المصدر الأول لاخبار اليمن

“نيوزويك” تنتقد خطة ترامب للاستيلاء على نفط سوريا

// وكالة الصحافة اليمنية //


 

ما تحتاج أميركا إلى إدراكه هو أنها لا تستطيع إصلاح سوريا، ولا يمكنها إيقاف تجنيد “داعش” وأعتقد أنه من الأفضل أن تنسحب من سوريا”.

 

رأت مجلة “نيزويك” الأميركية في تحقيق لها أن خطة الرئيس الأميركية دونالد ترامب للحفاظ على الوجود العسكري الأميركي في حقول النفط السورية لا تشبه المهمة المعلنة للولايات المتحدة في البلاد، بل تشبه الكثير من اتهامات النقاد لواشنطن لفترة طويلة بأن ما تقوم به في الشرق الأوسط، هو الغزو والاحتلال من أجل السيطرة على الموارد الطبيعية للمنطقة.

 

ويبدو أن ترامب، بعد مرور عامين ونصف تقريباً على رئاسته، يحقق أخيراً رغبته المعلنة منذ فترة طويلة في سحب القوات من معظم شمال سوريا. من خلال القيام بذلك، يبدو أنه يبلي بلاء حسناً بشأن شيء آخر كان قد روّج له لسنوات حيث ظل “من أجل النفط فقط”، كما أخبر المراسلين.

 

أعلن ترامب منذ زمن طويل أن جماعة “داعش” قد هزمت بالكامل، وأشاد بفوزه على الجهاديين إلى جانب استقلال البلاد في مجال الطاقة كدافع للانفصال عن النزاعات المكلفة ذات النهايات المفتوحة في الشرق الأوسط، وهي فكرة تستقطب الكثير من قاعدته. ومع ذلك، فإنه يعطي أولوية لهذه الحقول في وقت تعني الإمدادات الدولية من النفط للولايات المتحدة أقل مما كانت عليه منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي، حيث تتصدر البلاد اليوم العالم بشكل متزايد في إنتاج النفط، ويعود ذلك إلى حد كبير إلى عمليات التكسير والحفر البحري.

يثير استيلاء ترامب على النفط الشكوك القديمة حول النهب الاقتصادي الأميركي.

 

وقال إيفغيني بوزينسكي، رئيس مركز “بي آي آر” في موسكو لمجلة نيوزويك: “أتأسف للقول، لكن التاريخ أثبت أن جميع التدخلات الأميركية في الآونة الأخيرة أدت فقط إلى كارثة – لا ديمقراطية جديدة، لا ازدهار جديد، لا شيء جديد سوى العنف واللاجئين والضحايا وما إلى ذلك”، والدليل أن “ليبيا والعراق وحتى يوغوسلافيا بعد القصف الأميركي لها” قد فشلت في أن تصبح مناطق “للسلام والازدهار”.

 

وأضاف بوزينسكي، وهو ملازم روسي متقاعد يشغل منصب نائب رئيس مجلس الشؤون الدولية الروسي: “إن الولايات المتحدة تقف في العالم كمدافع رئيسي عن القانون الدولي والقواعد المزعومة، لكن الوجود الأميركي في سوريا يعارض أي قواعد، وضد أي قانون وقواعد دولية”. وأضاف: “التطور الأخير عندما قال الرئيس ترامب: (أنا أحب النفط، وسأحمي حقول النفط)، التي تعود بشكل قانوني إلى الحكومة السورية، هو بالطبع، لا علاقة له بالقانون والمعايير الدولية”.

 

إن قرار ترامب الأخير بسحب القوات من شمال سوريا وإرسال أفراد إضافيين إلى الشرق الغني بالنفط هو التحول الأخير في سلسلة من الخطوات التي جاءت كي تحدد السياسة الأميركية في سوريا. لقد تركت هذه الخطوة “قوات سوريا الديمقراطية” المدعومة من البنتاغون والتي يقودها الكرد تسعى للحصول على دعم الرئيس السوري بشار الأسد، عدو أميركا الأساسي، إذ تواجه غزواً بقيادة تركيا والمتمردين المتحالفين معها الذين دعمتهم الولايات المتحدة ذات يوم في محاولة لإسقاط الزعيم السوري.

