دليلٌ جديدٌ انضم مؤخرًا إلى سلسلة الأحاديث عن التطبيع بين الاحتلال الإسرائيلي والسعودية، وهو ما كُشف عنه خلال زيارة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو الأخيرة إلى الهند.
زيارة نتنياهو إلى الهند التي وُصفت بـ”التاريخية” قد تنجز اتفاقًا يتعلق بالعلاقات بين الاحتلال والسعودية، فبين الاتفاقات العديدة التي وقعها الجانبان، برز اتفاق بتعلق بالرحلات الجوية بين البلدين.
الطرفان ناقش في إطار هذا الاتفاق، إمكانية الطيران فوق السعودية لتقصير الرحلات بين تل أبيب ونيودلهي.
وأعرب الجانب الهندي عن نيته فحص الإمكانية لرغبته في تقصير الرحلة من دلهي إلى تل أبيب عبر الأجواء السعودية لأسباب اقتصادية، ومن ناحية الاحتلال، فإنّ الأمر يعني تطبيع العلاقات مع السعودية.
وقال مسؤولون من شركة الطيران الهندية “إير إنديا” إنّهم مستعدون للتوجه إلى السعوديين بطلب استعمال مجالهم الجوي في الرحلات إلى تل أبيب، وأكّدوا أنّ موافقة السعودية على هذا الأمر سيندرج في إطار لفتات تقدمها المملكة للهند.
جدير بالذكر أنّ “إير إنديا” كانت قد شغّلت رحلات إلى تل أبيب قبل 20 سنة إلا أنها أوقت الخط لأسباب اقتصادية، وفي الراهن الشركة الوحيدة التي تشغل الخط بينهما هي شركة الاحتلال “إل عال” التي تسافر إلى بومباي، وتعتمد مسارًا جويًّا طويلًا يتجنب التحليق فوق السعودية.
جدوى هذا الاتفاق أنّه من المتوقع أن يقصر الطيران فوق السعودية مدة الرحلة بين الهند والاحتلال بساعتين ومن شأن ذلك زيادة عدد السائحين بينهما، كما أنّ الخطوة ستؤدي إلى تخفيض أسعار التذاكر.
تقول صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية أنّ هذه الخطوة ربما تكون مؤشرًا على خطوة جديدة نحو تطبيع العلاقات بين تل أبيب والرياض، وستكون تأكيدًا على التقارير التي أشارت على التعاون الوثيق بين الطرفين، وإن كان سريًا.
يتركز الحديث هنا عن جانبين، أولهما العلاقات بين تل أبيب ونيودلهي، والثاني هو ما يمكن تسميته بـ”التطبيع بين السعودية والاحتلال”.
أجاب الباحث الصهيوني إفرايم عنبر عن السؤال الأهم، وهو لماذا يتم التقارب بين الجانبين، فقالت: “الدولتان تخافان من الإسلام المتطرف، الذي معظم مراكزه تقع في العالم العربي.. الهند تخاف من أنّ السلاح النووي للباكستان سيقع في نهاية المطاف في أيدي الإسلاميين، في حين إسرائيل تعتبر إيران تهديدًا وجوديًا بسبب الدمج بين التعصب الديني والمشروع النووي”.
وأضاف حسبما نشرت صحيفة “القدس العربي”، أنّ هناك أيضًا زاوية أمريكية، حيث أنّ الهند هي لاعبة مركزية في الساحة الدُّولية، حسّنت علاقاتها مع الولايات المتحدة عمّا كانت عليه في الحرب الباردة، وترى نيودلهي في علاقاتها مع الاحتلال مصدرًا يمكنه مساعدتها في واشنطن.
وتحدث كذلك عن “اللوبي اليهودي” في الولايات المتحدة فهم أهمية الهند بالنسبة للاحتلال وواشنطن، وأفضلية تطوير العلاقة مع الجالية الهندية في الولايات المتحدة التي تزداد قوتها السياسية، حيث تعاون اللوبيان للحصول على مصادقة الإدارة الأمريكية على بيع أنظمة تجسس محمولة جوًا “فالكون” إسرائيلية إلى الهند في ربيع 2003.
وفي خريف 2008 كان التعاون حيويًّا من أجل أن تمرر في الكونجرس صفقة نووية بين الهند والولايات المتحدة، التي سمحت للهند بالوصول إلى تكنولوجيا نووية للأغراض السلمية، برغم أنّها لم توقع اتفاق منع انتشار السلاح النووي.
