تقرير: وكالة الصحافة اليمنية//
تبذل الحكومة الاتحادية الصومالية جهوداً كبيرة لإقامة حُكمٍ مركزيٍّ قوي، يلمُّ شعث البلد الذي مزقته الحرب الأهلية، والصراعات الدولية والتدخلات الإقليمية، بسبب موقعه المميز في منطقة القرن الأفريقي.
ويعتبر إقليم “أرض الصومال” من أهم الأقاليم التي تشكل جمهورية الصومال، ويقع شمال غربي البلاد، وتبلغ مساحته 137600 كم مربع، ويقدَّر سكانه بـ3.5 ملايين نسمة، وقد انفصل الإقليم عن البلد الأم بعد أن أُطيح بنظام سياد بري في 19 يناير 1991، حيث أعلن محمد إبراهيم عقال الاستقلالَ، وهي الخطوة التي لم تحظَ بتأييد دولي.
وفي عام 2001، أُجري استفتاء شعبي، كرَّس الانفصال المطلق عن الصومال، وأُسست جمهورية تحمل اسم “أرض الصومال”، وقد استحدثت الجمهورية غير المعترف بها دولياً، حكومةً وبرلماناً وجيشاً، كما أصدرت جواز سفر لسكانها في سبتمبر 2000.
الحكومة المركزية تمسكت بوحدة البلاد الهشة؛ تدعمها الشرعية الدولية التي تعترف بوحدة الأراضي الصومالية، إلا أن الصراعات الإقليمية لعبت بورقة الخلافات الصومالية، ووظَّفتها في إضعاف الدولة لتحقيق مصالحها.
غينيا على خط الأزمة
وفي هذا السياق أعلنت الحكومة الصومالية الفيدرالية، الخميس (4 يوليو)، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع غينيا؛ على خلفية استقبالها رئيس أرض الصومال، موسى بيهي، بصفته رئيساً لدولة مستقلة، في إطار زيارة رسمية استغرقت يومين، وهو ما اعتبرته مقديشو خرقاً لسيادتها.
وحذَّر وزير الخارجية الصومالي، أحمد عيسى عوض، السبت (6 يوليو)، دولاً لم يسمها، من التدخل في شؤون بلاده، وخرق وحدة أراضيها.
وقال في مؤتمر صحفي: “ندعو العالم للعمل على منع تحالفات بعض الدول المعروفة، من التدخل في شؤوننا، والكف عن وضع عراقيل أمام التطور السياسي الذي يشهده الصومال، من خلال ممارسة قرارات أحادية الجانب، وخرق وحدة الأراضي الصومالية”.
وأضاف عوض: إن “الصومال يعرف كيف يحل مشاكله الداخلية، ونجلس مع جميع الفرقاء الصوماليين، للتوصل إلى حل دائم، لكن هذا لن يتحقق ما دامت دول تعمل لشق صف الصوماليين ووحدتهم”.
أزمة ببصمة إماراتية
سعت دول مجلس التعاون الخليجي إلى التواصل مع الصومال على مدار العقد الماضي، بسبب أهمية موقعه الجغرافي الذي يعتبر حديقة خلفية للخليج العربي، من خلال المساعدات الإنسانية والاستثمارات الإنمائية.
وبعد خفوت الحرب الأهلية أصبح الصومال محط أنظار العالم، وكان انتخاب محمد عبد الله فرماجو في فبراير 2017، فرصة للتفاؤل، لأنه جاء من خارج الانقسام القبلي والفصائلي، وقاد البعض إلى اعتقاد أن زمن الحرب والخلاف ستُطوى صفحته ويبدأ الصومال بالتوحد واستعادة دوره في المنطقة والإقليم.
إلا أن الأزمة الخليجية، التي اندلعت بحصار دولة قطر في يونيو 2017، من قِبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر، وصلت آثارها إلى مقديشو كما هو الحال مع كل الملفات التي تعاملت معها دول الخليج. ومنذ بداية الأزمة حاولت حكومة فرماجو الوقوف على الحياد وعدم الانحياز إلى أي من أطراف الأزمة، إلا أن أبوظبي والرياض اعتبرتا ذلك انحيازاً إلى قطر.
ولم يشفع لحكومة الصومال وقوفها إلى جانب السعودية في مواجهة إيران، حيث استجابت لطلب الرياض وقطعت العلاقات مع طهران، وعملاً بمبدأ من لم يكن معنا فهو علينا، اعتبرت السعودية والإمارات حكومة الصومال خصماً، وسعتا إلى زعزعة الاستقرار في البلاد، بدعم أطراف مناوئة للحكومة داخل العملية السياسية وخارجها. وفي أبريل 2018، صادرت حكومة مقديشو ملايين من الدولارات كانت في طريقها إلى قوات أمنية تدربها الإمارات، وطردت المدربين.