 

سوريا، التي مزقتها الحرب الأهلية منذ عام 2011، كانت واحدة من دول عدة وقعت في صدمات التدخلات المفتوحة التي أطلقها الرئيسان جورج دبليو بوش وباراك أوباما على أساس أهداف تغيير النظام ومتابعة “الحرب على الإرهاب” التي بدأت في أعقاب هجمات 11 أيلول / سبتمبر عام 2001. بعد عقد من الزمن، سحب أوباما قواته من العراق للمرة الأولى منذ الغزو الذي قام به سلفه عام 2003 والذي أطاح بصدام حسين، بينما استثمر في الوقت نفسه في حركات المعارضة التي حاولت الإطاحة بمعمر القذافي في ليبيا وببشار الأسد في سوريا..

 

حاول روبرت فورد، وهو آخر سفير للولايات المتحدة في سوريا قبل تعليق العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في عام 2011، منذ فترة طويلة مواجهة ما أسماه “نظرية المؤامرة” بأن تورط واشنطن في الشرق الأوسط كان مدفوعاً في الغالب بالنفط. وقال فورد، الذي شغل منصب كبير المستشارين السياسيين في سفارة واشنطن في بغداد خلال واحدة من أكثر المراحل عنفاً من التمرد المسلم السني الذي قاده أولاً تنظيم القاعدة وبعدها تنظيم داعش، إن موقف ترامب في سوريا “يخدم مباشرة” هؤلاء الذين يعتقدون أن النفط كان العامل الرئيسي في غزو إدارة بوش للعراق.

 

وقال فورد، الذي يعمل الآن كباحث بارز في معهد الشرق الأوسط في واشنطن وجامعة ييل، لمجلة نيوزويك: “اعتقد الكثير من الأميركيين أن الأمر يتعلق بالنفط. لقد كانوا مخطئين آنذاك وهذه المرة كانوا على حق، والرئيس يقول ذلك”.

 

إنها ليست المرة الأولى التي يقول فيها ترامب ذلك. في حين انتقد ترامب في كثير من الأحيان الحملات الأجنبية للرؤساء السابقين، ووصف نفسه بأنه غير تدخلي يروّج لسياسة “أميركا أولاً” التي من شأنها أن ترى اللاعبين الإقليميين والدوليين الآخرين يرثون صداع الولايات المتحدة في مراقبة العالم، فقد قدم أيضاً نظرية التحكم بالنفط.

في برنامج بيل أورايلي في نيسان / أبريل 2011 – في نفس العام الذي كان فيه أوباما يسحب قواته من العراق – ناقش ترامب احتمال ترشحه للرئاسة وتذكر كيف “في القرون القديمة، عندما كنت تخوض حروباً وتفوز، يحصل المنتصر على الغنائم”. لقد جادل بأن إيران كانت ستدخل مباشرة وتحصد فوائد النفط العراقي بمجرد مغادرة القوات الأميركية، وعندما سأله أورايلي عما سيفعله كرئيس لإيقاف هذا، أجاب ترامب: “تبقى وتحافظ على النفط”.

بعد ثماني سنوات من الحرب الأهلية في سوريا في وقت لاحق، يبدو أن ترامب يفعل ذلك بالضبط. قد تكون هذه الاستراتيجية محبطة للأعداء، ولكنها أيضا غذّت رسائلهم ضد نوايا الولايات المتحدة.

 

فقد قال الأسد للتلفزيون الحكومي قبل أسبوعين عن ترامب: “أقول إنه أفضل رئيس أميركي، ليس لأن سياساته جيدة، ولكن لأنه الأكثر شفافية”. وأضاف: “كل الرؤساء الأميركيين يرتكبون كل الموبقات السياسية وكل الجرائم، ويأخذون جائزة نوبل، ويظهرون بمظهر المدافع عن حقوق الإنسان … ولكنهم عبارة عن مجموعة من المجرمين الذين يمثلون ويعبّرون عن مصالح اللوبيات الأميركية وهي الشركات الكبرى، (شركات) السلاح والنفط وغيرها”.

