تقرير: وكالة الصحافة اليمنية //
بعد صمت استمر أشهراً حرصاً منها على تماسك العلاقات الفلسطينية-العربية وعدم شرخها، رغم الاعتداءات الممنهجة والمتصاعدة ضد عناصرها ومؤيديها، قررت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” أخيراً أن تكشف المستور وتفضح التحرك السعودي الخفي ضدها.
أولى خطوات “حماس” لكشف تفاصيل ما كانت تُخفيه من توتر للعلاقات مع السعودية جاء خلال بيان صحفي أصدرته، الاثنين (9 سبتمبر)، تحدثت فيه لأول مرة عن اعتقال جهاز “مباحث أمن الدولة” السعودي لأحد قادتها ونجله منذ شهور، ضمن حملة اعتقالات طالت العديد من أبناء الجالية الفلسطينية في المملكة.
بيان “حماس”، الذي كان مفاجئاً في توقيته رغم دبلوماسية انتقاء كلماته، سطر عناوين عريضة لمرحلة علنية متوترة في علاقات الرياض مع الحركة الفلسطينية، والتي شهدت تصاعداً غير مسبوق منذ اليوم الأول من إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في مايو 2017، حركة “حماس” بأنها “إرهابية”، الأمر الذي فتح باب التساؤل حول أسباب هذه الهجمة السعودية ضد الحركة، ولمصلحة من تنفذ؟
وقالت “حماس” في بيانها إن سلطات الرياض اعتقلت، في أبريل الماضي، أحد قيادييها ومسؤول إدارة العلاقة مع المملكة، محمد الخضري، رغم تقدمه في السن (81 عاماً)، كما اعتقلت نجله الأكبر هاني، موضحةً أن الحركة لم تكشف عن الأمر لإفساح المجال للاتصالات الدبلوماسية، ومساعي الوسطاء، “لكنها لم تسفر عن أي نتائج حتى الآن”.
لماذا “حماس”؟
تفاصيل الملاحقة السعودية لأنصار وقادة “حماس” داخل المملكة لم تتوقف عند الخضري ونجله، حيث كشف الوزير الفلسطيني السابق والقيادي في حركة “حماس”، وصفي قبها، لأول مرة في تصريحات حصرية لـ”الخليج أونلاين”، عن عدد العناصر الذين ينتمون لحركة “حماس” وتعتقلهم السلطات السعودية منذ أشهر ولا يزال مصيرهم مجهولاً.
وقال قبها: إن “السلطات السعودية تعتقل منذ أكثر من 6 أشهر 56 عنصراً من أبناء حماس كانوا مقيمين داخل المملكة، وحتى هذه اللحظة فشلت كل الاتصالات والوساطات في تجاوز هذا الملف والإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين”.
وأوضح القيادي في حركة “حماس” أن العلاقات السعودية مع حركته بدأت تأخذ منحنيات توتر غير مسبوقة، منذ عامين تقريباً، وشهدت خلال تلك الفترات العديد من الملاحقات والاعتقالات، وتضييق الخناق على عناصر الحركة الموجودين داخل المملكة.
وأضاف: “كانت الحملة ضد عناصر الحركة فقط خلال الفترة الماضية، لكنها سرعان ما تطورت الآن لتشمل حتى مؤيدي الحركة بشكل خاص، وداعمي المقاومة الفلسطينية بشكل عام، وهذا تطور لافت وخطير قد يؤسس لمرحلة متوترة ومتصاعدة”.
وذكر قبها أن إصدار “حماس” لبيانها الأول من نوعه حول المعتقلين في السعودية “جاء بعد تمادي السلطات في الرياض بحملات الملاحقة والاعتقال لعناصر الحركة ومؤيديها، ورفضها الإفراج عنهم رغم الوساطات الدبلوماسية التي تدخلت بهذا الملف”، موضحاً أن الحركة صبرت وتحملت كثيراً، وبهذا البيان تنتصر لقادتها.
وحول أسباب الهجمة السعودية على عناصر “حماس”، والتي اشتدت عقب إعلان ترامب بأنها “إرهابية”، أكد القيادي في الحركة لـ”الخليج أونلاين” أن السبب المباشر والرئيسي يعود للضغط الأمريكي على السعودية لمحاربة الحركة وتضييق الخناق على عناصرها ومؤيديها داخل المملكة.
وتابع حديثه: “هناك أنظمة عربية تسعى للرضا الأمريكي والتقرب من إسرائيل وفتح العلاقات معها، ورأت في محاربة حماس والمقاومة الفلسطينية الوسيلة الأنسب لهذا التقرب والرضا، وهذا كله يعد خدمة مجانية للمحتل”.
