تحليل: وكالة الصحافة اليمنية//
أُعطى السودان، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الضوء الأخضر للتحليق فوق جنوب السودان في رحلة عودته من تشاد في خطوة غير مسبوقة وصفها قائد الطائرة بـ “التاريخية” دفعت الكثير من المحللين إلى الحديث عن مرحلة جديدة من تطبيع العلاقات بين الخرطوم وتل أبيب.
ورغم أن الطائرة لم تحلق فوق المجال الجوي للسودان إلا أن تحليقها فوق جنوب السودان الذي يخضع مجاله الجوي لسلطات الطيران المدني في الخرطوم في حد ذاته نقطة تحول كبير كونها المرة الأولى التي تسمح فيها السلطات السودانية لطائرة إسرائيلية بالمرور فوق هذا المجال.
السماح لطائرة نتنياهو باستخدام المجال الجوي السوداني يأتي بعد ساعات من إشادته بـ”دخول” إسرائيل إلى العالم الإسلامي، خلال اجتماعه مع الرئيس التشادي إدريس ديبي، فيما أشار عبر تغريدة له أن هذه الزيارة وغيرها من الزيارات المرتقبة خلال الفترة المقبلة لدول إسلامية وإفريقية هو “نتيجة عمل مكثف قمنا به على مدار السنوات الأخيرة. نحن نصنع التاريخ ونحول إسرائيل إلى قوة عالمية صاعدة”.
ليس هناك أخبار مؤكدة بما إذا كان قرار الخرطوم بالسماح لطائرة رئيس الوزراء الصهيوني بالتحليق فوق جنوب السودان متعلق بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع تشاد، غير أن الرئيس ديبي كان قد قال في نوفمبر الماضي خلال زيارته لتل أبيب أنه مستعد للوساطة بين السودان ودولة الاحتلال حول تطبيع العلاقات بينهما… فهل تصبح الخرطوم الزيارة المقبلة لنتنياهو؟
السوادن في الطريق
تحت عنوان “هل السودان ستكون الدولة القادمة ذات الغالبية المسلمة التي تُطبع علاقاتها مع إسرائيل؟”..نشرت وكالة “بلومبرج” الأمريكية تقريرا حول العلاقات الإسرائيلية السودانية ومدى احتمالية دخولها مرحلة التطبيع الفعلي بعد سنوات من العداء والخصومة.
التقرير أستند في مضمونه إلى رحلة نتنياهو إلى تشاد كاشفًا أنه على الرغم من السماح بالطيران فوق جنوب السودان ليس كالسماح بالطيران فوق السودان نفسه، إلا أن الخطوة في حد ذاتها علامة على رغبة سودانية في التطبيع مع الكيان الهصيوني، مشيرًا إلى أن المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية آثر عدم التعليق على طريق الرحلة.
الوكالة ألمحت في معرض تقريرها إلى أن المخاوف المشتركة من إيران ومساعي مكافحة الإرهاب، هذا بخلاف إغراء التكنولوجيا والأسلحة الإسرائيلية، دفع العديد من الدول العربية والإسلامية التي كانت معادية لإسرائيل يوما إلى إقامة علاقات معها حتى قبل التوصل لاتفاق سلام مع الفلسطينيين، هذا بخلاف ما تمثله تل أبيب من جسر قوي لواشنطن.
ويخوض رئيس الوزراء الصهيوني حملة لتطبيع العلاقات مع الدول العربية والإسلامية، وفي رحلته إلى تشاد، قال ستكون هناك المزيد من الأخبار وهناك المزيد من الدول قادمة، تلك الأخبار التي توقع البعض أن تكون للسودان نصيبًا منها، خاصة بعد هذه الخطوة التي أثارت جدلا داخل الشارع السوداني.
وفي نوفمبر الماضي نقلت مواقع إخبارية عبرية عن القناة التلفزيونية الإسرائيلية الثانية أن تل أبيب تعمل على تسوية العلاقات الدبلوماسية مع “السودان”، كما كشفت عن وجود “طواقم خاصة من إسرائيل تعمل على تسوية العلاقات مع السودان، والتي تعتبر دولة عدوا لإسرائيل”.
القناة الثانية الإسرائيلية دفعت بأنه “لو تمت تسوية العلاقات مع السودان، فإن مسار الطيران من إسرائيل إلى البرازيل سيتم تقصيره، عندما تتمكن الطائرات المقلعة من إسرائيل والمتوجهة إليها من استخدام المجال الجوي السوداني والتشادي”، فيما نقل موقع إخباري إسرائيلي عن تقارير سابقة صدرت قبل عامين، أن إسرائيل توجهت إلى الولايات المتحدة ودول أخرى و”شجعتها على تحسين علاقاتها مع السودان ومكافأتها، على خلفية قطع علاقاتها مع إيران”.
غير مطروح حاليًا
تزامن الخطوة السودانية مع الاحتجاجات المشتعلة في البلاد منذ شهر تقريبًا والتي باتت تهدد وبشكل كبير نظام الرئيس عمر البشير، فضلا عن زيارة نتنياهو إلى تشاد والحديث الذي يدور عن وساطة تشادية للتقريب بين الخرطوم وتل أبيب في الوقت الذي يزور فيه الرئيس التشادي السودان، دفع الكثيرون إلى توقع خطوة قريبة جدا في إطار التطبيع بين البلدين.
