تقرير: وكالة الصحافة اليمنية//
تشهد تونس منتصف الشهر المقبل تنافساً شديداً بين أبرز المرشحين لمنصب رئاسة الجمهورية، وسط استقطاب ملحوظ في الشارع التونسي بين الإسلاميين والعلمانيين، إضافة إلى الخطاب المعتدل بين الطرفين.
ولعل السباق الرئاسي المبكر، واحدٌ من أبرز الاستحقاقات التي استطاعت الثورة التونسية توفيرها للمرة الثانية منذ انطلاقها عام 2010، ملهمة دول الربيع العربي الأخرى، التي لم تنل حظها من الديمقراطية والاستقرار بعد.
وسيكون الاستحقاق الانتخابي القادم بين عشرات المرشحين الذين قدمت أحزابهم أوراق اعتمادهم رسمياً، أو المستقلين الذين لا أحزاب سياسية تدعمهم، في ظل انتظار الشعب التونسي لمناظرات مباشرة هي الأولى من نوعها في البلاد، تمهد الطريق للفائز إلى قصر قرطاج.
“مورو” فرصة الإسلاميين
وبعد غياب حركة النهضة عن الانتخابات الرئاسية عام 2014، بعدم ترشيحها لأي من أعضائها أو دعم أي من المرشحين حينها، تعود الحركة اليوم بأحد أبرز قياداتها ليمثلها في رئاسيات البلاد، وهو الشيخ عبد الفتاح مورو نائب رئيس الحركة، ورئيس البرلمان التونسي بالإنابة.
ولم تكن خطوة “النهضة” متوقعة، خصوصاً أنّ المرحلة الماضية لم تشهد أي تسريب عن احتمالية ترشح “مورو”، إنما كانت تدور التساؤلات حول زعيم الحركة الشيخ راشد الغنوشي، والذي حسم الأمر قبل وفاة الرئيس قايد السبسي بتأكيد ترشحه للانتخابات التشريعية القادمة.
ولعل قرار ترشح “مورو” أحدث صدمة، وغيّر من حسابات بعض المرشحين لهذا السباق، كما أنّه فتح أبواب الجدل واسعاً في الحياة السياسية اليومية بالبلاد، نظراً لما تمتلكه الحركة من قاعدة شعبية واسعة، والمرة الأولى التي تخوض فيها “النهضة” استحقاق الرئاسة منذ بداية الانتقال الديمقراطي بعد الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
ويعتبر مراقبون أن ترشح “مورو”، المناضل السياسي البالغ من العمر 70 عاماً، والقاضي السابق، ربما يكون فرصة الإسلاميين للوصول إلى السلطة بسبب الخطاب التوافقي الذي يجيده، خصوصاً أنّ “شهر العسل” الذي أوصل “نداء تونس” إلى السلطة ربما انتهى منذ زمن، ولم يبقَ له فرصة إنعاش بعد وفاة زعيمه “السبسي”.
وتأمل النهضة أن يعزز الأداء الجيد لمرشحها في انتخابات الرئاسة، حظوظها في الفوز في الانتخابات البرلمانية التي ستجري في السادس من أكتوبر المقبل.
مجازفة “الشاهد”
ولا يمكن حصر المشهد التونسي بالإسلاميين، رغم أنّ النهضة هي الحزب الأكبر في البلاد انتشاراً وتأثيراً، خصوصاً في المدن والقرى الصغيرة في جنوب البلاد وشمالها، لكن رئيس الحكومة يوسف الشاهد (44 عاماً) له حضور بارز في الساحة السياسية، خصوصاً أنه انطلق من حزب “نداء تونس” واستطاع في مدة وجيزة أن يأخذ حصة البرلمان الكبرى بانشقاقه وتأسيسه لحزب “تحيا تونس” الليبرالي.
وربما كان أكثر المتضررين من ترشح “مورو” هو “الشاهد”؛ بسبب مراهنته على العلاقة مع الغنوشي، وإمكانية دعم النهضة له في استحقاق “قرطاج”.
وذكر تلفزيون الحوار التونسي، في 7 أغسطس الجاري، أن الشاهد “أجرى اتصالات مع عدد من قيادات حركة النهضة في محاولة لإقناع الحركة بدعمه، لكنه فشل في مسعاه”. معتبراً أنّ ترشح مورو جاء من أجل تماسك البيت الداخلي للحركة الإسلامية.
ورجح أنّ عدم ترشح الشاهد للرئاسة كان سيودي بحياته السياسية، وإن كان خوض الانتخابات بقواعد حزبه منفرداً مجازفة كبيرة ومخاطرة.
وحول تراجع شعبيته، انتقد التونسيون الشاهد يوم الثلاثاء (20 أغسطس الجاري)، بعد تعهده بالتخلي عن الجنسية الفرنسية إن حاز منصب الرئيس، معتبرين أن إخفاءه لامتلاكه جنسية أخرى وهو في منصب رئيس الوزراء لا يختلف كثيراً عن وجوده في قصر الرئاسة.
“الزبيدي” خليفة للسبسي
ولم يدع حزب “نداء تونس” الساحة لأصدقاء الأمس في النهضة، فقرر ترشيح وزير الدفاع المستقيل عبد الكريم الزبيدي، البالغ من العمر 69 عاماً، الذي شغل مناصب متعددة في أغلب حكومات العقدين الماضيين.
