تقرير: وكالة الصحافة اليمنية//
لا مزيد من أوراق التوت باتت الإمارات تملكه لتغطي سوءتها، هذا ما يمكن أن يوصف به ما يواجهه اقتصاد هذا البلد، الذي تلقَّى منذ سنوات قليلة، ضربات متتالية تسببت في هروب رؤوس الأموال منه، وفق ما يؤكده مختصون.
وقف العمل في بناء “مطار آل مكتوم الدولي” بإمارة دبي، وتجميد تمويله حتى إشعار آخر؛ من جراء تراجع أداء اقتصادها، بحسب ما ذكرته وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية الخميس الفائت؛ آخر الأدلة التي كشفت عن التدهور الاقتصادي الذي تعانيه الإمارات.
مؤسسة مطارات دبي عللت وقف العمل في المطار؛ بـ”تراجع الخطة الرئيسة طويلة المدى لمشروع المطار”، موضحةً في الوقت نفسه أن “الجدول الزمني الدقيق وتفاصيل الخطوات التالية لم يتم الانتهاء منها حتى الآن”.
وأضافت: إنها “تستهدف ضمان تحقيق الاستفادة الكاملة من التقنيات الجديدة، والتجاوب مع اتجاهات وتفضيلات العملاء، وتحقيق أقصى استفادة من الاستثمارات”.
وتم تأجيل الموعد الذي كان محدداً لافتتاح المرحلة الأولى من المطار، والتي تصل تكلفتها إلى 36 مليار دولار، 5 سنوات، إلى 2030.
وكان المشروع يعمل على توفير مطار محوري عملاق لشركة الطيران الإماراتية “طيران الإمارات”، من أجل المحافظة على مكانتها كأكبر شركة طيران بالنسبة للمسافات الطويلة في العالم، ولكن يبدو أن الأمر تعثر.
ومشروع المطار الجديد عبارة عن مدينة متكاملة للطيران، وكان من المقرر أن يكون أكبر مطار في العالم بطاقة استيعابية تبلغ 250 مليون راكب سنوياً.
خسائر “طيران الاتحاد”
مطلع 2018، أعلنت شركة “طيران الاتحاد” الإماراتية بيع 5 طائرات شحن من أسطولها، البالغ عشر طائرات.
جاءت هذه الخطوة في ظل خسائر الشركة -التي تتخذ من أبوظبي مقراً لها- حيث بلغت تلك الخسائر 1.52 مليار دولار خلال 2017، في حين كانت قد تكبَّدت خسائر بقيمة 1.87 مليار دولار في العام السابق عليه أيضاً.
ونقلت وكالة “رويترز” عن مصادر، قولها إن “طيران الاتحاد” الإماراتية أوقفت تشغيل خمس طائرات شحن “إيرباص”، وتعرض على طياريها إجازات غير مدفوعة الأجر.
وتراجع الشركة المملوكة للدولة أعمالها منذ عام 2016، بعدما لم يحقق لها إنفاقُ مليارات الدولارات على شراء حصص في شركات طيران أخرى عوائد كبيرة، وأسهم ذلك في تسجيل عديد من الخسائر.
وأبلغت الشركة رسمياً، في نهاية يونيو 2018، طياريها أنهم يستطيعون الانضمام إلى منافستها “طيران الإمارات” مؤقتاً مدة عامين، وذلك في رسالة إلكترونية داخلية؛ حيث تكبَّدت الشركة خسائر ضخمة، اضطرتها إلى تسريح كبار المسؤولين التنفيذيين.
في هذا السياق نقل موقع “ميدل إيست آي” البريطاني عن مسؤول تنفيذي بالشركة -رفض ذكر اسمه- قوله إن “طيران الاتحاد” شهدت 3 دورات من فقدان الوظائف؛ حيث غادر أكثر من 4 آلاف موظف في عام ونصف العام، في حين يتعرض مزيد من الوظائف بالشركة للتهديد.
ثمن التحولات الاقتصادية
ودفع المواطن الإماراتي ورجال الأعمال والمقيمون والشركات العاملة ثمن التحولات الاقتصادية وخطط البحث عن موارد جديدة بعيدة عن النفط، وفرْض مزيد من الضرائب، منها “القيمة المضافة”، على السلع والخدمات التي أصبحت مصدر إزعاج وتهديد لحياة السكان هناك.
وأقرت الإمارات، مطلع أكتوبر 2017، تطبيق أول ضريبة في تاريخها على سلع انتقائية توصف بأنها ضارة بالصحة، مثل التبغ ومشتقاته؛ ومشروبات الطاقة والغازية؛ والشركات.
