علي أحمد شرف الدين
النظام السعودي في هذه الأيام لا يبدو مستوعبا لكثير من مجريات الأمور، فقد تطايرت شظايا سياساته العدوانية في كل مكان، دون أن تستثني أحدا، قريبا أو بعيدا، باستثناء مشغله الأمريكي الذي سيحلب كل شيء، قبل أن يذبح البقرة.
في اليمن تواصلت مسلسلات جرائمه اليومية، حيث ارتفعت حصيلة ضحايا مجزرة العدوان السعودي الأمريكي بحق الصيادين في محافظة الحديدة إلى 9 شهداء وسبعة جرحى جراء استهداف طائرات العدوان بغارتين ليل الجمعة لأربعة قوارب صيد وسط البحر بجزيرة (البوادي)، دون أي سبب، لتتمثل مقولة الصياد اليمني واقعا، فحين يخرج إلى البحث عن رزقه في عرض البحر يقول: الخارج إلى البحر مفقود والعائد مولود!
وتزامنت هذه الجريمة في عرض البحر مع استهداف طيران العدوان السعودي الأمريكي حارة الصعدي في العاصمة صنعاء، ما أدى إلى إصابة عدد من المواطنين وتدمير أربعة منازل بالكامل وتضرر المنازل المجاورة، وإفزاع النساء والأطفال، الذين قضى كثير منهم ليلته في المستشفى.
كل هذه الجرائم تجري يوميا دون أي خجل من استهداف المدنيين الآمنين في منازلهم، ركونا على النفوذ الدولي للمال السعودي، الذي يجعل من استهداف الصيادين والمدنيين في بيوتهم في صنعاء أمرا مغمورا إعلاميا، بينما استهداف مدارج مطار الملك خالد في إطار الرد اليمني الباليستي جريمة حرب مدانة من المجتمع الدولي المنافق.
هذه الهستيريا والتصعيد العسكري في اليمن ليس كل الصورة، فجوانب التخبط السعودي الأمريكي المسعور متعددة، جراء تساقط مشاريعهم في المنطقة، فكما مثلت السيطرة السورية على مدينة البوكمال الحدودية سقوطا لداعش الوهابية في سوريا تسير داعش في ذات الطريق في العراق، حيث أعلنت القيادة العراقية لعمليات تطهير الجزيرة وأعالي الفرات يوم السبت عن بدء القوات الأمنية عملية واسعة لتحرير ناحية الرمانة وقضاء راوة غربي محافظة الأنبار من سيطرة “داعش”، ويأتي ذلك بعد تمكن القوات الأمنية والعشائر والحشد الشعبي في العراق خلال الأيام الماضية من تحرير مدينة القائم وناحيتي العبيدي والكرابلة.
سقوط داعش لم يكن مؤلما لرعاة المشروع السعودي الأمريكي في المنطقة فحسب، بل سبب لهم فقدان التوازن كما هو ملحوظ، فقد تكرر أسلوب الاستدعاء السعودي المستعجل لقادة وزعماء من أجل إملاء المواقف عليهم بدون خجل، فمن استدعاء الحريري وإعلان استقالة حكومته، إلى استدعاء محمود عباس الرئيس الفلسطيني، حيث تم أمر عباس بتبني “صيغة السلام” التي يوشك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على عرضها، أو الاستقالة.
عباس كان حظه أفضل من حظ زميله الحريري، الذي لا يزال في حكم الإخفاء القسري، الذي تخجل المؤسسات الدولية عن المطالبة بكشف مصيره، أو إعادته إلى بلده لبنان، أو إلى فرنسا باعتباره يحمل جنسية فرنسية، وقد نقلت بعض المصادر الفرنسية في وزارة الخارجية أنه من الممكن طرح موضوع جنسية الحريري الفرنسية في حال قررت باريس العمل باتجاه خروج الحريري من السعودية، وبانتظار ما سيفعله لبنان في سبيل الضغط على السعودية للإفراج عن رئيس وزرائه، فبعد أن أعلن حزب الله صراحة أنه يعتبر الحريري في حكم المسلوب الإرادة والحرية ولا حكم لما يصدر عنه، خرج مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية اللبنانية ببيان أفاد أنه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أبلغ مراجع رسمية محلية وخارجية عن ان الغموض المستمر منذ اسبوع والذي يكتنف وضع رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري منذ إعلانه استقالته، يجعل كل ما صدر ويمكن ان يصدر عنه من مواقف او خطوات او ما ينسب اليه، لا يعكس الحقيقة، وبالتالي لا يمكن الاعتداد به.