ورأى أنّ هناك تغييرين في النظام الدُّولي يعززان التعاون الاستراتيجي بين الاحتلال والهند، وهما هبوط مكانة الولايات المتحدة وتصاعد قوة الصين في الشرق الأوسط، حيث أنّ خوف الولايات المتحدة من تدخلها فيه يقلل من طموح إيران لتحقيق هيمنة إقليمية، كما توجد تداعيات للضعف الأمريكي أيضًا في أجزاء أخرى من العالم، وتتابع دول آسيا بقلق تقلص الدور العالمي للولايات المتحدة.
الجانب الآخر هو الحديث عن “التطبيع” بين الاحتلال ودول عربية، فيقول نتياهو: “عندما تكون لإسرائيل والدول العربية الرئيسية رؤية واحدة، فلابد من الانتباه بأنّ شيئًا مهمًا يجري”، وهو حديث كاشف غير ما قاله قبل ذلك عن سعادته الغامرة بعلاقات قوية تجمع تل أبيب بدول عربية.
هذه العلاقات وإن كانت مرفوضة من قطاعات شعبية كبيرة حسبما كشفت استطلاعات رأي، لكنّها تأخذ ضوءًا أكبر في الأيام والأشهر الماضية.
وأثبتت وقائع كُشفت في الأشهر الماضية، تطبيعًا من نوعٍ ما بين الرياض وتل أبيب، وآخر تلك الأدلة ما تحدثت عنه صحيفة “واشنطن تايمز” الأمريكية عن قيام وفد عسكري سعودي بزيارة إلى الاحتلال مؤخرًا.
وأشارت الصحيفة في تقرير أمس الأول الأربعاء، إلى وجود تحالف سري وتنسيق عسكري بين المملكة والاحتلال، لافتةً إلى أنّ الرياض أرسلت وفدًا عسكريًّا منذ أشهر عدة إلى الاحتلال بهدف مناقشة الدور الإيراني في المنطقة.
يضاف إلى ذلك، زيارة أمير سعودي كبير إلى الاحتلال سرًا، وكشفت وكالة الأنباء الفرنسية في أكتوبر الماضي، أنّ الأمير الذي أجرى الزيارة السرية هو ولي العهد محمد بن سلمان.
وفق الوكالة، فإنّ الزيارة كشفت تأكيد مستوى التطبيع الذي بلغته العلاقات بين الرياض وتل أبيب.
الوكالة ذكرت أيضًا أنّ الصحفي الإسرائيلي أرييل كهانا الذي يعمل في أسبوعية “ماكور ريشون” اليمينية القومية، قال في تغريدة على موقع “تويتر”، في سبتمبر الماضي، إن بن سلمان زار إسرائيل مع وفد رسمي والتقى مسؤولين هناك.
وكان موقع هيئة البث الإسرائيلي باللغة العربية قد نشر في سبتمبر الماضي، نقلًا عن مراسله شمعون أران، أنّ أميرًا من البلاط الملكي السعودي زار البلاد سرًا خلال الأيام الأخيرة، وبحث مع كبار المسؤولين الإسرائيليين فكرة دفع السلام الإقليمي إلى الأمام.
وأضافت أن كلًا من ديوان رئيس الوزراء ووزارة الخارجية رفضا التعليق على هذا الخبر، مشيرةً إلى أنباء تحدثت في السابق عن اتصالات بين الجانبين الإسرائيلي والسعودي في هذا المضمار.
وفي الشهر نفسه، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال مشاركته في احتفال رفع الكؤوس احتفالًا بـ”السنة العبرية الجديدة” بمبنى وزارة الخارجية في القدس الغربية، العلاقات مع الدول العربية بأنها الأفضل وتسجّل رقمًا قياسيًّا غير مسبوق في تاريخ هذه العلاقات.
وقال: “التعاون مع الدول العربية أكبر من أي فترة كانت منذ إقامة إسرائيل، وما يحدث اليوم مع كتلة الدول العربية لم يحدث مثله في تاريخنا حتى بعد توقيعنا الاتفاقيات.. عمليًا، التعاون قائم بقوة وبمختلف الأشكال والطرق والأساليب رغم أنه لم يصل حتى الآن للحظة العلنية، لكن ما يجري من تحت الطاولة يفوق كل ما حدث وجرى في التاريخ”.