وفُرضت الضريبة بواقع 5% على جميع السلع والخدمات في البلاد، ومن ضمنها خدمات القطاع المالي والمصرفي وقطاع التأمين، باستثناء التعليم والصحة، من يناير 2018؛ في خطة لجني من 10 إلى 12 مليار درهم (2.7 و3.2 مليارات دولار) عائدات.
وتشير تقارير صحفية واقتصادية إلى خروج أكثر من 180 شركة متوسطة وصغيرة من السوق الإماراتية منذ بداية عام 2017، بسبب التبعات والخسائر المتوقعة بعد فرض ضريبة القيمة المضافة في الدولة بداية عام 2018.
وأكد وكيل وزارة المالية الإماراتية، يونس حاجي الخوري، أن الشركات الكبيرة لن تتأثر بعد فرض الضريبة، لكن “التأثير المباشر سيكون على الشركات الصغيرة والمتوسطة؛ إذ إنها تحتاج تطوير نظمها المحاسبية والتقنية وفق متطلبات القانون الجديد”، نافياً استثناء أي قطاع منها، حسبما ذكرت صحيفة “الإمارات اليوم” (12 ديسمبر 2017).
هروب رؤوس الأموال
في تقرير مطول لها نُشر في يناير الماضي، قالت صحيفة “الإندبندنت” البريطانية: إن التقلبات السياسية التي تعيشها الإمارات “أثرت بشكل مباشر في الاستثمار بهذه الدولة، وهو ما أسهم في عزوف أصحاب رؤوس الأموال عن العمل بها، والبحث عن ملاذ آمن”.
وأضافت الصحيفة البريطانية، أن الغضب العالمي المتصاعد بسبب اعتقال الإمارات عدداً من الأجانب، أغلق الطريق أمام الطموح الاقتصادي اللامع لهذا البلد الخليجي، وتسبب في عزوف الشركات العالمية ورجال الأعمال عن الذهاب إليه.
وبحسب ما أوردته الصحيفة، يقول الخبراء في اقتصاد الخليج إن رواتب الموظفين تنخفض، وأسعار العقارات صارت تتهاوى، وأرباح الشركات ومتاجر التجزئة انحدرت، وأعداد السائحين أصبحت ضئيلةً أو أسوأ من هذا.
وقال مستشار سابق في الإمارات: “الناس يغادرون! أصبح العيش هنا مُكلِّفاً للغاية بالنسبة للعائلات”.
في الوقت ذاته، ارتفع الدَّين الحكومي الإماراتي من 15% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 20%، بحسب الصحيفة البريطانية.
وقال مُحلِّل اقتصادي: “ترتفع الضرائب وضريبة القيمة المضافة. يتساءل الناس: لِمَ لم تَعُد معدلات الضرائب جيدة مثلما اعتدنا أن تكون؟”.
وتلفت الصحيفة النظر إلى أن ما زاد من تفاقم المشكلات أن الأثرياء بدؤوا نقل أصولهم إلى الخارج.
من جانبٍ آخر تشير “الإندبندنت” إلى أن بعض المشكلات تتجاوز قدرة دول الخليج على حلها؛ إذ انخفضت أسعار النفط؛ وهو ما أضر بالدعامة الرئيسة لاقتصاد شبه الجزيرة العربية. وأدت القيود الأمريكية المفروضة على إيران إلى تعقيد النشاط التجاري الذي كان مزدهراً في السابق، بين الإمارات وإيران.
علاقة حصار قطر بتراجع الاقتصاد
وقال أكسل دلمان، المُحلِّل المُتخصِّص في تقدير المخاطر المالية بشمالي أفريقيا والشرق الأوسط، للصحيفة: “لا تمثل بيئة الاستثمارات غير النفطية الضعيفة حالياً تغييراً جذرياً عما كانت عليه في الماضي، بل يتعلق الأمر أكثر بالفشل في تحقيق التوقُّعات المرتفعة للغاية بتحقيق مكاسب سريعة جداً”.
في حين قال كريستيان ألريتشين، الخبير في اقتصاد الخليج لدى جامعة رايس في تكساس، والزميل الباحث بمعهد تشاتام هاوس: “خلال الشهور الـ18 الماضية تقريباً، شاهدتُ سمعة الخليج باعتباره منطقةً آمنة، وهي تتحطَّم. كان يُنظر إلى منطقة الخليج، وقتاً طويلاً، على أنها ملاذٌ آمن لممارسة النشاط الاقتصادي. لكن ذلك تعرَّض لضربة”، بحسب الصحيفة البريطانية.