وبسؤال “الخليج أونلاين” عما إن كانت تلك الخطوات ستُجبر “حماس” على مغادرة المملكة، رفض قبها الإجابة، لكنه أكد أن حركته لن تصمت، وستواصل التحركات عبر القنوات الدبلوماسية “فكفكة الملف والإفراج عن كل المعتقلين في السجون السعودية”.
تصريحات قبها وبيان “حماس” الأخير حول ما تتعرض له الجالية الفلسطينية في المملكة أكد تقريراً نشره “الخليج أونلاين” (17 أبريل 2019)، حول تعرُّض الجالية الفلسطينية وتحديداً في الرياض ومكة لكثير من المضايقات والتهديد والترحيل، وتجميد الحسابات البنكية، والرقابة على الحوالات المالية، في حين لا تزال حملة الاعتقالات مستمرة، وهناك العشرات منهم لا يزال مصيرهم مجهولاً.
قوائم إرهاب سعودية
ومنذ عامين، وتحديداً بعد وصف ترامب “حماس” من داخل السعودية بأنها “إرهابية”، بدأت الأخيرة عبر مسؤوليها ومحلليها وإعلامييها وناشطيها بالهجوم على الحركة والمقاومة في غزة، في حين بدأت سلطاتها الأمنية بالتحرك على الأرض بفرض أكبر حصار على الجالية الفلسطينية في المملكة، وخاصة أنصار الحركة.
ونشرت صحيفة “مكة” السعودية، 10 مايو الماضي، مقالاً أدرجت فيه العديد من قيادات “حماس” على قائمة الإرهاب، لكن الصحيفة اضطرت لحذفه من موقعها ومن حسابها على “تويتر” بعد موجة الغضب العارمة التي أثارها.
وحسب المقال المحذوف فإن هناك 40 شخصية على علاقة بالإخوان المسلمين دعموا الإرهاب، ومن بينهم مؤسس حركة “حماس”، الشيخ أحمد ياسين، والقيادي بالحركة عبد العزيز الرنتيسي، ومؤسس حركة الإخوان الشيخ حسن البنا، والشيخان يوسف القرضاوي وسيد قطب.
رحيل الجالية الفلسطينية
الخبير في شؤون الحركات الإسلامية والمحلل السياسي، مصطفى الصواف، فنّد الهجمة السعودية التي وصفها بـ”الشرسة” على حركة “حماس” داخل المملكة وخارجها، مؤكداً أن ذلك يتماشى مع المخطط الأمريكي والإسرائيلي الذي يستهدف الحركة.
وفي تصريحات خاصة لـ”الخليج أونلاين” أوضح الصواف أن “حماس” استنفدت كل إجراءاتها الدبلوماسية مع السلطات السعودية من أجل إعادة البوصلة لوضعها الطبيعي، لكن يبدو أن الرياض قد اتخذت القرار بمحاربة الحركة وداعمي المقاومة في قطاع غزة.
وأضاف: “حالة توتر العلاقات بين السعودية وحماس ظهرت منذ شهور طويلة، ولكن اشتدت حلقته الفترة الأخيرة على خلفية الحملة ضد الحركة وأنصارها داخل المملكة وخارجها، وحاولت حماس إخفاءها لكنها لم تصبر على نظام سعودي يتعاون مع إسرائيل في محاربتها”.
وذكر الخبير في شؤون الحركات الإسلامية أن السعودية تتعاون مع “إسرائيل” والإدارة الأمريكية المتفقين على محاربة “حماس”، مؤكداً أن الهدف من الحملة ضد أبناء الجالية الفلسطينية في المملكة “ليس الأمن بقدر ما هو تجفيف منابع دعم المقاومة، وقطع الطرق على حماس لتتمدد في العلاقات الخارجية”.
وتوقع أن تستمر حالة التوتر وتصاعد الهجمة السعودية ضد أبناء الجالية الفلسطينية، لافتاً إلى أن الفلسطينيين بدؤوا بالرحيل عن أراضي المملكة التي لم تعد آمنة، وباتت كل الخطوات التي يتعرضون لها تتشابه مع مخططات الاحتلال في الحصار وتشديد الخناق عليهم ومحاربة مقاومتهم.
يشار إلى أن الفلسطينيين المقيمين داخل أراضي السعودية يتعرضون منذ مدة لحملات اعتقال وتهديد وملاحقة هي الأكبر والأخطر التي تنفذها قوات الأمن السعودية بصورة سرية، ودون أي تدخلات أو تحركات تذكر من قبل السفارة الفلسطينية في الرياض.
ووثق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، مطلع الشهر الحالي، احتجاز السلطات السعودية 60 فلسطينياً، بينهم حجاج وطلبة ومقيمون وأكاديميون ورجال أعمال، مطالباً في الوقت ذاته بالكشف الفوري عنهم، وإطلاق سراحهم على ما لم يوجَّه اتهام لهم بارتكاب مخالفة فيه.
(الخليج أون لاين)