 

وأضاف الأسد: “ترامب يتحدث بكل شفافية. يقول نحن نريد النفط. هذه حقيقة السياسة الأميركية – على الأقل ما بعد الحرب العالمية الثانية.. نحن نريد أن نتخلص من فلان.. نحن نريد أن نقدم خدمة مقابل مال.. هذه هي حقيقة السياسة الأميركية، فما الذي نحتاجه أكثر من الخصم الشفاف؟”.

 

في سوريا، هذه المعاملات التجارية غالباً ما تجاوزت الخطوط الأمامية المتنافسة. في الواقع، كل فصيل تقريبا من هذا النزاع متعدد الجوانب قام ببعض الأعمال التجارية مع الآخر. وقد علمت “نيوزويك” من مسؤول كبير في البنتاغون ومن مراقب سوري مطلع على تجارة النفط في سوريا أنه بينما تضع القوات الأميركية نفسها في حقول النفط في شرق البلاد، كانت “قوات سوريا الديمقراطية” التي يقودها الكرد والتي تقف إلى جانبها، تبيع النفط إلى الأسد الموضوع على القائمة السوداء للإدارة الأميركية.

 

وعندما سئل عما إذا كان صحيحاً أن “قوات سوريا الديمقراطية” كانت تبيع النفط للحكومة السورية، قال وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر للصحافيين: “لست متأكداً من كيفية عمل سوق النفط في سوريا، لذلك يتعين علينا العودة إليك لاحقاً في ذلك”.

 

في بيان موجه إلى “نيوزويك”، ذكرت القيادة العسكرية المركزية الأميركية فقط أن “القوات الأميركية موجودة في دير الزور لمنع داعش من استعادة السيطرة على حقول النفط الرئيسية التي وفرت لداعش في المتوسط ​​1.5 مليون دولار من العائدات يومياً”. وأحالت مرة أخرى أسئلة إلى وزارة الخارجية و”قوات سوريا الديمقراطية”. ولم يستجب القيادة لطلبات التعليق بشأن البيع المزعوم للنفط للحكومة السورية.

 

وأضافت المجلة أن الأسد نجح في تجنب الإطاحة العنيفة التي ترعاها الولايات المتحدة والتي عرفها صدام حسين في العراق والقذافي في ليبيا، جزئياً بسبب دعم من إيران وروسيا، وهما قوتان تتمتعان بنفوذ متزايد في المنطقة. في حين أن ترامب قد اتُهم في بعض الأحيان بعدم العمل بجد بما يكفي لوقف – أو حتى تسهيل – نفوذ موسكو المتنامي في الشرق الأوسط، فقد ضاعف من محاولته تقييد طهران، وهذه الاستراتيجية، تتعلق بالنفط كذلك.

لا تعود نزاع الولايات المتحدة وإيران إلى الثورة الإسلامية عام 1979 وما تلاها من أزمة رهائن السفارة، ولكن إلى الانقلاب المدعوم من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية عام 1953 والذي أطاح برئيس وزراء (محمد مصدق) الذي كان يسعى إلى تأميم النفط الإيراني، ومكّن النظام الملكي الذي تم في نهاية المطاف إسقاطه بعد عقود لاحقاً. وقد قام بوش وأوباما بفرض المزيد من القيود على الجمهورية الإسلامية بالعقوبات، لكن الاتفاق الأخير قام برفعها في مقابل موافقة إيران على الحد من الإنتاج النووي كجزء من اتفاق تاريخي لعام 2015، والذي أيدته الصين والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وروسيا والمملكة المتحدة.

وبعدما تم الترحيب بالاتفاق على نطاق واسع باعتباره انجازاً دبلوماسياً، وقد عارض الاتفاق العديد من المحافظين في كل من الولايات المتحدة وإيران. وبعد أكثر من عام من التهديدات، انسحب ترامب من جانب واحد من الاتغاف في أيار / مايو 2018، متهماً إيران باستخدام الأصول المالية التي تم إلغاء تجميدها لتمويل الجماعات المسلحة في الخارج ومواصلة تطوير صواريخها، وهي خطوة أدت إلى فرض عقوبات قاسية تهدف إلى الحد من تقليص صادرات طهران النفطية إلى الصفر.