ضمن سلسلة التأكيدات الأخرى، حديث رئيس أركان الاحتلال جادي إيزنكوت في مقابلة صحفية نادرة مع وسيلة إعلامية سعودية.
المقابلة كامت مع موقع “إيلاف” الإخباري الذي يتخذ من لندن مقرًا ومؤسسه “سعودي”، أكّد فيها المسؤول الإسرائيلي استعداد تل أبيب لتبادل المعلومات الاستخبارية مع السعودية لمواجهة إيران، وقال: “نحن مستعدون لتبادل الخبرات مع الدول العربية المعتدلة وتبادل المعلومات الاستخبارية لمواجهة إيران”.
لم تكن هذه المقابلة هي الأولى التي يظهر فيها “إسرائيلي” في وسيلة إعلام سعودية، ففي يونيو الماضي، أجرت القناة الإسرائيلية الثانية مقابلة تلفزيونية من مدينة جدة السـُعودية عبر سكايب مع عبد الحميد حكيم مديرِ معهد أبحاث الشرق الأوسط في جدة، وكانت هذه أول مقابلة تلفزيونية يشارك فيها ضيف سعودي مع قناة إسرائيلية.
وتناولت المقابلة، التي أجراها إيهود إيعاري، محرر الشؤون العربية بالقناة الإسرائيلية الثانية، موضوع قطع السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها الدبلوماسية مع دولة قطر.
وقال حكيم في المقابلة إن الدول التي قطعت علاقاتها بقطر فعلت ذلك من منطلق انتهاج سياسة جديدة لا مكان فيها لما سماه الاٍرهاب.
وأنهى حكيم اللقاء الذي تـُـرجم للعبرية بالقول إن الوقت قد حان لشرق أوسط جديد يقوم على المحبة والسلام والتعايش ونبذ الكراهية والعنف والتشدد.
في سياق ليس بعيد، صرح وزير الاتصالات الإسرائيلي وعضو الكنيست عن “حزب الليكود” أيوب قرا لوكالة الصحافة الفرنسية بأنّ هناك عددًا كبيرًا من الدول العربية تربطها علاقات بإسرائيل بشكل أو بآخر، تبدأ من مصر والأردن، وتشمل السعودية ودول الخليج وشمال إفريقيا وقسمًا من العراق”.
وأضاف أنّ “هذه الدول تشترك مع إسرائيل في الخشية من إيران”، ورأى أنّ “أغلب دول الخليج مهيأة لعلاقات دبلوماسية مكشوفة مع إسرائيل، لأنها تشعر بأنها مهددة من إيران، لا من إسرائيل”.
كما نشر موقع “ويكيليكس” مراسلات لوزارة الخارجية السعودية ممهورة بعبارة “سرّي للغاية” تؤكّد أنّ ثمة علاقات تاريخية مهمة بين الاحتلال والمملكة، وأنّها تجاوزت السياسة إلى الاقتصاد ومنه إلى زيارات رجال المخابرات أبرزهم اللواء السابق أنور عشقي في زيارته الأخيرة عام 2016.
وحسبما ترجمت مواقع أنباء، كشفت الوثائق كثيرًا من المستور والمسكوت عنه عن علاقات سعودية مع إسرائيل في مجالات عدّة منها تبادُل المعلومات والتنسيق ضدّ حركات المقاومة وضدّ إيران وتفاصيل مهمة عن زيارات لطلاب وأكاديميين لتقوية العلاقات وتحويلها من المستوى الرسمي إلى المستوى الشعبي.
كما شارك الرئيس الأسبق للاستخبارات السعودية الأمير تركي الفيصل والكاتب السعودي نواف العبيد في منتدى السياسة الإسرائيلية في نيويورك وذلك نهاية شهر أكتوبر الماضي، بحضور جانب جنرالات إسرائيليين متقاعدين، وفي مقدمتهم رئيس الموساد الأسبق إفراييم هاليفي.
وفي يناير الماضي، نشرت وزيرة خارجية إسرائيل السابقة تسيبي ليفني، عبر حسابها الرسمي على موقع “تويتر”، صورة تجمعها مع الأمير تركي الفيصل، خلال تواجدهما معًا في المنتدى الاقتصادي العالمي المنعقد في مدينة دافوس بسويسرا.
