سقطرى إطلانتس اليمن.. الأرخبيل المفقود! (تحقيق)
سقطرى.. أرخبيلنا المفقود، لؤلؤة الشعب المُفقر الذي حرم الاستقلال والاستقرار -شرط إنتاج الحياة وتعمير الوطن- هذا الأرخبيل التي نأت به الجغرافيا عن النزاعات الداخلية، لم يعد هادئاً تماماً، فضجيج (القراصنة الجدد) فيه بلغ مسامع كل اليمنيين وساءهم الخبر برغم انقساماتهم الموقفية في الأزمة الراهنة؛ فالكرامة الوطنية التي تُنتهك هي ما تبقى لشعب يُكابر بتاريخه، وبتنوع أرضه وجمالها ولن يبقى له اي قيمة مادية او معنوية اذ ما أقتطعت أجزاء من بلاده وزيف تاريخها.
تعددت التناولات الاعلامية والسياسية قضية سقطرى، وكانت معظمها محفوفة بدافع نشر الفضيحة ودافع الغير والتنافس في صفوف المرتزقة، وفرصة لإدانة الخصم السياسي، وهي تناولات ترتكز على راهنية ولحظة الخبر، ولا تهتم بمصير القضية، والتدقيق في معرفة الواقع كما هو على تلك المحافظة الأرخبيلية. ومن فرز كل تلك الاخبار وتدقيق المعومات والبناء على ما هو مُشترك في مختلف التناولات الاعلامية والتصريحات السياسية، وبالاستعانة بمصادر محلية والتوسع النظري في طبيعة الصراع العالمي في المنطقة، أمكننا إدراك واقع الممارسة الاماراتية طبيعتها، ووسائلها، وتطورها التاريخي، وأبعادها وتداعياتها على مستقبل اليمن أرضاً وهوية واقتصاداً.
الغزو السهل!
أرض الاساطير وحورية بحر
ليس مستغرباً ان توجه الامارات اساطيلها باتجاه سقطرى، هذه الأرض العجيبة هبة الله وإبداع الطبيعة وأرض الأساطير وحورية البحر، تم تصنيفها من قبل منطمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة على أنها واحدة من مناطق الإرث الطبيعي للإنسان ومحمية طبيعية. مؤهلة ان تكون استثمارا سياحيا طبيعيا ورياضيا واستكشافيا وعلميا فريدا، لما تتمتع به من تنوع تظاريسي وحياتي نباتي وبحري وكائنات نادرة، وفي ذات الوقت موقع استراتيجي عسكري، فهي ارخبيل مكون من أربع جزر على المحيط الهندي قبالة سواحل القرن الإفريقي بالقرب من خليج عدن، على بعد 350 كيلومترًا جنوبي الجزيرة العربية وبحيرة النفط العربي. كل هذه العوامل الطبيعية تجعل من سُقطرى، حورية، تسيل لعاب الطامعين والتوسعيين، وقد أسالت لعاب القوى الاستعمارية القديمة من الاحباش والفُرس والبرتغاليين والعثمانيين والبريطانيين.
وكشف ضباط سابقون في أمن مطار سقطرى أن الإماراتيين يقومون أيضا بعمليات تهريب لثروة حيوانية وبيئية وشعاب مرجانية نادرة من سقطرى، ويقومون بأعمال وحفريات في مناطق أثرية بهدف بناء قصور لهم مطلة على البحر.
حسب مصادر محلية، اغدقت حكومة الامارات بالأموال الطائلة على اعضاء المجالس المحلية، والمشائخ والمسؤوليين الحكوميين والوجاهات، وأفاضت عليهم بالعطايا والهدايا، والشقق والسيارات رباعية الدفع، فاضعفت رابطة السُلطة المحلية بالحكومة اليمنية العميلة للسعودية، ويتصدر قائمة الخونة في هذا الأرخبيل، المحافظ السابق له «سعيد سالم بحقيبه»، ومدير الأمن وقائد اللواء مشاة بحري وقائد البحرية.
تُستكمل الاساليب المالية للسيطرة على سُقطرى، بعملية اخرى تتفادئ الرفض الشعبي للسيطرة الاماراتية، وهي عملية اعادة تشكيل الكيانات القبلية في الجزيرة لشراء ولاءات زعاماتها، يشير إليها الصحفي «عصام الهاشمي» في تحقيق لموقع «العربي الجديد» نشره ديسمبر العام الماضي.
