لعنة الطائرات المسيرة

تحقيق خاص / حلمي الكمالي / وكالة الصحافة اليمنية //

 

 

 

” العالم لا يؤمن سوى بالقوة ” بدأ من هذه الفرضية المشهورة التي يبدو أنها في طريقها لتكون حقيقة كاملة؛ يمكن أن نتطرق للتطور اللافت في المشهد اليمني، فعقب توسع نطاق الردع للطائرات المسيرة اليمنية في العمق السعودي تسارعت الأحداث العسكرية والسياسية على الساحة اليمنية بشكل كبير خصوصا في الأسابيع القليلة الماضية إنطلاقا من قيام  الفصائل التابعة للتحالف في المحافظات الجنوبية المحتلة بأكل بعضها البعض كالقوراض ونفي شرعيتها المزعومة منها مرورا بإعلان واشنطن خوضها مفاوضات مباشرة مع ” أنصار الله ” للمرة الأولى منذ بداية حرب دول التحالف على اليمن، وصولا إلى حدوث تغيرات طارئة على مسرح الدبلوماسية اليمنية في المحافل الدولية.

هذه التطورات أثارت موجة تساؤلات كثيرة في الشارع المحلي والإقليمي حول ما إذا كانت الضربات اليمنية قد وضعت شرخا عميقا في جسد دول التحالف، لتفرض صنعاء نفسها اللاعب الأول في صلب التاريخ والجغرافيا، في حين يؤكد مراقبون أن المؤامرة الكونية القذرة التي كتبت نهاية مآساوية لأكثر من خمسين الف يمني شهيد وجريح يبدو أنها ستكتب غدا نهايتها المخزية.

لمعرفة مدى دقة هذه التوقعات تأخذ “وكالة الصحافة اليمنية” قرائها في جولة سريعة لسرد تفاصيل أهم الوقائع والأحداث التي تزامنت مع مرحلة التصعيد هذه مع باحثين ومحللين سياسيين وعسكريين.

فوق الركام

فوق هذا الركام الذي خلفته المهزلة الأممية على كاهل اليمنيين للعام الخامس على التوالي يظهر الشعب اليمني كموجة إعصار غاضبة توجتها ضربات طيرانه المسير الأخيرة في عمق العدو السعودي لتشل حركة دول وأنظمة كبتت أنفاس اليمنيين عقود طويلة، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.

يقول المحلل السياسي عبدالرحمن سلطان أن عملية التاسع من رمضان التي استهدفت مواقع النفط لشركة أرامكو شرق الرياض شكلت نقطة البداية لبوصلة النصر اليماني التي غيرت موازيين المعركة رأسا على عقب حيث أن واشنطن من حينها بدأت بالبحث عن حلول سريعة غير عسكرية لردع النسر اليماني.

ويضيف سلطان أن خبراء الحرب في البيت الأبيض يدركون جيدا أنه لا يمكن وقف هجمات الطائرات المسيرة اليمنية خصوصا وأن هذه الهجمات عرت التقانة الدفاعية والعسكرية الأمريكية ويأتي عجز الأخيرة من هذه النقطة.

خبراء عسكريون : الأنفاس الأمريكية لم تعد قادرة على مواجهة المزيد من الضربات الجوية اليمنية

بغض النظر عن هذا الطرح إلا أنه قد يكون منطقيا إذا ما طرحناه أمام بعض الوقائع فعقب
عملية التاسع من رمضان أكدت صحف أمريكية أن واشنطن أقدمت على إرسال منظومة ثاد الدفاعية للرياض كخيار أخير لردع التقدم العسكري اليمني لكنها فشلت في تعطيل الهجمات اليمنية، وجاء الرد اليمني سريعا.

بحسب حديث الخبير العسكري أبو أحمد الهمداني فإن الضربة الصاروخية التي أعلنتها صنعاء عن استهداف هدف حيوي في الدمام الشهر الماضي بعد عبور الصاروخ أكثر من 1300 كم فوق فخر الدفاعات الأمريكية كانت رسالة واضحه نسفت آمال الأمريكيين وعززت لجوء الأخيرة إلى فتح أطر جديدة لوقف هذه الهجمات.