وتواصل الصحيفة: “تسبَّب تعامُل السعودية مع قضية مقتل خاشقجي، وقرار السعودية والإمارات فرض حصار على قطر (يونيو 2017) في هز الثقة بالمنطقة”.
وبحسب الصحيفة البريطانية، تسببت حادثة اختطاف، واحتجاز، وتقطيع أوصال خاشقجي، بالإضافة إلى احتجاز الباحث البريطاني ماثيو هيدجز في الإمارات على خلفية اتهامات بالتجسس مثيرة للشك، ونوبة الغضب السعودية بسبب تغريدة كندا بشأن ملف حقوق الإنسان بالمملكة، في إزعاج المستثمرين العالميين.
ومثَّلت هذه الحوادث تحولاً في سياسات السعودية والإمارات، شريكتها الصغيرة، وهو ما أفزع رجال الأعمال، تقول الصحيفة البريطانية.
وبينت أن هذه المشكلات، ومن ضمنها تغيُّر طريقة التعامل مع الأجانب في المنطقة وسط حملات الدعاية القوية بالإعلام الذي تدعمه الدولة، تسببت في تثبيط رغبة المهنيين العالميين الموهوبين في القدوم إلى الخليج، بعد أن كانوا يتدفَّقون إليه بحثاً عن الفرص.
وواصلت الصحيفة: “أدرك مستشارٌ رفيع المستوى في الصناعات الدفاعية الإماراتية مؤخراً، أن نصيحته بالتركيز على تدريب طواقم العمل وبناء أنظمة للمحاسبة بدلاً من شراء المعدات العسكرية باهظة الثمن لم تكن تلقى أيَّ اهتمام من النظام، بل كانت تُثير الشك بشأن دوافعه”.
وقال هذا المستشار للصحيفة، بشرط عدم الكشف عن هويته: “هم يريدون أشخاصاً مطيعين لهم. لا يريدون أيَّ تحدٍّ لسلطتهم. إذا كنت تتبنى موقفاً محايداً، أو وجهة نظر معتدلة، أو رأياً معارضاً؛ فستتحرك العناصر الأكثر ولاءً للنظام ضدك”.
واستطردت مبينة أن هذا المستشار “قال في حوارٍ عبر الهاتف من الولايات المتحدة، إنه انضم إلى الآخرين، وغادر الخليج في نهاية المطاف، بعد أن استقال من وظيفته، لأنه لم يتمكَّن من أداء وظيفته”.
الصحيفة أشارت في تقريرها إلى أن “مئات من المغتربين -خاصةً هؤلاء القادمين من جنوبي آسيا ويعيشون في الإمارات- عادوا إلى بلادهم مرةً أخرى خلال العام الماضي (2018)؛ نتيجة لانخفاض الرواتب”.
وقال المستشار: “لاحظ المغتربون أن الرواتب تنخفض، والوظائف لم تعد آمنة، ولا توجد استثمارات للحفاظ على نشاط الشركات. لا يوجد سوى قليل من الأموال الجديدة المتدفِّقة. هم يطلقون تصريحاتٍ كثيرة عن الاستثمار ولا يتحقَّق أيٌّ منها”، بحسب الصحيفة البريطانية.
حركة عمل وهمي!
ما علِمه “الخليج أونلاين” من خلال مستثمرين غادروا الإمارات مؤخراً، أن حركة البناء والإنشاءات التي تشاهَد في هذا البلد وهمية ولا وجود لها.
وأكدوا أن الجهات الحكومية المسؤولة عن الاستثمار تطالب الشركات التي توقفت عن إكمال مشاريعها الإنشائية بإظهار حركة عمل مستمرة، وإن كانت شكلية؛ لكيلا يلفت توقُّف عمل هذه الشركات الانتباه.
وأوضحوا أن من بين هذه الطرق أن تضاء مواقع العمل ليلاً، ويتم تحريك الرافعات العملاقة بين حين وآخر وهي مضاءة؛ وهو ما يُظهر للآخرين أن هناك حركة عمل مستمرة تلفت الانتباه من بعيد.
وشددوا على أن مشاهدة أي حركة عمل ليلاً في مشاريع جديدة داخل أبوظبي أو دبي، إنما هي مجرد خدعة ولا وجود لأي عمل حقيقي، موضحين أن الإمارات تحاول من خلال هذه الحركة المحافَظة على سمعتها بأنها ما زالت بلداً جاذباً لشركات الاستثمار.
(الخليج أون لاين)