(وثيقة صادرة عن المحافظ العميل لإعادة تشكيل الكيانات القبلية في الأرخبيل، وفق المساعي الإماراتية للسيطرة عبر النخب لتوخي الرفض الجماهيري)
تحقيق عصام الهاشمي لموقع العربي الجديد يُشير إلى رفض اهالي سقطرى لمثل هذه الممارسات الإماراتية، جاء على لسان الشيخ صالح بن يعقوب، الوجيه المقيم في مدينة حديبو عاصمة أرخبيل سقطرى، الذي يؤكد أن الإمارات وفي سبيل تشكيل قوات حزام أمني اشبه بالحزام الأمني في عدن وعملت على استبدال إدارة أمن المحافظة بـ”مركز شرطة حديبو الشامل” في منتصف يوليو/تموز 2017. ويشير الشيخ بن يعقوب إلى أن الإمارات قبل أن تشتري الأراضي عملت على شراء الذمم، والتقرب للوجاهات الاجتماعية عبر ابتعاث أبناء الوجاهات الاجتماعية للدراسة في الخارج، وكذا التزوج من فتيات سقطريات لإحكام السيطرة على الجزيرة، وهو ما يعد مدخلا للسيطرة على الجزيرة، حسبما يقول الشيخ بن يعقوب، إذ بلغ عدد الفتيات اللائي تزوجن من إماراتيين 15 فتاة خلال العام الجاري 2017، وفق بيانات الإدارة العامة للتوثيق والرصد بوزارة العدل.
وبحسب الوثائق التي نشرتها قناة بلقيس اليمنية، فقد تم بيع أرضية في أرخبيل سقطرى مساحتها 19500 متر مربع والتي بيعت لممثل مؤسسة خليفة ويدعى خلفان المزروعي بقيمة 3 مليون درهم إماراتي.
وحمل وكلاء محافظة أرخبيل سقطرى في رسالة وجهت إلى الحكومة العميلة في يناير الماضي مسؤولية ما تتعرض له الجزيرة من عبث بالأراضي والمنافذ والإيرادات من قبل دولة الإمارات المحتلة.
وجدير بالذكر ان مجلس الوزراء في حكومة الوفاق الوطني سابقا التي كان يرأسها «محمد سالم باسندوه» قد اتخذ قراراً بمنع البيع أو التصرف بأراضي سقطرى، وما زال ساريا قانونيا، وأي عملية بيع أو شراء للأراضي في سقطرى خصوصاً في المناطق السياحية والمحميات الطبيعية والمناطق المطلة على السواحل يعتبر لاغياً بحكم القانون، وحكم القانون فهي تصرفات في ظل حرب وسلطة احتلال.
المتاجرة بالخبز والدين والدواء
تستعين الإمارات في هيمنتها على الجزيرة بمختلف وسائل السيطرة الاجتماعية، تحت عنوان اعادة الاعمار، وتتصدر لقمة العيش التي تقدم لغير وجه الانسانية هذه الوسائل والحيل، عبر «جمعية خليفة الخيرية»، وفي الجانب الصحي فقد استغل الاماراتيون ضعف البُنية الطبيعة في الجزيرة، فقاموا ببناء مستشفى خليفة، ولا تتوقف الرحلات المكوكية لهلال الاحمر الاماراتي، لغاية ايضاً غير انسانية، وقيمة كل ذلك تقتطعها الامارات من نفط وغاز شبوه وفوائد توقيف ميناء عدن لصالح مينا دبي. ولم تكتفي الإمارات بتوظيف الوسائل المادية في الهيمنة فقد لجأت ايضاً الى الوسائل الروحية، ومنها اقامة دورات تدريبية لخطباء الجزيرة ودعاتها داخل أبو ظبي، وكان الشيخ هاني بن بريك وزير الدولة المعين والمقال من قبل حكومة هادي العميلة، هو عراب عملية اعادة صياغة خطباء سقطرى بالدين الذي يرتضيه عيال زايد!
وفي تقرير سابق نشرته صحيفة “البيان” الإماراتية في التاسع من أبريل الماضي تطرق التقرير إلى بعض صور الاستغلال الإماراتي لحال سكان الجزيرة، حيث شمل هذا “الدعم “عددًا من المجالات الخدمية والتنموية والأمنية، حسب ما جاء في ذلك التقرير.
وزير السياحة في حكومة الإنقاذ الوطني «ناصر باقزقوز»، أدان المساعي الاحتلالية الإمارتية في سقطرى، كما اتهم حكومة هادي بالتواطئ إزاء التغيير الديموغرافي الإماراتي في الجزيرة المصنفة من اليونسكو ضمن قائمة أهم المواقع الطبيعية وإحدى أكبر المحميات الطبيعية في العالم. متهما في ذات الوقت حكومة صنعاء بالتقصير في مقاومة هذا الاحتلال.