 

 

المحلل السياسي أحمد الشرعبي : الدعوة الأمريكية لإجراء مفاوضات مباشرة مع ” أنصار الله ” أسقطت حجة التحالف 

استنادا إلى هذا الرأي يبدو أن الدعوة التي أعلنتها واشنطن بإجراء مفاوضات سرية مع الحوثيين نهاية الشهر الماضي والتصريحات التي أعلنها نائب وزير الخارجية الأميركي الأسبوع الماضي بأن بلاده تجري مفاوضات مباشرة مع ” أنصار الله ” مع العلم أن الدعوة استثنت الأطراف التابعة للتحالف بما فيها ما يسمى “الشرعية”؛ تعكس العديد من التطورات بحسب محلليين سياسيين.

حيث يؤكد المحلل السياسي أحمد الشرعبي أن أهم هذه التطورات التي عكستها الدعوة والتصريح الأمريكي هو سقوط حجة التحالف أمام المجتمع الدولي بإستعادة ” الشرعية ” والتي كان من المفترض أن تقوم واشنطن بدعوتها لطاولة المفاوضات التي تجمع ” الحوثيين ” فقط، مما يعني أن “الشرعية” لم تعد في حسابات واشنطن وهنا يمكن التأكيد أن حجة التحالف السعودي الأمريكي في اليمن سقطت من الأجندات الغربية بالفعل وهذا تطور استثنائي يفضي بشكل عكسي إعتراف واشنطن بأن بندقية ” أنصار الله ” ممثل وحيد عن اليمنيين.

 

عجز عن إدارة الهزائم

علاوة على ذلك تأتي هذه الحقيقة في وقت تطفو فيه الصراعات البينية بين وكلاء قوى العدوان في المحافظات الجنوبية المحتلة بشكل هستيري في الفترة الأخيرة.
وهذا تطور آخر يثير حفيظة كثيرون ليتسألوا: ألم يكن من الأحرى لأمريكا أن تفتح مفاوضات عاجلة بين أطرافها المتناحرة جنوبي اليمن؟!.

المحلل السياسي عبدالرحمن سلطان : واشنطن عاجزة عن إدارة الإرتدادات العكسية لفشل مشاريعها في اليمن

يقول المحلل السياسي عبدالرحمن سلطان أن هذه المفارقة تعطي إعتراف أمريكي غير مباشر بعجزها عن إدارة الإرتدادات العكسية لفشل وكلائها بتحقيق مشاريعها العملاقة في اليمن ويشير سلطان إلى أن الصراع القائم بين فصائل العدوان في المحافظات الجنوبية كان بمعية البيت الأبيض الذي ترك فرصة أخيرة لأدواته لتثبت قدرتها على تمزيق الجنوب اليمني إلى دويلات وفصائل صغيره لكنها فشلت أيضا في تحقيق ذلك حتى الآن، ما جعل إدارة البيت الأبيض تتجه نحو فتح محادثات مباشرة مع الحوثيين كخيار أخير لململة العجز الأمريكي وتحقيق ما إن كان بوسعها توفير مكان آمن لمصالحها في ظل توسع شبح البندقية اليمنية التي تتهدد مصالحها في المنطقة.

فشل مشاريع الهيمنة

قد يبدو ما سبق منطقيا، ففي السنوات الأولى من العدوان كانت نتائج فشل مشاريع الهيمنة أمام المشاريع الوطنية الصلبة ترتد على ملعب العدوان وأدواته الداخلية لكن الأمر أصبح مختلف تماما اليوم بعد تطور قدرات الردع، فالهزيمة أصبحت ترتد مباشرة على الملعب الإقليمي والدولي للمصالح الأمريكية وهذا هو أحد أهم الأسباب التي يمكن أنها دفعت واشنطن لإجراء محادثات مباشرة مع الحوثيين على الرغم من أن هذه الخطوة ثمنها باهظا.

