تقرير تحليلي : وكالة الصحافة اليمنية//
أجواء متوترة تخيم على الحدود في إقليم كشمير المتنازع عليه بين الهند وباكستان، إثر تبادل إطلاق النار والقصف الجوي الذي أسفر عن سقوط عدد من الجرحى والمصابين، الأمر الذي زاد من وتيرة المخاوف بشأن اندلاع حرب بين الجارتين النوويتين.
ورغم تصاعد حدة التوتر على مدار السنوات الماضية فإن الهجوم الانتحاري الذي نُفذ في الشطر الهندي من كشمير قبل أسبوعين وأودى بحياة أكثر من 40 عسكريًا كان الشرارة التي أججت الوضع القائم وصعدت من بوادر الأزمة، خاصة بعد تبني تنظيم “جيش محمد” الباكستاني للعملية.
سجال إعلامي وتراشق سياسي بين الدولتين في أعقاب الهجوم الذي أكدت نيودلهي ضلوع إسلام أباد فيه رغم نفي الأخيرة له بشكل قطاع، تصاعد إلى قصف متبادل بالطائرات، ورغم نفي كلا الطرفين نيتهما في التصعيد فإن الأجواء تشير إلى عكس ذلك، فهل تقرع الحرب بين الجارتين طبولها؟.
قصف هندي ورد باكستاني
في أول رد فعل على تفجير كشمير شنت ما يقرب من 12 طائرة هندية، أمس الثلاثاء، هجومًا ضد معسكر تدريبي لتنظيم “جيش محمد” أسفر عن عدد من الضحايا تقول السلطات الباكستانية إن عددهم يقدر بـ6 باكستانيين، فيما خرج عدد من الهنود إلى الشوارع احتفالاً بالرد، الأمر الذي أثار حفيظة إسلام أباد التي توعدت بالرد في الزمان والمكان المناسبين.
رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي قال إن بلاده لن تسمح لأي جهة بتهديدها، وستواصل ملاحقة منفذي تفجير كشمير الدامي واستهدافهم في أي مكان، فيما أكدت وزيرة الخارجية الهندية شوشما سواراج، خلال زيارتها للصين اليوم الأربعاء، أن بلادها لا تريد “مزيدًا من التصعيد” مع باكستان بعد الغارات الجوية التي شنّتها مقاتلات هندية في الأراضي الباكستانية، موضحة أن هجوم الأمس كان محددًا للرد على التنظيم الذي تبني التفجير الذي وقع قبل أسبوعين.
وفي المقابل وبعد ساعات قليلة من الضربة الهندية، أعلن الجيش الباكستاني، صباح الأربعاء، إسقاط طائرتين هنديتين، “فوق الأراضي الباكستانية”، بعد تصدي مقاتلاتها لخرق سيادة أراضيها، وأورد ناطق باسم الجيش، أن إحدى الطيارتين سقطت داخل الأراضي الباكستانية، وأنه تمكن من أسر أحد الطيارين الهنديين، هذا بخلاف اختراق مقاتلات باكستانية للأجواء الهندية.
الخارجية الباكستانية بدورها نشرت بيانًا عقب إسقاط المقاتلة الهندية، أوردت فيه: “ليس لدينا نية للتصعيد، لكننا مستعدون تمامًا لذلك إذا اقتضت الضرورة”، فيما أغلقت السلطات الهندية مطار سرينجار في كشمير لمدة 3 ساعات بعد حادث تحطم المقاتلة، في أجواء صعدت من المخاوف بشأن تصعيد التوتر.
وعلى الجانب الأخر أفادت وسائل إعلام هندية، أن نيودلهي ردت بإسقاط مقاتلة باكستانية انتهكت أجواءها صباح اليوم، حيث قالت صحيفة “هندوستان تايمز” الهندية إن الجيش الهندي طارد مقاتلات باكستانية انتهكت المجال الجوي الهندي، وأسقط مقاتلة باكستانية على حي راجوري في جامو.
ونقلت من جانبها وكالة “أيه إن آي” عن مفتش الشرطة في جامو وشهود عيان أن مقاتلة من نوع “إف-16” تابعة للقوات الجوية الباكستانية سقطت في وادي ناوشيرا لام، مشيرًا أن الوضع لا يسمح حاليا بالتأكيد عما إذا كانت تلك المقاتلة سقطت بسبب خلل فني أم تم إسقاطها، لكن “ما نؤكده أن المقاتلة كان على متنها 3 طيارين، ووجدنا جثتين منهما حتى الآن”.