وكشف تقرير لخبراء لجنة العقوبات الدولية المفروضة على الصومال وإرتريا، التابعة للأمم المتحدة، في أكتوبر 2018، أنه قبل يوم واحد من مصادرة قوات الأمن الصومالي حقيبة الأموال التي كانت بحوزة السفير الإماراتي في مقديشو محمد أحمد عثمان، رصد فريق الخبراء الدوليين اجتماعاً بين دبلوماسيين إماراتيين ومسؤول سابق رفيع في الوكالة الوطنية للاستخبارات والأمن الصومالي بمطعم في العاصمة الكينية نيروبي.
وقال فريق الخبراء في تقريرهم: إن “تقويض الحكومة المركزية كان موضوع الاجتماع، من خلال جمع قادة الولايات الفيدرالية والنواب الفيدراليين وقادة الجيش الصومالي عن طريق الرشوة”.
دعم تفتيت الصومال
تعتبر الإمارات أول دولة في العالم تتعامل مع إقليم “أرض الصومال” باعتباره دولة مستقلة، وهو ما يقدم دعماً صريحاً لتفتيت البلاد، عكس الموقف الرسمي لجامعة الدول العربية الداعم لوحدتها.
ونشرت وسائل الإعلام الإماراتية الرسمية، في سبتمبر 2018، وقائع لقاء نظَّمته قنصلية أبوظبي في “أرض الصومال” بإمارة دبي، حضره وزير التجارة والصناعة والسياحة في حكومة الإقليم محمود حسن سعيد.
ونقلت عمن وصفته بسفير دولة أرض الصومال لدى الإمارات حسن ياسين، قوله: إن “الإمارات كانت الملاذ الآمن لأبناء أرض الصومال، والمنفذ التجاري والاقتصادي الوحيد لهم في المجالات كافة خلال العقود الثلاثة الأخيرة”.
وأشار إلى “افتتاح مكتب التمثيل التجاري الذي يعتبر نواة لتنظيم وتطوير العلاقات التجارية والاستثمارية بين البلدين في إمارة دبي، باعتبارها مركز ثقل تجاري واقتصادي”.
من جهته قال وزير التجارة في إقليم “أرض الصومال”: إن “حجم التجارة المتبادلة بين البلدين ارتفع إلى أكثر من 600 مليون دولار، مقارنة بـ300 مليون دولار عام 2017”.
موقف الإمارات الداعم لتقسيم جمهورية الصومال انعكس بوضوح في موقف إقليم “أرض الصومال”، الذي خالف موقف الحياد الذي اتخذته الحكومة الفيدرالية إزاء الأزمة الخليجية، حيث دعمت حكومة الإقليم علناً حصار دولة قطر، ومنعت الطيران القطري من استخدام أجوائها.
ويعتبر مراقبون أن موقف غينيا الداعم لانفصال إقليم “أرض الصومال” جاء بدفع من أبوظبي، حيث استغلت الأخيرة تغلغلها في القرن الأفريقي لتحريض الدول المجاورة على حكومة الصومال.
وما يدل على ذلك إقدام رئيس غينيا ألفا كوندي، في 29 يونيو الماضي، على تعيين علي الخوري، القيادي السابق في شرطة أبوظبي مستشاراً لحكومته.
وأشاد كوندي، حسب وكالة أنباء الإمارات الرسمية “وام”، بالخوري، كما أشاد بدعم حكومة الإمارات لبلاده، واصفاً العلاقات بين الطرفين بالمتينة، مشيراً إلى التنسيق المتبادل في مواقفهما من ملفات وقضايا دولية.
يشار إلى أن تغلغل الإمارات في دولة غينيا تجاوز حدود العلاقات السياسية، حيث كشفت تقارير صحفية أن أبوظبي استحوذت على مقدرات البلد الاقتصادية، مستغلةً تواطؤ السياسيين معها.
وذكر تقرير نشرته دورية “رسالة القارة” الاستقصائية، في سبتمبر 2018، والمهتمة بنشر الأخبار السياسية والاقتصادية الخاصة في دول أفريقيا، أن “البنك المركزي الغيني الذي يعتمد عليه استقرار البلد المالي والنقدي، على وشك أن ينهار، بعد أن استحوذت أروقة التهريب في دبي على أسرار خزائنه، وأصبحت أمواله وعملاته الصعبة تُتداول بين كبار المهربين في الإمارات”.
وأشار إلى أن “الأموال تُنقل بطرق ملتوية إلى دهاليز التهريب في دبي، التي تعتبر بالنسبة لقراصنة المال جنة ضريبية أفضل لدى المحتالين، من أوروبا وأمريكا الشمالية ذات المخاطر والاحتياطات الكثيرة”.
وأضاف التقرير: إن “الخطير في هذه العمليات هو أن أموال البنك المركزي الغيني تُقترض بطريقة غير شرعية وتعرّض مصالح الشعب والدولة في غينيا للخطر البالغ”، لافتاً إلى أن “الحكومة الغينية تحيط هذه القضية بسرية كبيرة، في حين اتخذت الإجراءات لوقف الاستنزاف ولاسترداد الأموال الموجودة قيد التهريب مع الأرباح المجنيَّة من عمليات التزوير المالي التي نُفذت في السابق”.
(الخليج أون لاين)