 

أدراج الرياح

استمرارا لنهج الإعترافات الأمريكية السابقة يؤكد مراقبون آخرون إن هذه المفاوضات تعتبر إعتراف أمريكي آخر بأنها شريك أساس في التحالف السعودي مايعني أيضا أنها متورطة بجرائم حرب في اليمن ، وهذا قد يعرضها للمسألة الدولية من قوى تنتظر مقايضتها على ملفات عديدة في الضفة الأخرى كروسيا والصين وبالفعل اتهم تقرير فريق الأمم المتحدة لتقصي الحقائقمطلع الشهر الجاري، واشنطن بالتورط بجرائم حرب في اليمن .

وهذا ما يعزز أراء المراقبين الذين يعتقدون أن هذا الإجراء لم تكن واشنطن لتخوضه إن لم تكن استشعرت بأن مشاريعها ومصالحها ستذهب أدراج الرياح إذا ما استمرت بدعم الحرب على اليمن بعد هذه النتائج الكارثية.

حضور قوى جديدة

تعقيبا على هذه النقطة بالذات يمكن التأكيد بحسب المعلومات بأن أمريكا ليست القوة الوحيدة المنزلقة في المشهد اليمني فهناك قوى جديدة على الرغم من حضورها المسبق لكنها بدأت تسارع بتوسيع حضورها في المعترك الدولي باليمن عقب توسع نطاق الردع اليمني كالصين وإيران وروسيا، خصوصا وأن الأخيرة تحاول أن تلعب دور الضمين الدولي لقوى العدوان المهترئة في اليمن على حساب ملفات أخرى خسرتها واشنطن في المنطقة ، وبغض النظر عن أن هذه الدول تذهب بإتجاه موازي للمصالح اليمنية نوعا ما، على خلاف أمريكا التي دائما ما تذهب بإتجاه فرض مصالحها على مصلحة الشعوب فإن وجودها على مسافة قريبة من المصالح اليمنية قد يساعد بدرجة نسبية بتغيير سياسة واشنطن في اليمن بحسب آراء الكثير من المراقبين الدوليين.

الخبير العسكري اللبناني شارل أبي نادر : تحالف العدوان على اليمن تشرذم عملياً وانتهى دون الاعلان عن ذلك 

في السياق ذاته أكد الخبير العسكري اللبناني العميد الركن شارل أبي نادر في لقاء له مع قناة الميادين الأثنين الماضي أن إستهداف طائرات الجيش واللجان الشعبية حقلي بقيق وخريص أصابت التحالف السعودي في مقتل وستعجل بإنهاء العدوان على اليمن نظرا لأهمية الحقلان اللذان يشكلان مصدرا أساسيا من مصادر التمويل للمملكة.. مشيرا إلى أن تحالف العدوان تشرذم عمليا، وانتهى دون الإعلان عن ذلك.

خلف أسوار التاريخ

إذا تمعنا بدقة التحليلات السابقة فإن مثل هذه الدول القائمة على القواعد الإسمنتية والكامنة خلف أسوار التاريخ ليس بوسعها أن تتحمل تكلفة خسارة التحالف الدولي في اليمن أو أن تتحمل تبعات الفشل للمشروع الأمريكي الشائخ؛ غير أن لا خيار لها للنفاذ من هذه القوقعة، لكن السؤال يطرح نفسه لماذا لا تتجه
دول العدوان إلى إنهاء الحرب والخلاص من شبح السقوط ؟! وأين تمكن المشكلة في ذلك؟!

الخسارة الكلية

تكمن المشكلة بحسب تصريحات المحلل السياسي أحمد الشرعبي : أن واشنطن غير مستعدة لدفع تكاليف هزيمة مشاريعها  في اليمن لذلك عندما تدفع واشنطن بإتجاه فتح محادثات مباشرة مع ” أنصار الله ” فهذا يعني أنها تحاول أن تنأى من الخسارة الكلية وحماية مصالحها في الوقت نفسه.