وقال الحزب، في بيان له في 7 أغسطس الجاري: إن “قرار الترشيح جاء لما يحوزه الزبيدي من خصال الكفاءة والتجربة والنزاهة، والوفاء لنهج الزعيم الراحل الباجي”.
ودعا الحزب إلى “مساندة ترشيح الزبيدي ليكون رئيساً لتونس، ويدعو كافة نوابه وهياكله ومناضليه ومناضلاته، في مختلف المواقع، إلى الانخراط المطلق في مساندة هذا الترشح”.
ورغم أنّ “نداء تونس” حاز الأغلبية في الانتخابات التشريعية والرئاسية عام 2014، فإنّ الخلافات السياسية بين الراحل السبسي ويوسف الشاهد، عصف بأركانه، وقلل من حاضنته الشعبية في الشارع التونسي.
هل ينجح “المرزوقي”؟
ورغم خسارة الرئيس الأسبق لتونس، المنصف المرزوقي، في انتخابات 2014 بمواجهة السبسي، فإنه عاد وقدم أوراق ترشحه رسمياً لانتخابات 2019.
وكان المرزوقي (74 عاماً) أول رئيس لتونس في الفترة الانتقالية التي تلت الثورة، ولكنه لم يفصح عن خوضه الانتخابات الرئاسية إلا يوم ترشحه، حيث قال في تصريح لموقع “الجزيرة نت”، في يونيو الماضي: إن ” الترشح للانتخابات قرار صعب، وأنا شاعر بخطورة الوضع الداخلي والإقليمي، وأشعر بحالة الإحباط العميقة التي يعيشها التونسيون، وأعرف أن قراري سيكون حاسماً في حياتي السياسية، لذلك أعتقد أنه يجب التريث ومراقبة المشهد، وأخذ أكبر عدد ممكن من الآراء”.
وشدد على أنه لا يوجد اتصالات أو أي علاقة بينه وبين حركة النهضة منذ نهاية تجربة الائتلاف الحكومي معها ما بين 2011 و2013.
ويرى مراقبون أنّ تعدد أحزاب المنصف المرزوقي منذ عام 2011 إلى الآن تسببت بتدني شعبيته، مثل حزبه “المؤتمر من أجل الجمهورية” الذي استقال أغلب قيادييه ثم شكلوا حزبين هما “حركة وفاء” و”التيار الديمقراطي”.
وأضافوا أن المرزوقي لجأ بعد خسارته الانتخابات الماضية إلى تغيير اسم حزبه “المؤتمر من أجل الجمهورية” إلى “حراك تونس الإرادة”؛ في محاولة لطمس ملامح هذا الفشل والعودة لاستمالة القواعد لعله ينال أصواتهم في الاستحقاق القادم، وهو ما يعتبر أمراً غير مضمون.
الجبالي مستقل عن “النهضة”
ولعل أكثر الترشيحات إثارة للجدل كان ترشح القيادي السابق في حركة النهضة رئيس الحكومة التونسية الأسبق، حمادي الجبالي، لمنصب الرئاسة، إذ تقدم بأوراق ترشحه مستقلاً بعد حصوله على تزكية 11 نائباً بالبرلمان دون تسميتهم.
ولفت الجبالي (70 عاماً)، في تصريحات إعلامية في 7 أغسطس الجاري، إلى أنه تقدم للانتخابات “بصفة مستقلة عن الأحزاب السياسية، من أجل خدمة البلاد والشعب، وذلك بعد الاستفادة من تجربة الماضي ودروسه”.
وقال الجبالي إنه سيركز في برنامجه الانتخابي على “حفظ الأمن القومي بكل أبعاده، سواء على المستوى الأمني أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الصحي أو الغذائي أو التعليمي”.
ويراهن الجبالي على أصوات شباب النهضة، والتي قد تحمله إلى جولة الانتخابات الثانية، لكن ذلك بات محفوفاً بالصعوبات بعد ترشح “مورو”، كما أنه يعتمد على كونه ابن الواجهة البحرية للبلاد التي تعد المنبت الأساس لكل رؤساء تونس، والمرشح الذي ما زال يعتبر نفسه الممثل الرسمي للإسلاميين في ظل تراخي قيادات النهضة بالتعامل مع العلمانيين في البلاد، وفق مراقبين.
ولا يقتصر التنافس على هؤلاء المرشحين، لكن الآراء تتجه إلى اعتبارهم الأوفر حظاً بسبب وجودهم في السلطة سابقاً أو حالياً، ووجود حاضنة شعبية هي الأكبر لأحزابهم في عموم البلاد.
وفي 14 أغسطس الحالي، أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس قبول أوراق 26 مرشحاً بصفة أولية للانتخابات الرئاسية.
ووفق الهيئة العليا للانتخابات فإن العدد النهائي لطلبات الترشح للانتخابات الرئاسية بلغ إلى غاية غلق باب الترشح 97 شخصاً.
ووفق الأجندة التي أعدتها هيئة الانتخابات فإن الحملة الانتخابية للرئاسيات ستمتد من 2 إلى 13 سبتمبر المقبل، في حين سيكون 14 سبتمبر يوم الصمت الانتخابي.
(الخليج أون لاين)