وقال باقزقوز في بيان نشرته وكالة الانباء اليمنية سبأ إن “من جاء إلى سقطرى هم لصوص يسرقون الأشجار النادرة يعملون على تجريف كل ماتزخر به هذه البيئة الطبيعية. أبناء سقطرى الآن في حيرة لايستطيعون منفردين مقاومة العدو الإماراتي وأيضاً من تدعي نفسها الشرعية هي متواطئة مع العدو، وأيضاً في صنعاء لايتم الاهتمام بما يحدث في سقطرى، وأيضاً مايحدث حتى في المحافظات الجنوبية مايفعله الإماراتي في الجنوب لايقاوم بالشكل الصحيح من قبل حكومة الإنقاذ والمجلس السياسي في صنعاء”.
علي ناصر لا للمزاد على جزيرتي سقطرى وميون!
الرئيس اليمني علي ناصر محمد رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سابقاً، ومحافظ سقطرى إبان حكم التنظيم السياسي للجبهة القومية (الحزب الاشتراكي اليمني لاحقاً)، استنكر في تغريدة له على «تويتر»: وضع جزيرتي سقطرى وميون في المزاد العلني، في اشارة منه الى دعوة الاستفتاء التي اطلقتها وسائل العلام الإماراتية، واعتبر الرئيس ناصر سقطرى وميون أغلى جوهرتين في العالم.
وأضاف: “تابعنا ما يدور هذا الأسبوع في القنوات الفضائية والصحف عن الجزيرتين اللتين كنت يوماً محافظاً لهما، ونحن نطالب القيادة- في إشارة منه للرئيس المستقيل هادي وحكومته القابعة في فنادق الرياض- بأن تعلن موقفاً حازماً وصارماً من التفريط بسيادة الجزر”.
وطالب الرئيس ناصر الشعب “الذي واجه الغزاة عبر التاريخ بأن يقول كلمته”. مشيراً لوجوب مقاومة التوسع الاماراتي.
أبعاد المساعي الإماراتية في سقطرى
من أجل اكتمال السيطرة على منطقة القرن الأفريقي وخليج عدن، من الجانبين الشرقي والغربي، تسعى الإمارات للسيطرة على جزيرة سقطرى، التي تعد مفتاح المنطقة إذ تقع على المحيط الهندي، وقبالة السواحل الأفريقية، وبالقرب من خليج عدن.
فليست جزيرة سقطرى إلا ختاماً للمساعي الاماراتية المحمومة لصناعة نفوذ في هذه المنطقة التي تتيح للمسيطر عليها إمكانية التحكم بطـرق التجـارة العالمية – وفي مقدمته النفط – التي تمر بقناة السويس، وكذلك امتلاك ناصية الهيمنة العسكرية بالسيطرة على ممرات الأساطيل البحرية، الذاهبة والعائدة ما بين المحيطين الهندي والأطلسي، والجزيرة العربية وشرق أفريقيا.
سيطرت الامارات حتى الآن على عدن والمكلا وساحل إقليم أرض الصومال، ولها، قاعدة عسكرية في إريتريا، وتستأجر ميناء جيبوتي ومطارها العسكري. ولا يُمكن عزل الطموحات الإماراتية في التوسع، عن واقع صراع القطبية العالمي فالإمارات فعليا جزء من التوجه الغربي.
الإمبريالية الأمريكية خلف الواجهة العسكرية الإماراتية
تتصدر الإمارات واجهة السيطرة العسكرية في سقطرى، وتخفي فعلية الهيمنية العسكرية للإمبريالية الأمريكية في هذه المنطقة البحرية المفصلية.
الخاتمة:
طموحات الامارات في جزيرة سقطرى جزء من طموحاتها في سواحل اليمن، وفي منطقة القرن الأفريقي، بشكل عام، وهي طموحات قائمة على النفوذ الاستعماري المفروض بالقوة العسكرية وباستغلال فقر الشعوب، وليس على التفوق السلمي العلمي التقني والديبلوماسي، وباعتبار الامارات كياناً وظيفياً للمعسكر الغربي وليس كما تدعي انها عروبية مستقلة تحارب “مداً فارسياً”، فمشيخات الخليج ملحقة أمنيا بأمريكا الإمبريالية.
وجزيرة سقطرى برغم انها جزء من مشروع استعماري أكبر، إلا أنها في ذات الوقت هدفاً بذاتها فمميزات ارخبيلها الحيوية والطبيعية والجيوسياسية تجعلها هدفاً بذاتها وعرضة للمطامع والحملات الإستعمارية القديمة والحديثة.