إلا أنه وفي المقابل، نفى القيادي في حزب “المؤتمر الوطني” الحاكم في السودان ربيع عبد العاطي، وجود أي علاقة بين زيارة ادريس ديبي إلى السودان وبين الزيارة الخاطفة التي أداها رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى تشاد أول أمس الأحد، مؤكدًا أن “العلاقات السودانية ـ التشادية وثيقة جدا، وأن كلا البلدين ينظر إلى جاره الآخر باعتباره عمقا استراتيجيا للآخر، وأنه ليس من الوارد أن تشاد تستقوي على السودان بتوثيق علاقاتها مع إسرائيل”.
كما نفي في تصريحاته لـ “عربي 21” أن يكون لدى السودان أي نية لتوسيط تشاد في العلاقة مع إسرائيل، قائلا: “مسألة العلاقة مع إسرائيل غير مطروحة عندنا في الخرطوم أصلا، ومن المستحيل الحديث عن تطبيع للعلاقات السودانية مع إسرائيل، هذا كلام غير وارد ولا متداول عندنا أصلا”.
تاريخ من التأرجح
حتى بضعة أعوام كان الحديث عن التطبيع مع إسرائيل من المحرمات، وكانت الشوارع في الخرطوم تهدر بالمظاهرات المنددة بالعدوان الإسرائيلي المتكرر على لبنان وغزة، والتي تخللتها خطابات قوية، ناهيك عن تقديم مذكرات لبعثة الأمم المتحدة، والاعتصام أمام السفارة الأمريكية تنديدًا بالمواقف الأمريكية المتماهية مع الاحتلال الصهيوني، هذا ما أشار إليه الكاتب السوداني وائل نصر الدين تعليقًا على التقارب بين تل أبيب والخرطوم في الأونة الأخيرة.
نصر الدين في مقال له أشار إلى اختفاء مثل هذه التظاهرات في الوقت الراهن، تحت وطأة الضغوط الاقتصادية فلم يعد المواطن السوداني مهمومًا بالقضايا القومية مثلما كان الحال في السابق، وبات ما يشغل بال المواطنين السودانيين اليوم هو كيف نستطيع الخروج من أزمتنا الاقتصادية الكبرى.
ورغم العداء السوداني الطويل للدولة اليهودية بدءًا من المقاطعة مرورًا بالمقاومة إلا أن السنوات الأخيرة الماضية شهدت نسفا كبيرًا لتلك المرتكزت، ساهم في ذلك المستجدات الإقليمية والدولية الأخيرة، فضلا عن الأزمات التي واجهتها السودان ولا تزال والتي دفعتها لإعادة النظر في خارطة تحالفاتها الخارجية.
في 2015 قرر نظام البشير الإطاحة بحليفه الإيراني القديم لحساب تحالف جديد على رأسه السعودية، إذ قرر الانخراط في عاصفة الحزم وتصفية كافة شبكات الدعم التي كانت تقدم للمقاومة الفلسطينية فضلا عن غلق الباب مع طهران بصورة شبه كاملة، وعليه تم السماح بمناقشة مسألة التطبيع على الهواء في فضائيات يمتلكها نافذون في الحزب الحاكم.
علاوة على ذلك فقد أعلنت الخرطوم دعمها الكامل لمبادرة السلام العربية التي أعلن عنها العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز عندما كان وليًا للعهد، والتي تتلخص بتطبيع مع إسرائيل مشروط بإعادة كل أراضي 1967م، هذا بخلاف الضغوط الأمريكية التي ربطت رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب بموقف إيجابي وعلني تجاه تل أبيب.
الكاتب السوداني اختتم مقاله بتوقع أن يفاجئ نتنياهو المسؤولين السودانيين بالقدوم للخرطوم، ووضعهم تحت الأمر الواقع، وإلا فما هو سر الارتباك الذي تظهره الحكومة السودانية في مواجهة التقارير الإسرائيلية؟ كاشفا أن هناك رغبة قوية لدى تل أبيب في تحويل علاقتها مع الأنظمة العربية والإسلامية من السر للعلن، كما حدث مع سلطنة عمان وتشاد وربما السودان في القريب العاجل.
يذكر أن دعوات التطبيع مع الدولة العبرية بدأت تتصاعد بشكل كبير، ورغم الجدل المثار حولها إلا أنها فرضت نفسها وبقوة على ساحة النقاش، وهو في حد ذاته قفزة كبيرة في هذا الطريق، ففي 2017 قال وزير الاستثمار السوداني السابق مبارك الفاضل المهدي إن ” القضية الفلسطينية أخرت العالم العربي كثيرًا، لا توجد مشكلة في التطبيع مع إسرائيل إذا كان التطبيع مع إسرائيل يحقق مصالح السودان، الفلسطينيون طبعوا مع إسرائيل، حتى حماس وهم يتلقون منها أموال الضرائب والكهرباء. نريد أن نجلس مع إسرائيل كما يجلسون معها، لنحل نزاعنا معها” وهي ذات التصريحات التي أدلى بها يوسف الكودة رئيس حزب الوسط الإسلامي في السودان.
من الواضح أن الأخبار الجيدة التي وعد بها نتنياهو بشأن اختراق العالمين العربي والإسلامي ربما يتعلق جزء منها بالشأن السوداني فيما يتوقع الكثيرون بزيارة مفاجئة للخرطوم قد تمهد لمرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين هذا في الوقت الذي تعاني فيه الدولة من أزمات داخلية عاصفة قد تدفعها للاحتماء ولو بـ “قشة” هربا من الغرق، فهل تصبح تل أبيب تلك القشة؟.
………………………………..
المصدر:noonpost