الغداء الأخير.. السعودية والنظام السابق وراء اغتيال الرئيس الحمدي
الغداء الأخير.. السعودية والنظام السابق وراء اغتيال الرئيس الحمدي
تقرير متابعات/ وكالة الصحافة اليمنية
بثت قناة الجزيرة أمس الأحد فيلما وثائقيا تحت عنوان “الغداء الأخير”، والذي يتتبع قضية اغتيال الرئيس اليمن الشمالي سابقا إبراهيم الحمدي والأسباب التي أدت إلى ذلك والأطراف المتورطة فيه ودور الضباط العسكريين المقربين منه والدور الخارجي في الحادثة التي هزت مشاعر اليمنيين في سبعينيات القرن المنصرم.
وفتح فريق العمل المنتج للفيلم ملف القضية من جديد، وتتبع مسار الأحداث منذ ثورة الـ 26 سبتمبر/أيلول 1962 وإلى لحظة وصول الحمدي للحكم، وما تلا ذلك من تطورات قادت في النهاية إلى اغتياله.
حين أصبح الحمدي رئيسا فعليا للبلاد -بعد استقالة الإرياني- في 13 يونيو/حزيران 1974، رحبت به السعودية التي حذرت من أي تدخل خارجي في اليمن، لكنها سرعان ما تغيرت مواقفها بعد ما اشتهر به الرئيس الشاب آنذاك من طموحه إلى بناء يمن يسع الجميع، وهو ما جعله يواجه العديد من الخصوم بالداخل والخارج، خاصة حين بدأ في معالجة الملف القبلي باعتباره يهدد الدولة المدنية التي يطمح لتأسيسها، وكذلك ملف إعادة هيكلة الجيش ليكون مؤسسة وطنية غير قبلية ولاؤها للسلطة بدلا من مشايخ القبائل. وهو ما تجسد في قرارات 27 أبريل/نيسان 1975.
ووفقا لشهادة السفير إدوارد غنيم نائب رئيس البعثة الأميركية باليمن سنة 1978، فإن استمرار الحمدي في الإصلاحات ومراجعة ملفات الشؤون الداخلية والخارجية، جعل السعودية تنأى عنه خاصة بسبب سعيه لتأمين البحر الأحمر وبناء جيش وطني وتوحيد شطريْ اليمن، وكانت الرياض قلقة من كل ذلك ولاسيما توحيد اليمن.
اجتمع خصوم الحمدي جميعا على الإطاحة به، وتم لهم ذلك باستقطاب ضباط كان قد منحهم ثقته الكاملة، وفي مقدمتهم رئيس أركان القوات المسلحة أحمد الغشمي، وقائد لواء تعز علي عبد الله صالح الذي تولى رئاسة البلاد لاحقا. وفي 11 أكتوبر/تشرين 1977 كان الحمدي يستعد لزيارة عدن بدعوة من قيادة اليمن الجنوبي، وكانت الرياض ترفض هذه الزيارة خاصة أنها كانت ستتم فيها ترتيبات مهمة لتجسيد الوحدة اليمنية.
وتفيد وثيقة للخارجية الأميركية (بتاريخ 18 أكتوبر/تشرين الأول 1977) حصلت الجزيرة عليها؛ أنه في اليوم نفسه وجّه الغشمي دعوة إلى الحمدي ليحضر عنده في بيته وليمة غداء، أقامها على شرف رئيس الوزراء اليمني عبد العزيز عبد الغني بمناسبة عودته من رحلة استشفاء في بريطانيا.
وفي حدود الساعة 1:30 ظهرا؛ اتصل الغشمي على الرئيس الحمدي ليذكره بحضور الغداء، ويشدد على ضرورة الحضور حتى لا يساء فهم الاعتذار بأنه لخلاف بينهما. وعندها انطلق الحمدي إلى بيته ملبيا الدعوة. وقبل وصول الحمدي كان أخوه قائد قوات العمالقة عبد الله الحمدي قد وصل بيت الغشمي ملبيا دعوة منه.
تعددت الروايات بشأن طريقة تصفية الرئيس الحمدي بعد وصوله لبيت الغشمي الذي يقع قبالة مبنى السفارة السعودية في صنعاء. وحسب ما رواه للبرنامج عبد الله الحكيمي -الناطق باسم مجلس قيادة فترة حكم الحمدي- فإن وزير الشؤون الاجتماعية عبد السلام مقبل هو الوحيد الذي نقل ما جرى في بيت الغشمي لحظة وصول الرئيس الحمدي إلى وليمة الغداء.
وقد قال مقبل إن حراسة الحمدي -الذي استقبله الغشمي وصالح عند مدخل المنزل- لم يسمح لهم بالدخول، كما أنه لم ير أخاه عبد الله الحمدي مع المدعوين إذ كانت تم قتله قبيل وصول الرئيس. وأثناء انتظارهم للغداء؛ دخل فجأة علي صالح وهمس في أذن الرئيس الحمدي فقام معه ودخلا وحدهما مع الغشمي إلى إحدى غرف البيت الداخلية.
هنا تتوقف رواية مقبل، ولا يُعلم على وجه الدقة ما الذي حصل للحمدي بعدها حتى لحظة إعلان مقتله؛ إذ ظل جميع المدعوين للغداء ينتظرون عودته حتى أبلِغوا أنه سيتأخر لمواصلة اجتماع مهم مع الغشمي وصالح، وطُلب منهم مغادرة المكان فانصرفوا دون توديع الرئيس، ثم أبلغ أفراد حراسته لاحقا بأنه هو وأخوه خرجا من الباب الخلفي وغادرا البيت.
وبعدها بساعات أعلِن في وسائل الإعلام نبأ اغتياله في ظروف غامضة داخل بيت له علاقة بعاهرتين فرنسيتين. لكن إحدى وثائق الخارجية الأميركية تؤكد حضوره لدعوة غداء الغشمي، كما تُثبت تورط السعودية في اغتياله، وهو التورط الذي أكده أيضا الرئيس اليمني الأسبق علي صالح -قبيل مقتله- في لقاء تلفزيوني، أفاد فيه بأن الملحق العسكري السعودي في صنعاء أشرف على عملية الاغتيال.
وقد رجع فريق العمل المنتج للبرنامج إلى وثائق الأرشيفين البريطاني والأميركي، وإلى لقاءات الحمدي الصحفية وخطاباته السياسية، وأجروا مقابلات مع العديد من الشهود على تلك الفترة من تاريخ اليمن، وبعضهم مسؤولون سابقون مدنيون وعسكريون عملوا عن قرب من الحمدي وحكومته.
وتجاهل التقرير علاقة المشائخ بمقتل الرئيس الحمدي، وهو ما أثار غضب الكثير من اليمنيين الذين يعرفون من خلال الروايات المؤكدة أن الشيخ الأحمر وسنان أبو لحوم كانا ضمن فريق التخطيط لمقتل الرئيس، إلى جانب رئيس الوزراء الأسبق عبدالعزيز عبدالغني.