خاص// وكالة الصحافة اليمنية//
شعر أنه وحيد في غير مدينته، مسقط رأسه .. ظن أنه وحده في عاصمة اليمن صنعاء .. وتساءل: من سيشاركه فرحه ويصنع بهجة زفافه، فجاءه الجواب: لست وحدك .. كل اليمن أهلك .. وكلنا اخوتك يا محمد.
حدث هذا مع الشاب محمد أمين الأغبري، القادم من مدينة تعز، إلى العاصمة صنعاء. حين حان آوان زفافه، تعذرت عليه العودة إلى مسقط رأسه للاحتفال بزفافه بين أقاربه واصدقائه، لكن هذا لم يكن فقط ما غصه.
شعر “محمد” بالحسرة، وراوده القلق من أن يكون عرسه بلا مظاهر بهجة، يضفيها في العادة الأهل والأقارب والأصحاب، فوجد على موقع “فيس بوك” صفحة مجموعة حديثة النشأة تعنى بمساعدة المقبلين على الزواج.
دخل صفحة القروب التي تحمل اسم “أيحين عرسك؟!” ووجدها تقدم الاستشارات بشأن توفير مستلزمات حفلات الزفاف وتحضيراتها. لكنه لم يكن بحاجة ذلك، وخالف مضمونها، فنشر فيها منشورا أشعلها بتعليقات التفاعل.
عبر “محمد” عن ما يشعر به، وما كان يأمله في حفل زفافه، بهجة الجمع وفرحة الأهل. قال: “أنا عرسي نهاية الشهر بتاريخ 31/8، المكان قاعة النوران. وما عندي حد يزف معي في صنعاء لأننا من تعز وأهلي هنا قليل”.
وجه دعوة عامة، لمشاركته فرحه وحضور زفافه لتكتمل بهجته بجمع المهنئين والمباركين كما هي عادة حفلات الزفاف بعموم اليمن، قائلا: “بتيجي تزف معي وتبيض وجهي أمام أهل العروسة أن معي ناس وعزوة في صنعاء”.
توقع “محمد” أن تحد الظروف الاقتصادية والمعيشية لعامة اليمنيين جراء الحرب المتواصلة نطاق تلبية دعوته، فعرض تموين ربع دبة (5 لترات) بنزين لسيارة من يحضر، ظنا أن من سيلبي دعوته سيكونون دون العشرين فردا.
كان يمكن أن يكون المنشور عابرا، وأن يمر عليه الناشطون في موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” مرورا عابرا، لو أن كاتبه لم يكن يمنيا، ولا يقيم في اليمن. لكن ذلك ليس واردا في اليمن عموما، وعاصمة اليمنيين صنعاء.
منشور الدعوة، سبق موعد حفل الزفاف بعشرين يوما فقط، ووجد تفاعلا واسعا من أعضاء المجموعة ومرتادي موقع “فيس بوك”، فجاءت التعليقات في مجملها متجاوزة اللهجات ومتوجة بالعبارة اليمنية نفسها: “أبشر بعزك”.
يوم أمس السبت، وجد “محمد” نفسه حريوا (حريا بالعناية) وقاعة زفافه قبلة ومحجة للشباب المقيمين في العاصمة صنعاء، من كل مدينة ومحافظة. يتقاطرون فرادى وزرافات، ولا تتسعهم الصالة، وشوارع الحي الذي تقع فيه.
أكثر من 2000 شاب و250 سيارة شاركت بحماسة جامحة، ومودة خالصة، وفرحة صادقة، في زفاف “محمد” إلى عروسه في شوارع العاصمة، ليستحق أكبر موكب زفاف تشهده العاصمة صنعاء، ومن دون أن يمونها بالبنزين.
لم تقتصر تلبية الدعوة على شباب صنعاء وحدهم، ولا على المقيمين فيها من مختلف محافظات اليمن، بل امتدت إلى شباب جاؤوا من محافظات صنعاء وعمران وحجة وذمار، قاطعين مئات الكيلو مترات، غير آبهين باستهلاك البنزين.
لحظة فارقة، وسعادة غامرة، عاشها واترع بها محمد” كما عبر عن ذلك في تسجيل مصور، بدا فيه منتشيا للمشهد الأخوي الحميم، وممتنا لمبادرة الملبين دعوته، ومودتهم الخالصة المعبرة عن الروح اليمنية الأصيلة بأجلى صورها.
قال “محمد” في تسجيل الفيديو، وهو يهم في صعود السيارة المجهزة بزينة الزفاف والزغاريد تصدح في الأجواء، كما هي الآلعاب النارية تضيء السماء: “الله يبارك فيكم، مشكورين ما قصرتم”. مؤكدا: “ما فيش غريب في صنعاء”.
وجدت المبادرة اصداء إيجابية واسعة في وسائط ووسائل التواصل الاجتماعي، وعبر الآلاف من النشطاء، ذكورا وإناثا، عن سعادتهم لما شاهدوه وافتخارهم به. مؤكدين أن ما حدث ليس غريبا أو استثنائيا “لأنها هذه هي اليمن”.
وعبر كثيرون عن امانيهم بأن يتحد السياسيون كما هم الشباب وعامة الشعب، في حين اعتبر أخرون هذا المشهد شاهدا على “فشل امراء الحرب وتحالفها وإعلامه في تمزيق نسيج المجتمع اليمني الواحد”، آملين “قرب عرس اليمن الحر المستقل”.
قلة قليلة، هم من يروجون لخطاب التمييز العنصري المناطقي والمذهبي والطائفي، وحدهم من ساءهم الامر، وعمدوا للتشكيك فيه بين من يزعم أنه “ليس في اليمن”، ومن يزعم أنه “تمثيلي”، ومن يعزو التفاعل إلى “ربع دبة بترول”!.
بدت مثل هذا التعليقات قليلة، وتجسد شذوذا عن القاعدة العامة للمجتمع اليمني، التي بادرت ولبت دعوة حضور حفل الزفاف، وباركت مبادرة من حضر، وتمنت لو أنها حضرت، رغم كل الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة.
يبقى الثابت، أن اليمنيين أهل نخوة ومروءة وشهامة، واشقاء متأخون ومتحابون، لا يعترفون بنعرات المناطقية والمذهبية والطائفية، التي راهن عليها تحالف الحرب وإعلامه وجيشه الالكتروني طوال خمس سنوات من الحرب المتواصلة.
لمشاهدة موكب الزفاف وتعليق العريس:
https://youtube.com/watch?v=4LrTtJjidag
https://youtube.com/watch?v=JZlUfGSzbKk