وما أعقب ذلك كان موجة جديدة من الاضطرابات تهدد بجلب الطرفين إلى شفا الحرب في منطقة الخليج الفارسي بينما تتهم الولايات المتحدة إيران بتخريب ناقلات النفط ومهاجمة منشآت النفط السعودية بالقرب من مضيق هرمز، أهم منشآة نفط في العالم. في كلمته أمام مؤتمر الوحدة الإسلامية الدولي الثالث والثلاثين في طهران يوم الخميس الماضي، ردد الرئيس الإيراني حسن روحاني كلام حليفه العربي بشار الأسد في انتقاد تركيز ترامب على الموارد الطبيعية، مع الاعتراف بأمانة الرئيس ترامب غير المقصودة.

وقال روحاني: “أولئك الذين يستخدمون لغة أكثر وضوحاً مؤخراً كانوا سابقا يقولون إننا أتينا إلى المنطقة لإنقاذ الشعب الكويتي، أو أننا هنا لتأمين المضائق المائية، أو قالوا إننا نرسل مقاتليننا وقواتنا لمحاربة الإرهاب”. وقال روحاني ، الذي يشعر بخيبة أمل متزايدة بشأن (فشل) الاتفاق النووي الذي وقعته إدارته، في خطابه: “يقولون الآن صراحة اليوم أننا نسعى إلى آبار النفط السورية. لم نسمع بياناً أكثر وضوحاً وصراحة من هذا النظام الحاكم في البيت الأبيض”.

 

وأضاف “نعلم أن الولايات المتحدة كانت تبحث عن النفط في المنطقة ونهب موارد المسلمين، لكننا لم نسمع قط أن بعض الدول هي أبقار يتم حلبها وعلينا أن نستخدم هذه البقرة لمصلحتنا الخاصة”.

ومع ذلك، أكد فورد، متحدثاً إلى “نيوزويك”، أن الإدارات المتعاقبة على مدار العقود حافظت على مصلحة راسخة في تأمين تدفق نفط الشرق الأوسط (إلى أميركا والعالم) لضمان وجود سوق طاقة مستقر، لكنها قال إن الشركات الأميركية لم تنشئ أي نوع من الاحتكار للنفط. عندما يتعلق الأمر بمواجهة إيران اليوم، جادل فورد بأن “أكبر قلق لدى الأميركيين، إلى جانب المسألة النووية  هو التوسع الإيراني الذي يجده الحلفاء العرب تهديداً لهم”.

 

بينما تمتلك إيران احتياطيات نفطية كبيرة – يقال إنها أكبر الآن بسبب اكتشاف حقل ضخم في نهاية الأسبوع، لاحظ فورد أن حقول النفط السورية “ليست مهمة من الناحية الإستراتيجية” بسبب حجمها ومحتواها العالي من الكبريت.

 

ورأى فورد أن السبب الوحيد الذي جعله يتخيل أن البنتاغون ووزارة الخارجية ستتمسكان بمثل هذه الأصول الضئيلة كان محاولة تمويل “قوات سوريا الديمقراطية” مع الضغط على الحكومة السورية وحليفها الروسي، وهي مهمة عارضها فورد من حيث المبدأ.

وقال فورد لنيوزويك: “أنا ضد نشر القوات الأميركية في حالة قتال من دون نهاية للمهمة في الأفق، مع عدم وجود معايير محددة بوضوح”. وأضاف: “ما تحتاج أميركا إلى إدراكه هو أنها لا تستطيع إصلاح سوريا، ولا يمكنها إيقاف تجنيد “داعش” – وربما نكون في الواقع نفاقمها – أعتقد أنه من الأفضل أن تنسحب من سوريا”.

ودعا فورد الولايات المتحدة إلى الاستثمار في دعم اللاجئين السوريين، والذين قد يكونون جميعهم الخمسة ملايين معرضين للسردية القائلة بأن واشنطن كانت متورطة فقط في بلدهم للحصول على النفط. وقال فورد إن الاستمرار بدلاً من ذلك في استراتيجية “غير مجدية” لمحاولة استخراج تنازلات من الأسد هو “أمل وليس سياسة حقيقية”.