يذكر أن العلاقات بين البلدين تأزمت إثر استهداف مجموعة مسلحة قافلة أمنية في “جامو وكشمير”، الجزء الخاضع للهند من إقليم كشمير منتصف فبراير/شباط الحاليّ، فيما أعلنت جماعة “جيش محمد” المسلحة مسؤوليتها عن الهجوم الذي تسبب في مقتل أكثر من 40 عسكريًا هنديًا من القوات الاحتياطية المركزية.
وردًا على ذلك قدمت نيودلهي مذكرة دبلوماسية لإسلام أباد تطالبها بالتحرك ضد الجماعة المذكورة، بزعم أنها تنشط انطلاقًا من الأراضي الباكستانية، بينما ندد الجانب الباكستاني بالهجوم، رافضًا “أي تلميح إلى تورط البلاد فيه دون تحقيقات”، قبل أن تعلن الحكومة منح الجيش ضوءًا أخضر للرد على أي “عدوان هندي”.
وكانت تقارير إخبارية قد ذكرت الأسبوع الماضي أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عرض على البلدين – في أثناء زيارته لهما – وساطته لخفض حدة التوتر بينهما، لكن يبدو أنه فشل في مهمته، فبعد ساعات قليلة من مغادرته نيودلهي شنت الأخيرة هجومها على كشمير.
دعم فرنسي للهند وترقب أمريكي
من جانبها حضّت الولايات المتحدة الثلاثاء كلاًّ من الجارتين النوويتين، على “ضبط النفس” بعد ارتفاع منسوب التوتر بينهما |إلى مستويات خطيرة، مطالبة من جهة ثانية إسلام أباد بالتحرك ضد “الجماعات الإرهابية” على أراضيها، فيما قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في بيان “نحض الهند وباكستان على ممارسة ضبط النفس وتجنب التصعيد بأي ثمن”، مشيرًا إلى أنه تباحث هاتفيًا مع نظيريه الهندي والباكستاني في التصعيد العسكري الأخير بين دولتيهما.
وأضاف الوزير الأمريكي أنه بحث مع نظيره الباكستاني “في الحاجة الملحة لأن تتحرك باكستان بشكل كبير ضد الجماعات الإرهابية التي تعمل على أراضيها”، والحاجة إلى نزع فتيل التوترات الحاليّة من خلال تجنب العمل العسكري.
فرنسيًا.. اعتبرت باريس أن قيام الهند “بتحقيق أمنها ضد الإرهاب” على الحدود أمر مشروع، وطالبت باكستان بوضع حد للعمليات التي تقوم بها من وصفتها بالجماعات الإرهابية على أراضيها، وفقا للبيان الصادر عن الخارجية الفرنسية.
وقالت نائبة المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية في البيان: “فرنسا تعترف بشرعية أنشطة الهند لضمان أمنها ضد الإرهاب العابر للحدود وتطالب باكستان بوقف أنشطة الجماعات الإرهابية الموجودة على أراضيها” حسبما ذكرت صحيفة “لوفيجارو” الفرنسية، وأضافت المتحدثة “ندين بأشد العبارات الهجوم المروع الذي ارتكب في 14 من فبراير ضد قوات الأمن الهندية”، مؤكدة التزام بلادها التي تقف إلى جانب الهند في الحرب ضد الإرهاب بجميع أشكاله، كما دعت إلى حشد المجتمع الدولي لمعاقبة الإرهابيين المسؤولين عن هذا الهجوم ومنع قنوات تمويلهم.
ودعت باريس كما هو حال الاتحاد الأوروبي “الهند وباكستان رسميًا إلى ضبط النفس لتجنب أي خطر من التصعيد العسكري والحفاظ على الاستقرار الإستراتيجي في المنطقة”.
ليس الأول من نوعه
التوتر على الحدود بين البلدين ليس الأول من نوعه، إذ تعود الأجواء الملبدة بالغيوم المخيمة على سماء الجارتين إلى أكتوبر 1947 حين اندلعت أول حرب بينهما بشأن ولاية كشمير بعد شهرين فقط من استقلالهما، وحرب أخرى خاضها الطرفان بشأن ذات المنطقة في أغسطس 1965.
وفي ديسمبر 1971 ساندت الهند محاولة باكستان الشرقية للاستقلال، حيث شن الطيران الحربي الهندي غارات على أهداف في باكستان، أسفرت عن تأسيس دولة بنغلاديش، وفي مايو 1999 احتل الجيش الباكستاني ومسلحون مواقع للجيش الهندي في جبال كارغيل، لترد الهند بشن غارات جوية وهجمات برية تنجح في دحر المهاجمين.
