البشير يتجاهل دعوات التسويات: تشبث بالسلطة أم بحث عن ملاذ آمن؟
تحليل : وكالة الصحافة اليمنية//
يتمترس الرئيس السوداني، عمر البشير، خلف صناديق الاقتراع التي يراها السبيل الوحيد لتغيير الحكومة، في رفضٍ صريح لأي تسوية سياسية يكون خارجها، ولا سيما تلك التي قدمتها أطراف في المعارضة، إذ تنتهي جميعها إلى تشكيل سلطة انتقالية، وهو مطلب المحتجين الذين يدعون إلى تنحي الرئيس الذي يحكم البلاد منذ 30 عاماً.
لعل من أهم الحلول المقترحة مبادرة «جامعة الخرطوم» التي وقّع عليها أكثر من 530 أستاذاً ومحاضراً في المؤسسة الجامعية الأولى في البلاد، التي لم تتخلف يوماً عن القضايا المصيرية. فالجامعة، التي أدّت دوراً بارزاً في انتفاضتي 1964 و1985 (أدتا إلى إطاحة نظامي إبراهيم عبود وجعفر نميري)، تنشط الآن مع الاحتجاجات المطالبة بإسقاط البشير مع المتظاهرين، سواء في الجانب النظري (بتقديم مبادرة سياسية تمثل مخرجاً للأزمة) لكونها مؤسسة أكاديمية، دورها وفق مراقبين إيجاد حلول للانتقال السلمي للسلطة، أو بالمشاركة في الاعتصامات، وآخرها وقفة احتجاجية أمس نظمها خريجو «الخرطوم» أمام مبناها وسط العاصمة، وذلك بعد أسبوع على تظاهر نحو 300 أستاذ ومحاضر داخل حرم الجامعة.
هكذا، واستناداً إلى الاحترام الذي تحظى به الجامعة نظراً إلى مسيرتها الوطنية، تجيب مبادرتها عن سؤال البديل (من النظام القائم)، فيما يسعى البشير إلى التلويح بفزاعة «الفوضى» و«الحرب الأهلية كما في سوريا واليمن والعراق» و«معسكرات اللجوء»، طبقاً لما ردده في أكثر من مناسبة، مشبهاً ما يحدث في البلاد بـ«ثورات الربيع العربي». الإجابة تمثلت بمبادرة تدعو إلى تكوين هيكل لسلطة انتقالية تقوم على فصل السلطات، وإلغاء القوانين المقيدة للحريات كافة، وتشكيل مجلس سيادي يمثل الأقاليم الستة القديمة،
وتمثيل خاص للنيل الأزرق وجنوب كردفان، بجانب تمثيل خاص للقوات المسلحة.
كذلك، تنص المبادرة على أن يشكل المجلس السيادي حكومة انتقالية مدتها أربع سنوات من كفاءات متفق عليها، أولى مهماتها إحلال السلام، وتنفيذ برامج إسعافية متفق عليها، ثم تُجرى انتخابات للحكم المحلي بعد عام، إضافة إلى تكوين مفوضية خاصة بقضايا العدالة الانتقالية، وأخرى لمعالجة قضايا الفساد ونهب المال العام.
ملاذ آمن
يتضح من بنود هذه المبادرة وغيرها أن البشير خارج تلك المعادلة، وهو الذي كان في طريقه لتعديل دستور البلاد من أجل ضمان عدد غير محدود من الدورات الرئاسية. وفيما يرى مراقبون أن السبب الأساسي الذي يجعل الرئيس يستبعد خيار تسليم السلطة طوعاً، ويقابل التظاهرات بالعنف المفرط، هو سلامته الشخصية وتوفير «ملاذ آمن» له، لكونه ملاحقاً لدى المحكمة الجنائية الدولية، أكد مصدر دبلوماسي أنه «لا بد من وجود دولة ضامنة للرئيس».
وأوضح المصدر، في حديث إلى «الأخبار»، أنه «لا بد من إحداث توافق دولي» على ذلك، متوقعاً أن «تؤدي موسكو دور الوسيط» في حال خضوع البشير لتسوية سياسية تخرجه من السلطة.
وأضاف: «التوافق (إن حصل) تفرضه الدول الوازنة والدول ذات المصلحة، ما يتطلب منها قبول
استقبال البشير من دون المساس به».
حفاظ على مسارات آمنة
لكن، يظل السؤال عن خيارات البشير الشخصية يفرض نفسه في حال سقوط نظامه، جراء سياسته التي لم تترك للمحتجين غير خيار الشارع. هنا، يرى المحلل السياسي حاج حمد أنه «لا بد من البحث عن مخرج آمن للرئيس»، مؤكداً أنه «يجب الحديث بجرأة عن هذه النقطة».
يقول حمد: «على قوى التغيير القبول بأي مخرج سلمي في حال وجد، وألّا تتمسك بسقوط وتسليم للحكومة بصورة غير مشروطة، إذ من غير الممكن حدوث تغيير كامل إلا عبر التفاوض وتقديم التنازلات التي من ضمنها وضع الرئيس».
تعالٍ على الواقع
لعل الاستماتة في الدفاع عن الحكومة، والطمأنات التي تنقلها القوات النظامية إلى البشير بقدرتها على حل الأزمة، تجعله يستبعد التفكير في ملاذ آمن، لكن حمد يرى أن الوضع يتطلب من البشير «نظرة أكثر واقعية، فالمرحلة دقيقة وحساباتها صعبة»، مشيراً إلى أن «الرئيس السوداني (الآن) في مرحلة التعالي على الواقع… إذا تماشى مع الوقائع، قد يُحسب أنه تراجع سياسي».
لكن الرئيس ليس وحده من يجب عليه البحث عن ملاذ آمن، في رأي المحلل السياسي، لأن معدلات الفساد في البلاد تجعل مجموعة من المسؤولين عرضة للمساءلة.
الخبير القانوني نبيل أديب يشاطر السابق رأيه، ويقول: «في حال قبول البشير أي تنازل يشمل خروجه من السلطة، لا بد أن يحمل شروطاً تتعلق بإسقاط الاتهام عنه داخلياً وخارجياً من جهة، بالإضافة إلى ضمانات أخرى»، وهو أمر «لا يمكن التنبؤ به، لأن المسألة تتعلق بالدور الذي سيؤديه خلال الحكم الانتقالي»، وفق أديب.
وكان لافتاً إعادة البشير إنعاش علاقاته الخارجية مع محيطه الإقليمي، في محاولة للحفاظ على مسارات آمنة مفتوحة، وهو أعلن قبل أيام فتح الحدود مع الجار الشرقي إريتريا بعد إغلاق استمر لعام، في خطوة مفاجئة رأى البعض أنها امتداد لخطوات «تأمين الظهر»، التي بدأها بمصر ثم تشاد.
من جهة أخرى، ورغم اتهام الرئيس السوداني وغيره من المسؤولين الولايات المتحدة بأنها السبب في مشكلات البلاد الاقتصادية التي أشعلت الاحتجاجات، إثر العقوبات التي فرضت لعشرين عاماً، فإنه لا يزال يخطب ود واشنطن، في محاولة لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهو يخوض مفاوضات مع الأميركيين، كما كشف وزير النفط أزهري عبد القادر الشهر الماضي، لإكمال عملية إزالة
المقاطعة المفروضة كلياً، الأمر الذي توقع عبد القادر أن يتم خلال حزيران/يونيو المقبل.
………………………………………..