 

 

“نيوزويك” تنتقد خطة ترامب للاستيلاء على نفط سوريا

“ما تحتاج أميركا إلى إدراكه هو أنها لا تستطيع إصلاح سوريا، ولا يمكنها إيقاف تجنيد “داعش” وأعتقد أنه من الأفضل أن تنسحب من سوريا”.

رأت مجلة “نيوزويك” الأميركية في تحقيق لها أن خطة الرئيس الأميركية دونالد ترامب للحفاظ على الوجود العسكري الأميركي في حقول النفط السورية لا تشبه المهمة المعلنة للولايات المتحدة في البلاد، بل تشبه الكثير من اتهامات النقاد لواشنطن لفترة طويلة بأن ما تقوم به في الشرق الأوسط، هو الغزو والاحتلال من أجل السيطرة على الموارد الطبيعية للمنطقة.

ويبدو أن ترامب، بعد مرور عامين ونصف تقريباً على رئاسته، يحقق أخيراً رغبته المعلنة منذ فترة طويلة في سحب القوات من معظم شمال سوريا. من خلال القيام بذلك، يبدو أنه يبلي بلاء حسناً بشأن شيء آخر كان قد روّج له لسنوات حيث ظل “من أجل النفط فقط”، كما أخبر المراسلين.

أعلن ترامب منذ زمن طويل أن جماعة “داعش” قد هزمت بالكامل، وأشاد بفوزه على الجهاديين إلى جانب استقلال البلاد في مجال الطاقة كدافع للانفصال عن النزاعات المكلفة ذات النهايات المفتوحة في الشرق الأوسط، وهي فكرة تستقطب الكثير من قاعدته. ومع ذلك، فإنه يعطي أولوية لهذه الحقول في وقت تعني الإمدادات الدولية من النفط للولايات المتحدة أقل مما كانت عليه منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي، حيث تتصدر البلاد اليوم العالم بشكل متزايد في إنتاج النفط، ويعود ذلك إلى حد كبير إلى عمليات التكسير والحفر البحري.

يثير استيلاء ترامب على النفط الشكوك القديمة حول النهب الاقتصادي الأميركي.

وقال إيفغيني بوزينسكي، رئيس مركز “بي آي آر” في موسكو لمجلة نيوزويك: “أتأسف للقول، لكن التاريخ أثبت أن جميع التدخلات الأميركية في الآونة الأخيرة أدت فقط إلى كارثة – لا ديمقراطية جديدة، لا ازدهار جديد، لا شيء جديد سوى العنف واللاجئين والضحايا وما إلى ذلك”، والدليل أن “ليبيا والعراق وحتى يوغوسلافيا بعد القصف الأميركي لها” قد فشلت في أن تصبح مناطق “للسلام والازدهار”.

وأضاف بوزينسكي، وهو ملازم روسي متقاعد يشغل منصب نائب رئيس مجلس الشؤون الدولية الروسي: “إن الولايات المتحدة تقف في العالم كمدافع رئيسي عن القانون الدولي والقواعد المزعومة، لكن الوجود الأميركي في سوريا يعارض أي قواعد، وضد أي قانون وقواعد دولية”. وأضاف: “التطور الأخير عندما قال الرئيس ترامب: (أنا أحب النفط، وسأحمي حقول النفط)، التي تعود بشكل قانوني إلى الحكومة السورية، هو بالطبع، لا علاقة له بالقانون والمعايير الدولية”.

إن قرار ترامب الأخير بسحب القوات من شمال سوريا وإرسال أفراد إضافيين إلى الشرق الغني بالنفط هو التحول الأخير في سلسلة من الخطوات التي جاءت كي تحدد السياسة الأميركية في سوريا. لقد تركت هذه الخطوة “قوات سوريا الديمقراطية” المدعومة من البنتاغون والتي يقودها الكرد تسعى للحصول على دعم الرئيس السوري بشار الأسد، عدو أميركا الأساسي، إذ تواجه غزواً بقيادة تركيا والمتمردين المتحالفين معها الذين دعمتهم الولايات المتحدة ذات يوم في محاولة لإسقاط الزعيم السوري.