وفي أكتوبر 2001 شنت القوات الباكستانية هجومًا استهدف مقر مجلس ولاية كشمير الهندية وأسفر عن مقتل 38 شخصًا، وبعده بشهرين هجومًا آخر على البرلمان الهندي في العاصمة دلهي خلف 14 قتيلاً.
وبعد سبع سنوات من تلك الهجمات، استهدفت إسلام أباد عدة مواقع في مدينة مومباي الهندية أسفرت عن مقتل 166 شخصًا وذلك في نوفمبر 2008، فيما اتهمت الهند تنظيم لاشكار طيبة الذي يتخذ من باكستان مقرًا له بالمسؤولية عن الهجمات، وفي يناير 2016 استهدفت قاعدة جوية هندية في باثانكوت خلف الهجوم 7 قتلى من العسكريين الهنود و6 من المسلحين المهاجمين.
وفي سبتمبر 2016 استهدف مسلحون معسكرًا للجيش الهندي في أوري في كشمير الهندية أسفر عن مقتل 19 عسكريًا هنديًا، قوبل بشن الهند هجمات متعددة على أهداف لمسلحين في الجزء الذي تسيطر عليه باكستان من كشمير.
المياه.. عامل آخر للصراع
يبدو أن دوافع نشوب حرب بين البلدين لم تقتصر على الهجوم الانتحاري الذي استهدف عناصر من القوات الهندية في كشمير قبل أسبوعين، الذي على إثره تصاعدت الأجواء المتوترة، إذ إن هناك دوافع أخرى ربما تعجل من وتيرة النزاع الحدودي، على رأسها أزمة المياه.
الخميس الماضي أعلنت نيودلهي وقف تدفق مياه روافد السند إلى باكستان ردًا على التفجير، الأمر الذي ربما يهدد حياة الملايين من الشعب الباكستاني ويضع أمنهم المائي في خطر، خاصة أن الدولة الباكستانية ربما تواجه نقصًا حادًا في المياه بحلول 2025 في ظل تفاقم حدة التوتر مع جارتها التي قررت وقف تدفق مياه أحد أكبر الأنهار المغذية للباكستانيين.
مجلة “فورين بوليسي”المعنية بالقضايا الدولية علقت على هذا الخطوة بقولها إن قرار الحكومة الهندية بناء سد على نهر رافي (أحد روافد نهر السند الستة) يذكي الصراع بين الجارتين النوويتين اللتين اشتبكتا في معارك بشأن إقليم كشمير المتنازع عليه بينهما.
البروفيسور سونيل أمريت أستاذ دراسات جنوب آسيا بجامعة هارفارد ومؤلف كتاب “المياه الجامحة”، في حوار أجرته معه المجلة الأمريكية قال إن باكستان واحدة من دول العالم التي تعاني نقصًا حادًا في المياه، وتقدر دراسة حديثة أن هذا البلد سيواجه نقصًا في المياه بمقدار 104 ملايين قدم -فدان بحلول عام 2025.
وأضاف أن المياه التي منحتها معاهدة الإندوس لباكستان من نهري تشيناب وجهلوم تمر إليها عبر الجزء الخاضع للهند من إقليم كشمير، مما يعني أن المفاوضات بخصوص المياه رهينة مخاوف تتعلق بالسيادة على الأراضي، وهي أحد الأسباب التي تجعل التوترات في كشمير سرعان ما تفاقم الخلافات بشأن المياه.
ويرى المحلل السياسي الباكستاني شوكت براتشه أن فرص الحرب بين الدولتين الآن عالية جدًا لأن باكستان سترد بقوة وقدر استطاعتها إذا وجدت أن كرامتها قد أهينت، ولن تظل حكومتها مكتوفة الأيدي حتى يدمر رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي قدراتها العسكرية خدمة لأهداف انتخابية تتعلق بحزبه الحاكم بهاراتيا جاناتا.
وفي ظل تلك الأجواء المتصاعدة بين الجارتين النوويتين بات الدخول في معركة حدودية جديدة مسألة قريبة رغم ما يمكن أن يترتب عليها من تداعيات تتجاوز حدود الدولتين، الأمر الذي يدفع بالقوى الدولية إلى التدخل لوقف نشوب مواجهات بمعناها الكامل، غير أن بقاء فتيل الصراع مشتعلاً يجعل من الحرب احتمالاً قويًا قابلاً للاندلاع في أي وقت.
……………………………….
المصدر: noonpost