لم يكن يعلم المواطن سيف عبدالرقيب انه سيكون يوما ما، ضحية للعصبية والمناطقية العمياء، وانه سيفقد كل ما جناه طيلة عمره الذي تجاوز الخمسين عاما في ليلة وضحاها.
سيف عبدالرقيب هو من أبناء تعز، ويملك “بوفيه” أو “كافتيريا” اذا صح التعبير في احدى مديريات محافظة عدن المحتلة، وله اكثر من 35 عاما وهو يعمل في مدينة عدن، وتزوج فيها وكل أولاده السبعة من مواليد عدن، حتى انشأ مشروعه الخاص، وكانت روحه متعلقة بالمدينة لا يطيق فراقها، فكّون عالمه الخاص ومجتمعه المحيط بيه الذي توافق كثيرا مع سحنته وثقافته وقيمه ومبادئه، فمرتادي بوفية “الوحدة” بحي المعلا هم من شريحة النخبة والوسط الثقافي والمتعلم.
لم يخطر على بال سيف عبدالرقيب أنه سيكون ذات يوما غريبا بين أهله وأصدقائه وزبائنه، ويعامل معاملة الأجنبي بكل وحشية وصلف مناطقي بغيض، ويتم مصادرة ممتلكاته وترحيله وأولاده إلى مدينة تعز.
سيف هو واحد من آلاف المواطنين الذين تم ترحيلهم وأسرهم، خلال اليومين الماضيين، من مدينة عدن المحتلة، إلى مدينة تعز، بحجة انهم من أبناء الشمال، وهي تهمة تعلق بأستارها المجلس الانتقالي الجنوبي التابع للأمارات وقواته ما يسمى بالحزام الأمني، لتكون شماعة وحجة الحجج، ليضربوا بيد قاسية تطال كل أبناء الشمال، بهدف تمرير مشروعه الانفصالي وإعادة البلاد إلى ما قبل 1990م.
ولا تزال أعمال وجرائم التهجير والترحيل مستمرة لكل من ينتمي إلى المحافظات الشمالية، ولم تستثن احد حتى من كان يسكنها قبل 1990م، كما هو حال المواطن سيف عبدالرقيب، والكثير من أبناء تعز، رغم التقارب الايدلوجي والثقافي والاجتماعي والجغرافي ايضا، وامتزاج المجتمع مع بعضه نسباً وصهراً وأرضاً، ولكن كل ذلك لم يكن شفيعا لأبناء تعز لدى قوات ما يسمى بالحزام الأمني، التي صعقت مؤخرا بضربة مؤلمة نفذتها القوة الصاروخية وسلاح الجو المسير مستهدفة معسكر الجلاء أثناء حفل تخرج لدفع جديدة من الحزام الأمني، وقتل خلالها عشرات الجنود والضباط بينهم القيادي منير اليافعي المكنى بــ”أبو اليمامة”، والذي يعد الرجل الأمني الأول للإمارات في عدن.
ما يحدث في عدن المحتلة، وفقا لمراقبين هو تنفيذاً لأجندات إماراتية لتمرير مشروع انفصال اليمن، ويؤكد ذلك تهجير وترحيل كل أبناء تعز من دون استثناءات، في صورة فجة ومؤلمة في ذات الوقت، تكشف عن هيستيريا وجنون لم يشهد لها اليمن مثيل منذ أحداث 13 يناير 1986م.
قليل من أبناء عدن والمحافظات الجنوبية المحتلة يعتليهم اليوم قرن الشيطان، ويجسدون بأفعالهم المناطقية والانفصالية، عشقهم لقوات الاحتلال الإماراتي، قولا وفعلا، حتى في أمنياتهم التي يتمنون حدوثها كأمنيات “أبو اليمامة” الذي تمنى أن يأتي يوما يرى فيه المنهج الدراسي يحمل صفحات تصف فيه الدور العظيم الذي قامت به الإمارات في الجنوب حسب قوله.
صرع “أبو اليمامة” قبل أن تتحقق أمنياته، وهو حال ومصير كل من يؤيد ويبارك ويعين ويساند المحتل، لا مفر من ذلك، وبين كل ذلك يواصل المحتل تنفيذ أجنداته، ويراهن على نجاحه، في تحقيق الانفصال، ولكنه سيفشل كما فشل في مراته السابقة، وستحقق أمنيات اليافعي بالفعل وستضاف الإمارات في المناهج الدراسية ولكن ليس كما أرادها الصريع “أبو اليمامة”، بل كما خطها أبطال الجيش واللجان الشعبية ومعهم الشرفاء من أبناء الوطن شمالا وجنوبا شرقا وغربا، ورسموا معالمها وثوابتها وقيمها وأكدوا من جديد بأن اليمن مقبرة الغزاة.