سوريا، التي مزقتها الحرب الأهلية منذ عام 2011، كانت واحدة من دول عدة وقعت في صدمات التدخلات المفتوحة التي أطلقها الرئيسان جورج دبليو بوش وباراك أوباما على أساس أهداف تغيير النظام ومتابعة “الحرب على الإرهاب” التي بدأت في أعقاب هجمات 11 أيلول / سبتمبر عام 2001. بعد عقد من الزمن، سحب أوباما قواته من العراق للمرة الأولى منذ الغزو الذي قام به سلفه عام 2003 والذي أطاح بصدام حسين، بينما استثمر في الوقت نفسه في حركات المعارضة التي حاولت الإطاحة بمعمر القذافي في ليبيا وببشار الأسد في سوريا..

حاول روبرت فورد، وهو آخر سفير للولايات المتحدة في سوريا قبل تعليق العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في عام 2011، منذ فترة طويلة مواجهة ما أسماه “نظرية المؤامرة” بأن تورط واشنطن في الشرق الأوسط كان مدفوعاً في الغالب بالنفط. وقال فورد، الذي شغل منصب كبير المستشارين السياسيين في سفارة واشنطن في بغداد خلال واحدة من أكثر المراحل عنفاً من التمرد المسلم السني الذي قاده أولاً تنظيم القاعدة وبعدها تنظيم داعش، إن موقف ترامب في سوريا “يخدم مباشرة” هؤلاء الذين يعتقدون أن النفط كان العامل الرئيسي في غزو إدارة بوش للعراق.

وقال فورد، الذي يعمل الآن كباحث بارز في معهد الشرق الأوسط في واشنطن وجامعة ييل، لمجلة نيوزويك: “اعتقد الكثير من الأميركيين أن الأمر يتعلق بالنفط. لقد كانوا مخطئين آنذاك وهذه المرة كانوا على حق، والرئيس يقول ذلك”.

إنها ليست المرة الأولى التي يقول فيها ترامب ذلك. في حين انتقد ترامب في كثير من الأحيان الحملات الأجنبية للرؤساء السابقين، ووصف نفسه بأنه غير تدخلي يروّج لسياسة “أميركا أولاً” التي من شأنها أن ترى اللاعبين الإقليميين والدوليين الآخرين يرثون صداع الولايات المتحدة في مراقبة العالم، فقد قدم أيضاً نظرية التحكم بالنفط.

 

في برنامج بيل أورايلي في نيسان / أبريل 2011 – في نفس العام الذي كان فيه أوباما يسحب قواته من العراق – ناقش ترامب احتمال ترشحه للرئاسة وتذكر كيف “في القرون القديمة، عندما كنت تخوض حروباً وتفوز، يحصل المنتصر على الغنائم”. لقد جادل بأن إيران كانت ستدخل مباشرة وتحصد فوائد النفط العراقي بمجرد مغادرة القوات الأميركية، وعندما سأله أورايلي عما سيفعله كرئيس لإيقاف هذا، أجاب ترامب: “تبقى وتحافظ على النفط”.

 

بعد ثماني سنوات من الحرب الأهلية في سوريا في وقت لاحق، يبدو أن ترامب يفعل ذلك بالضبط. قد تكون هذه الاستراتيجية محبطة للأعداء، ولكنها أيضا غذّت رسائلهم ضد نوايا الولايات المتحدة.

 

فقد قال الأسد للتلفزيون الحكومي قبل أسبوعين عن ترامب: “أقول إنه أفضل رئيس أميركي، ليس لأن سياساته جيدة، ولكن لأنه الأكثر شفافية”. وأضاف: “كل الرؤساء الأميركيين يرتكبون كل الموبقات السياسية وكل الجرائم، ويأخذون جائزة نوبل، ويظهرون بمظهر المدافع عن حقوق الإنسان … ولكنهم عبارة عن مجموعة من المجرمين الذين يمثلون ويعبّرون عن مصالح اللوبيات الأميركية وهي الشركات الكبرى، (شركات) السلاح والنفط وغيرها”.