الأنفاس الأمريكية

نتيجة لذلك يبدو أن مستقبل دول العدوان اليوم مرهون فقط ” بكبسة زر ” في متناول السواعد اليمنية التي لازالت حتى اللحظه تتحرك ضمن حقوق الرد المشروعة داخل قائمة أهداف محددة لم تتخطى العشرين هدف فكيف إذا ما قررت أن تنسف جميع الأهداف دفعة واحدة والدخول في مراحل جديدة؟!
لذلك يؤكد محللون أن أمريكا تذهب نحو إيجاد حلول لخروج أمن من المستنقع اليمني ، فالأنفاس الأمريكية لم تعد قادرة على مواجهة هذه اللحظات أو انتظارها خصوصا بعد إستهداف قبلة الإقتصاد الغربي.

الخبير الفلسطيني وصفي عبدالغني : لم تعد واشنطن قادرة على حسم حربها على اليمن ولا ايقاف الهجمات اليمنية البرية والجوية التي تخترق أكثر انظمتهم الدفاعية تطوراً 

 

إلى ذلك يؤكد الخبير في الشؤون الدولية والباحث السياسي الفلسطيني وصفي عبدالغني في حديث خاص لـ”وكالة الصحافة اليمنية” : أن العجز الأمريكي واضح في فشل حل أزماتها مع كوريا وفنزويلا وسورية وإيران وكذلك اليمن، فلا هي قادرة مع كل الدعم الذي تقدمه هي وكل الحلفاء للنظام السعودي أن يحققوا إنجازا عسكريا استراتيجيا يمكنهم من حسم الحرب ولا هم قادرون على وقف الهجمات اليمنية البرية والجوية التي تخترق أكثر انظمتهم الدفاعية تطورا.

ويضيف عبدالغني أن الضربة الأخيرة التي قامت بها القوات اليمنية في العمق السعودي لن يكون لها أي تأثير على مستقبل الحرب على اليمن إن لم يكن هناك ضربات أخرى تليها بكثافة عالية.

إنحسار التحالف السعودي

من جهتها تؤكد الباحثة السورية سعاد خدير أن الضربات الأخيرة للدفاع الجوي اليمني ستلعب دور إيجابي كبير بمستقبل الحرب على اليمن فضرب مصافي النفط نسف هذا الهول الإقتصادي الذي تقف خلفه ديدان الرجعية لذلك سيؤدي بلا شك إلى إنحسار للتحالف السعودي وانسحاب بعض الدول منه.

 

صكوك الغفران

وفقا للمعلومات والآراء السابقة يمكن التعريج على مفعول هذه الضربات والذي بدأ ساريا في
نواحي عدة على الطاولة الأممية فبجانب التطورات السياسية الأخيرة يمكن الإشارة إلى أن إجتماع سفراء الدول الأجنبية مع الوفد الوطني في طهران منتصف الشهر الماضي يأتي بحسب محللين سياسيين كردة فعل إيجابية لهذه الضربات وهي بمثابة صكوك الغفران لعبور السياسة اليمنية مرحلة متقدمة وسط أفق واسع يسجل اليمنيون عنوانه البارز.

 

ضاربة في أعماق التاريخ

بين هذا وذاك فإن لا طريق للخلاص من الردع اليمني الكاسح بلغة الأرقام والمنطق، ولا ضيم أن تنحني أيضا قوى عظمى للهامة اليمانية الضاربة في أعماق التاريخ كما نشاهد اليوم أمراء الحرب في البيت الأبيض وهم يقفون على قدم واحدة خشية الرد اليماني الواقف فوق أشلاء الرأسمالية المتغطرسة.

وتلك خطوة متقدمة استطاعت القوات المسلحة اليمنية وقيادتها الوطنية خلالها سحب خيوط المعركة من رحم البيت الأبيض وزجها ك “شراك ” واسع لإصطياد لاعبيها وأدواتها الواحد تلو الآخر.

معادلة فاصلة

إذا هي معادلة فاصلة يفرضها قادة الدفاع والسياسة في صنعاء على حدود ومسافات شاسعة لدول وأنظمة شاركت في ذبح اليمنيين أمام مرأى ومسمع الجميع وهي تنوح اليوم لتندب حظها التعيس على طول خارطة المنطقة والعالم ،فيما يقف اليمنيون عند شفير الفجر على مسافة قريبة جدا من تحقيق النصر.