (حركة 27 من نوفمبر – الحراك الوطني الموحد – الحراك الشعبي السوداني للتغيير – تجمع قوى التغيير الميداني – مغتربون لأجل عيون الوطن – منصة السودانيين اللاحزبيين الأحرار – مؤتمر شباب السودان – تجمع النشطاء السودانيين بالخارج” أكد على مواصلة
الاحتجاجات طالما لم يستجب النظام للمطالب المرفوعة.
وتابع البيان: “كان لزامًا علينا باعتبارنا قوى شبابية نشطة الإسراع لتدارك الوطن قبل انفراط عقده، وجرت في هذا الإطار اتصالات متعددة واجتماعات ما زالت مستمرة بين القوى الشبابية المتعددة”، موكدًا أن القوى المشاركة اتفقت على إعلان تنسيقية مشتركة ومنعقدة على مدار الساعة بين كل القوى الشبابية في الداخل والخارج، والوقوف بقوة مع الحراك الثوري.
بدوره اتهم الناشط السوداني خالد طه نظام البشير بالتضليل واحتراف الكذب، لافتًا في تصريحات متلفزة له أن ما يقوم به الرئيس السوداني من محاولات لامتصاص غضب الشارع ودعوة لحوار ووعود هنا وهناك ليست سوى مسرحية كبيرة، مؤكدًا أنه لا حل سياسي يبدو في الأفق مع هذا النظام.
الناشط السوداني في تغريدة له أكد استمرار التصعيد في مواجهة الحكومة، كاشفاً أنه وإن لم ينجح موكب اليوم المتجه للقصر الرئاسي فسوف تنجح المواكب الأخرى.
أما الأكاديمي السوداني الدكتور أحمد مقلد، فأكد أن الاحتجاجات الأخيرة حققت العديد من المكاسب على رأسها تضامن كل بيت سوداني مع مطالبها، وإيمان الشعب السوداني بها والاعتراف بشرعيتها في مقابل خسارة كبيرة مني بها النظام على حد قوله، مختتمًا في تغريدة له “كسبنا يقين وحماس أننا على الحق ولن نتراجع”.
فيما استبعدت الدكتورة أماني الطويل مدير البرنامج الإفريقي في مركزالأهرام للدراسات السياسية واللإستراتيجية قدرة النظام السوداني على تحجيم الاحتجاجات، لا سيما بعد اتساع رقعتها الجغرافية يومًا تلو الآخر، كاشفة في تصريحات أدلت بها لقناة “بي بي سي” أن الشارع لن يتخلى عن إزاحة هذا النظام لكنه في الوقت ذاته غير واثق في المستقبل.
الطويل أضافت أن خطاب الحكومة في مواجهة الانتفاضة الشعبية خطاب تقليدي لا يلبي طموحات الغاضبين، مطالبة المعارضة بأن تضع ضمن أولوياتها اهتمامات المواطن السوداني الأساسية، كتوفير الطعام والشراب والحياة المستقرة سياسيًا وأمنيًا، فتلك هي الأهم، مضيفة أن تركيز الاهتمام على تشكيل حكومة انتقالية ليس هو المهم على المطلق فلقد سبق وأن شُكلت حكومات انتقالية في أنظمة أخرى سابقة لكن لم يكتب لها النجاح.
ومن ثم فإن تأكيد البشير على رفض فكرة التنحي، معتبرًا أن الانتخابات الطريق الوحيد لتغيير النظام، في مقابل إصرار المحتجين على مواصلة حراكهم ورفض أي حلول وسط تطرحها السلطات الحاكمة ربما يطيل أمد تلك الاحتجاجات ويبقى من يملك سياسة النفس الطويل هو الأجدر على حسم المعركة.
……………………..
المصدر: noonpost