وأضاف الأسد: “ترامب يتحدث بكل شفافية. يقول نحن نريد النفط. هذه حقيقة السياسة الأميركية – على الأقل ما بعد الحرب العالمية الثانية.. نحن نريد أن نتخلص من فلان.. نحن نريد أن نقدم خدمة مقابل مال.. هذه هي حقيقة السياسة الأميركية، فما الذي نحتاجه أكثر من الخصم الشفاف؟”.

في سوريا، هذه المعاملات التجارية غالباً ما تجاوزت الخطوط الأمامية المتنافسة. في الواقع، كل فصيل تقريبا من هذا النزاع متعدد الجوانب قام ببعض الأعمال التجارية مع الآخر. وقد علمت “نيوزويك” من مسؤول كبير في البنتاغون ومن مراقب سوري مطلع على تجارة النفط في سوريا أنه بينما تضع القوات الأميركية نفسها في حقول النفط في شرق البلاد، كانت “قوات سوريا الديمقراطية” التي يقودها الكرد والتي تقف إلى جانبها، تبيع النفط إلى الأسد الموضوع على القائمة السوداء للإدارة الأميركية.

وعندما سئل عما إذا كان صحيحاً أن “قوات سوريا الديمقراطية” كانت تبيع النفط للحكومة السورية، قال وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر للصحافيين: “لست متأكداً من كيفية عمل سوق النفط في سوريا، لذلك يتعين علينا العودة إليك لاحقاً في ذلك”.

في بيان موجه إلى “نيوزويك”، ذكرت القيادة العسكرية المركزية الأميركية فقط أن “القوات الأميركية موجودة في دير الزور لمنع داعش من استعادة السيطرة على حقول النفط الرئيسية التي وفرت لداعش في المتوسط ​​1.5 مليون دولار من العائدات يومياً”. وأحالت مرة أخرى أسئلة إلى وزارة الخارجية و”قوات سوريا الديمقراطية”. ولم يستجب القيادة لطلبات التعليق بشأن البيع المزعوم للنفط للحكومة السورية.

وأضافت المجلة أن الأسد نجح في تجنب الإطاحة العنيفة التي ترعاها الولايات المتحدة والتي عرفها صدام حسين في العراق والقذافي في ليبيا، جزئياً بسبب دعم من إيران وروسيا، وهما قوتان تتمتعان بنفوذ متزايد في المنطقة. في حين أن ترامب قد اتُهم في بعض الأحيان بعدم العمل بجد بما يكفي لوقف – أو حتى تسهيل – نفوذ موسكو المتنامي في الشرق الأوسط، فقد ضاعف من محاولته تقييد طهران، وهذه الاستراتيجية، تتعلق بالنفط كذلك.

لا تعود نزاع الولايات المتحدة وإيران إلى الثورة الإسلامية عام 1979 وما تلاها من أزمة رهائن السفارة، ولكن إلى الانقلاب المدعوم من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية عام 1953 والذي أطاح برئيس وزراء (محمد مصدق) الذي كان يسعى إلى تأميم النفط الإيراني، ومكّن النظام الملكي الذي تم في نهاية المطاف إسقاطه بعد عقود لاحقاً. وقد قام بوش وأوباما بفرض المزيد من القيود على الجمهورية الإسلامية بالعقوبات، لكن الاتفاق الأخير قام برفعها في مقابل موافقة إيران على الحد من الإنتاج النووي كجزء من اتفاق تاريخي لعام 2015، والذي أيدته الصين والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وروسيا والمملكة المتحدة.

وبعدما تم الترحيب بالاتفاق على نطاق واسع باعتباره انجازاً دبلوماسياً، وقد عارض الاتفاق العديد من المحافظين في كل من الولايات المتحدة وإيران. وبعد أكثر من عام من التهديدات، انسحب ترامب من جانب واحد من الاتغاف في أيار / مايو 2018، متهماً إيران باستخدام الأصول المالية التي تم إلغاء تجميدها لتمويل الجماعات المسلحة في الخارج ومواصلة تطوير صواريخها، وهي خطوة أدت إلى فرض عقوبات قاسية تهدف إلى الحد من تقليص صادرات طهران النفطية إلى الصفر.