السعودية كررت ما فعلته في العام 2006 من حث وتحريض لإسرائيل من أجل ضرب حزب الله في لبنان، ولكن لا يبدو أن إسرائيل ستكرر ما فعلته مرة أخرى، فالإسرائيلي يتعلم من تجاربه الفاشلة بخلاف تابعه السعودي، فسقوط 4000 صاروخ من حزب الله على “إسرائيل” خلال 33يوما، وإجبار ثلث الإسرائيليين للعيش في الملاجئ ليس أمرا بالسهولة نسيانه، بالإضافة إلى الشلل الاقتصادي شبه الكامل حينها، الذي لولا الدعم الكبير من الغرب لما تعافى بعد الحرب بسرعة.
صحيفة “ها آريتس” الصهيونية ذكرت في تقرير لها مؤخرا أن حزب الله مسلح تسليحا جيدا، والأهم من ذلك أن العديد من صواريخه تحمل رؤوسا حربية أقوى بكثير وأكثر دقة مما كانت عليه في عام 2006، بالإضافة إلى أن ترسانة حزب الله تشمل طائرات بدون طيار، وصواريخ أرض – بحر أيضا، وهو الأمر الذي لا ينفع معه استكمال القبة الحديدية، التي صممت لإسقاط الصواريخ قصيرة المدى، ولا إدخال منظومة مقلاع ديفيد ومنظومة “السهم 2″، المصمم لاعتراض صواريخ بعيدة المدى والصواريخ الباليستية، وتضيف الصحيفة أنه من الناحية الجغرافية فإن “إسرائيل” بلد صغير لا توجد فيه مناطق نائية، مما يعني أن مرافق الطاقة والمياه وإنتاج الغاز الطبيعي وجزء كبير من الصادرات ستتوقف جراء خوض حرب صاروخية طويلة الأمد.
حتى في الداخل السعودي الذي يشهد حملات اعتقالات غير مسبوقة في تاريخ المملكة السعودية، لم تقتصر على إعلاميين، ولا على دعاة وعلماء، ولا على بعض النافذين، بل نالت من اللحم الحي لأسرة الحكم، وطالت العشرات من الأمراء، ومعاونيهم، وهو الأمر الذي يجعل من الموقف العائلي السعودي موقفا مهددا مسرعا نحو الفناء، حيث يذكر متابعون لما يحصل في الداخل السعودي بأن اليد الأميركية هي التي تتحرك وليس يد ابن سلمان، حيث يهدف الأمريكي بالدرجة الأولى الى ابتزاز حكام السعودية لسرقة ثرواتها وصولا الى الحصول على مئات مليارات الدولارات مقابل حماية هذا النظام العفن والعميل للعدو، وما حصل كان من ضمن خطة جرى الاتفاق عليها بين ابن سلمان وصهر الرئيس الاميركي جاريد كوشنير خلال الزيارة التي قام بها الأخير قبل فترة قصيرة الى الرياض، حيث طلب كوشنير من بن سلمان أن يدفع نظامه مئات المليارات مهرا للعرش السعودي الذي يريد ابن سلمان امتطاءه، حتى أن مستشار ترامب عرض كيفية تأمين هذه الأموال عبر مصادرة ثروات عشرات الأمراء السعوديين، في مقابل التغطية الكاملة من قبل الإدارة الأميركية لهذه الإجراءات، وهو ما يحصل فعلا.
السعودي التائه سيجد نفسه في نهاية الزقاق المظلم الذي يسير فيه أمام ساطور الجزار الأمريكي، وبعد أن تخبط في كل المنطقة بشره وقبحه، وأوصل الأذى على كل مكان، لا سيما إلى جيرانه في اليمن، بعد أن يستنفد ما يمكن أن يقدمه لمشغليه سيقول: أكلت يوم أكل الثورة الأبيض، وربما لن يقول شيئا، فهو لا يعي ولا يفهم على ما يبدو، بل سينطلق إلى حتفه كالمخمور دون وعي ولا بصيرة.