الصورة التي شاركت فيها ليفني والفيصل الابتسامة، جاءت في ملمح جديد من ملامح التطبيع غير الرسمي بين السعودية والاحتلال، والتي لم تكن تمر مرور الكرام في سنوات ماضية؛ عندما كانت لجان مقاومة التطبيع ناشطة في المنطقة العربية.
وقالت ليفني معلقة على الصورة: “في دافوس مع الأمير السعودي تركي الفيصل بعد مناقشة عملية السلام وقضايا المنطقة مع وزير الخارجية الأردني، ورئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني”.
وفي يونيو من العام قبل الماضي، أجرى الأمير تركي الفيصل مناظره مع الجنرال الإسرائيلي “احتياط” يعقوب أميدرور مستشار الأمن القومي السابق لحكومة بنيامين نتنياهو، نظمها معهد واشنطن للسياسات الشرق الأدنى، حسب شبكة “cnn” الإخبارية الأمريكية.
وآنذاك، قال الأمير السعودي: “إسرائيل لديها سلام مع العالم العربي، وأعتقد أن بإمكاننا مجابهة أي تحدٍ، ومبادرة السلام العربية المقدمة من السعودية عام 2002 من وجهة نظري تقدم أفضل معادلة لتأسيس السلام بين إسرائيل والعالم العربي”.
وأضاف: “التعاون بين الدول العربية وإسرائيل لمواجهة التحديات مهما كان مصدرها سواء كانت إيران أو أي مصدر آخر ستكون مدعمة بصورة أقوى في ظرف يكون فيه سلام بين الدول العربية وإسرائيل، ولا أستطيع أن أرى أي صعوبات بالأخذ بذلك”.
وكانت صحيفة «وول ستريت جورنال»، نشرت في مايو من العام الماضي، أنّ الرياض أبلغت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل زيارته الشهيرة، استعدادها لإقامة علاقات دبلوماسية طبيعية مع تل أبيب دون شروط، وأنّها بذلك تسحب من التداول المبادرة التي تقدمت بها للقمة العربية عام 2002.
وبعيد زيارته للسعودية، أكد ترامب أن خطوات كبيرة تحققت في مسار السلام بالشرق الأوسط، وأن مفاجأة كبيرة ستحصل.
الخبير في الشؤون الإسرائيلية صالح النعامي وضع أسبابًا للتقارب بين تل أبيب والرياض، وتحدث هنا عن التقاء المصالح بينهما في مواجهة المشروع النووي الإيراني.
ثاني أسباب التقارب – يقول النعامي – هو توحد رؤية الاحتلال والمملكة برفقة دول أخرى في إحباط ثورات الربيع العربي حسب رأيه، مشيرًا إلى أنّ هناك تكاملًا في هذا الإطار من قبل الاحتلال من جهة والدور السعودي الخليجي بشكل عام.
وأوضح أنّ ثالث الأسباب هو “التبني السعودي لمفهوم الإرهاب الإسرائيلي”، وقال: “وزير الخارجية السعودي عادل الجبير اعتبر صراحةً أنّ حماس حركة إرهابية رغم أنّها لم تستهدف المصالح السعودية ولا ترى فيها عدوًا لها.
كما أشار إلى التقاء المصالح بين السعودية والاحتلال في سوريا، حيث تجسّد ذلك في التأييد المشترك لهما في “فكرة الدولة الكردية”، والتي تم البدء بشأنها بزيارة وزير سعودي لمدينة الرقة، الواقعة تحت السيطرة الكردية.
ولفت كذلك إلى الحديث عن صفقات سلاح إسرائيلية إلى السعودية، كما أوردت مجلة “إسرائيل ديفنس” قبل أشهر.
وفيما يتعلق بولي العهد محمد بن سلمان، صرح النعامي: “في إسرائيل يقولون إنّ هناك نافذة فرص في وجود الأمير محمد بن سلمان، فهم يعتبرون أنّه فور توليه الحكم في المملكة سيتقرب إلى الولايات المتحدة عبر إسرائيل”.
كما تحدّث عن عامل آخر وهو مخاوف سعودية خليجية، فيما يتعلق بأنّ الولايات المتحدة بعدما تنجز مهامها في الحرب على تنظيم “الدولة” ستنسحب من المنطقة، ما يعني أنّ هذه الدول معنية بأن ترتكز على قوة إقليمية كإسرائيل كما ترى هذه الدول.
(مصر العربية)