وما أعقب ذلك كان موجة جديدة من الاضطرابات تهدد بجلب الطرفين إلى شفا الحرب في منطقة الخليج الفارسي بينما تتهم الولايات المتحدة إيران بتخريب ناقلات النفط ومهاجمة منشآت النفط السعودية بالقرب من مضيق هرمز، أهم منشآة نفط في العالم. في كلمته أمام مؤتمر الوحدة الإسلامية الدولي الثالث والثلاثين في طهران يوم الخميس الماضي، ردد الرئيس الإيراني حسن روحاني كلام حليفه العربي بشار الأسد في انتقاد تركيز ترامب على الموارد الطبيعية، مع الاعتراف بأمانة الرئيس ترامب غير المقصودة.

وقال روحاني: “أولئك الذين يستخدمون لغة أكثر وضوحاً مؤخراً كانوا سابقا يقولون إننا أتينا إلى المنطقة لإنقاذ الشعب الكويتي، أو أننا هنا لتأمين المضائق المائية، أو قالوا إننا نرسل مقاتليننا وقواتنا لمحاربة الإرهاب”. وقال روحاني ، الذي يشعر بخيبة أمل متزايدة بشأن (فشل) الاتفاق النووي الذي وقعته إدارته، في خطابه: “يقولون الآن صراحة اليوم أننا نسعى إلى آبار النفط السورية. لم نسمع بياناً أكثر وضوحاً وصراحة من هذا النظام الحاكم في البيت الأبيض”.

وأضاف “نعلم أن الولايات المتحدة كانت تبحث عن النفط في المنطقة ونهب موارد المسلمين، لكننا لم نسمع قط أن بعض الدول هي أبقار يتم حلبها وعلينا أن نستخدم هذه البقرة لمصلحتنا الخاصة”.

ومع ذلك، أكد فورد، متحدثاً إلى “نيوزويك”، أن الإدارات المتعاقبة على مدار العقود حافظت على مصلحة راسخة في تأمين تدفق نفط الشرق الأوسط (إلى أميركا والعالم) لضمان وجود سوق طاقة مستقر، لكنها قال إن الشركات الأميركية لم تنشئ أي نوع من الاحتكار للنفط. عندما يتعلق الأمر بمواجهة إيران اليوم، جادل فورد بأن “أكبر قلق لدى الأميركيين، إلى جانب المسألة النووية  هو التوسع الإيراني الذي يجده الحلفاء العرب تهديداً لهم”.

بينما تمتلك إيران احتياطيات نفطية كبيرة – يقال إنها أكبر الآن بسبب اكتشاف حقل ضخم في نهاية الأسبوع، لاحظ فورد أن حقول النفط السورية “ليست مهمة من الناحية الإستراتيجية” بسبب حجمها ومحتواها العالي من الكبريت.

 

ورأى فورد أن السبب الوحيد الذي جعله يتخيل أن البنتاغون ووزارة الخارجية ستتمسكان بمثل هذه الأصول الضئيلة كان محاولة تمويل “قوات سوريا الديمقراطية” مع الضغط على الحكومة السورية وحليفها الروسي، وهي مهمة عارضها فورد من حيث المبدأ.

 

وقال فورد لنيوزويك: “أنا ضد نشر القوات الأميركية في حالة قتال من دون نهاية للمهمة في الأفق، مع عدم وجود معايير محددة بوضوح”. وأضاف: “ما تحتاج أميركا إلى إدراكه هو أنها لا تستطيع إصلاح سوريا، ولا يمكنها إيقاف تجنيد “داعش” – وربما نكون في الواقع نفاقمها – أعتقد أنه من الأفضل أن تنسحب من سوريا”.

 

ودعا فورد الولايات المتحدة إلى الاستثمار في دعم اللاجئين السوريين، والذين قد يكونون جميعهم الخمسة ملايين معرضين للسردية القائلة بأن واشنطن كانت متورطة فقط في بلدهم للحصول على النفط. وقال فورد إن الاستمرار بدلاً من ذلك في استراتيجية “غير مجدية” لمحاولة استخراج تنازلات من الأسد هو “أمل وليس سياسة حقيقية”.

 

#رأي اليوم

قد يعجبك ايضا