سقوط الكبار في زمن تقنية “الفار”
تقرير: هاجر الرضي * في كرة القدم كانت الجهات المعنية بتنظيم البطولات والمسابقات المحلية والدولية لا تقوم بتعيين حكاما في المباريات بل تتدخل عوامل وسلطات أخرى ففي سجلات مصر القديمة مثلا عن أناس شهدوا استعمال التحكيم في كرة القدم عن طريق كبار الكهنة وكان الجمهور يتفاعل مع هذا الأمر بالشكل الكبير وإن اتجهنا إلى أوروبا […]
تقرير: هاجر الرضي *
في كرة القدم كانت الجهات المعنية بتنظيم البطولات والمسابقات المحلية والدولية لا تقوم بتعيين حكاما في المباريات بل تتدخل عوامل وسلطات أخرى ففي سجلات مصر القديمة مثلا عن أناس شهدوا استعمال التحكيم في كرة القدم عن طريق كبار الكهنة وكان الجمهور يتفاعل مع هذا الأمر بالشكل الكبير وإن اتجهنا إلى أوروبا فكانت أثنيا وروما تقوم بتعيين زعماء وقادة الجيوش ليكونوا حكاما في كرة القدم.
وفي بريطانيا البلد الأم للساحرة المستديرة ظهر أول قانون بشأن التحكيم في عام 1697 بعنوان قانون التحكيم ولكن صدور التحكيم كان سابقا لهذا التاريخ وصدر بفعل مشترك من أكثر من سلطة فلقد سجل أول قرار قضائي للتحكيم في انجلترا عام 1610 بعد أن لاحظت باحثة قانونية آنذاك أن قرارات إدوارد كوك رئيس القضاء في عهد الملك جيمس الأول للتحكيم التي ظهرت في عام 1483 كانت تعاني من ضعف كبير حيث أتاحت الإمكانية لأي جهة من الاطراف المتنزاعة تستطيع أن تسحب الحكم لجهتها علما بأن الأطراف المتنازعة كانت وقتها ولايات في انجلترا حتى تم تصحيح هذا الخطأ في عام 1697 شكليا لكنه بقي ممتدا عمليا إلى ما قبل زمن الفار.
وفي هذا الصدد لا يمكننا جرد أبرز الأخطاء التحكيمية دون الحديث عن هدف الأسطورة دييغو مارادونا باليد في الدور قبل النهائي من مونديال 1986 ضد المنتخب الإنجليزي الذي منح أغلى كأس في العالم إلى الأرجنتين وشكل وصمة عار تذكر لحد الساعة وربما لعنتها ستبقى عالقة في طريق عودة الأرجنتين إلى منصة التتويج حتى وإن كان ليو ميسي قائدها.
قرون مرت والقصة نفسها تتكرر مع جميع الأندية وجميع الأجيال الجماهيرية للأندية الأوروبية فعندما يظلم الحكم ريال مدريد تفرح جماهير برشلونة وعندما ينال ريال مدريد ركلة جزاء مشكوكا بأمرها تحتج جماهير برشلونة وتطلق اسم فريق الحكام على النادي الملكي. وعندما يرتكب الحكام أخطاء تحكيمية أمام منافسي برشلونة جماهير ريال مدريد تعتبر النادي الكتالوني فريق تحكيم والأمر نفسه ينطبق على بايرن ميونخ الألماني أو السيدة العجوز اليوفي وغيرها من الأندية التي عانت من التحكيم في السنوات الأخيرة خلال منافسات دوري أبطال أوروبا على وجه الخصوص.
هناك مسألة يجب أن نفهمها جيدا الحكام بشر في النهاية قد يتأثرون بعواطفهم أو حتى بالرشاوي الطائلة التي تصلهم من بعض رؤساء الأندية فمثلما كان الحكم منبهر بجيل فان باستن وخوليت وريكارد في الميلان وجيل تشافي وميسي وإنيستا في برشلونة بيب غوارديولا وبحالة جيل ريال مدريد الذي لايخسر لسنوات متتالية. الأخطاء التحكيمية دائما وأبدا لن تنتهي وإذا استعرضنا مسيرة أي بطل خاصة من أجيال الهيمنة مثل بنفيكا والإنتر في الستينيات وأياكس وبايرن وليفربول في السبعينيات والميلان في الثمانينيات واليوفي في التسعينيات وبعدها ريال مدريد في أوائل الألفية مرورا بالميلان ثم برشلونة ثم الريال الحالي جميعهم إستفادوا من الاخطاء التحكيمية دون استثناء وبكل واقعية.
ومن خلال هذه التراكمات التاريخية والفضائح التحكيمية التي عرفتها كرة القدم الحديثة والجدل الذي تسببه كل موسم، خصوصا دوري أبطال الأوروبا كان لا بد للفيفا أن تعيد التفكير في صياغة جديدة لتقنية تجعل من المباح قبل سنة باطلا اليوم وأن تحسم النقاش الذي يتكرر بعد كل 90 دقيقة من المباريات خصوصا تلك المصيرية منها. فكانت تقنية الفار أو الفيديو المساعد للحكم التي استخدمت أول مرة في كأس العالم روسيا 2018 هي الحل الذي غير مجريات اللعبة بشكل أساسي عن طريق عكس بعض من أهم القرارات التحكيمية وربما ضمن عدالة القرارات وأن الفريق الأفضل هو من سيفوز لكن مع ذلك لا يمكننا الجزم أنها كرست العدالة بشكل كامل أو ربما لا تزال تحتاج المزيد من الوقت خصوصا أن الأمر استغرق وقتا طويلا حتى يتم تقديمه لأن العديد من الناس يخشون أن تدمر التقنية تدفق وشعور اللعبة وعنصر الإثارة والتشويق.
ويبقى السؤال المفتوح هنا هل أفقدت تقنية الفار متعة كرة القدم؟ أم أنها كرست العدالة الكروية المطلوبة خصوصا مع سقوط فرق كبيرة عند أول اختبار للتقنية خلال الموسم الحالي؟.
……………………………………………..
- صحفية مغربية و باحثة في وسائل الاعلام// الجزيرة