يصر المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، على مسايرة حالة التخبط التي يعايشها التحالف جنوب اليمن، من خلال التعامل مع “اتفاق الرياض” بجدية أكثر من مما يستحق، كما حدث في الاحاطة الأخيرة التي قدمها غريفيث أمس لمجلس الأمن، والايحاء للعالم بأن مشاكل اليمن كانت معلقة على اتفاق بين اتباع الامارات وجماعة الاخوان.
يعتقد البعض أن المبالغة في تضخيم “اتفاق الرياض” يأتي بغرض إطالة امد الحرب، عبر ادخال اليمن بدوامة من الصراعات الهامشية، الناجمة عن مزاجية، السعوديين والاماراتيين، الذين تتسم سياستهم بارتجال المواقف، وعدم امتلاك رؤية واضحة لإدارة الأزمات في المناطق المحتلة جنوب اليمن.
ويرى مراقبون سياسيون أن الأمم المتحدة، تحاول اثقال الأزمة في اليمن، خارج الأجندات الأساسية للصراع، من خلال التعامل مع الحالات الطارئة التي تنشب هنا أو هناك، بسبب ضعف “الشرعية”، على انها جذر المشكلة في اليمن، مع انها صراعات اختلقتها دول التحالف في المناطق التي تحتلها جنوب اليمن.
مراجعة سريعة للتغييرات في مواقف غريفيث
والحقيقة أن خروج غريفيث عن الرؤية التي قدمها في أول احاطة لمجلس الأمن، حول ضرورة التخلي، عن أي مواقف متصلبة من الأزمة في اليمن، المتمثلة بقرار مجلس الأمن 2216، ومخرجات الحوار، والمبادرة الخليجية، التي تتشبث بها قوى التحالف، رغم أن غريفيث قال في تلك الإحاطة، أن الواقع قد تغيير في اليمن، ويجب التخلي عن أي مواقف متصلبة، من اجل احراز تقدم .
بينما كان المبعوث الأممي غريفيث قد أبدى في ابريل العام الماضي، رفضاً لتمثيل “المجلس الانتقالي” في مباحثات حل الأزمة في اليمن، معتبراً أن ذلك سيفتح الباب لمطالب بقية الفصائل، وأن حل القضية الجنوبية، يجب أن يكون تحت مظلة الدولة، بعد انهاء الحرب.
إلا أن مواقف غريفيث ظلت تسجل تراجعاً ملحوظاً، قياساً ببدايته الأولى، وقد وصل ذلك التراجع إلى حد ربط القضية الكبرى بين اليمن ودول التحالف، بقضايا فرعية، مثل قضية الخلافات بين جماعة ” المجلس الانتقالي” التابعة للامارات، وصراعها مع حزب الاصلاح، التي لن يؤدي بحسب مراقبين، سوى إلى مزيد من الشتات بعيداً عن حل الأسباب الرئيسية للحرب، والغرق في تفاصيل صغيرة، تبدو بلا نهاية، بين فصائل ومكونات عسكرية تدين بالولاء لدول التحالف، ولا يمكن السيطرة عليها.
الكثير من الأزمات لوضع اليمنيين أمام الأمر الواقع
إذ لا يمكن البناء على الأوضاع العبثية التي تشهدها المحافظات المحتلة، من اجل الوصول إلى حل شامل لأزمة اليمن.
وأي محاولة ربط بين الأسباب الرئيسية للحرب، وبين الأزمات الصغيرة المرشحة للتصاعد، ستؤدي إلى وضع المزيد من العراقيل أمام مساعي السلام، في ظل رفض الكثير من الفصائل المتواجدة في محافظات اليمن الجنوبية لـ”اتفاق الرياض” وبما ينذر أن هناك جولات أخرى من الصراع، سيتم فيها طرد الشرعية من مناطق متفرقة جنوب اليمن، الأمر الذي يستدعي التساؤل، هل ستتوقف الأمم المتحدة عند أي “زوبعة في الفنجان” وتصنع من أي حل لتلك “الزوبعة” حدثاً عظيماً، تعتبره اساساً للحل الأكبر في اليمن؟ مثلما حدث مع “اتفاق الرياض” الذي جاء من الهامش، وأصبح اساساً لحل أشمل في اليمن ! وبعبارة أخرى، هل يمكن لحالة الجنون الحاصلة في المناطق المحتلة، أن تفضي إلى تسوية حقيقية في اليمن؟
على أن الأمر بات أكثر وضوحاً، بالنسبة لليمنيين الذين أصبحوا يعرفون، أن السياسة التي تمارسها الأمم المتحدة ودول التحالف، تعتمد على خلق المزيد المشاكل، والعمل على ربط تلك المشاكل مهما كانت ثانوية مع الحل الأشمل للأزمة، بهدف دفع اليمنيين إلى القبول بأي حلول مهما كانت لا تصب في صالح اليمن، والتعامل مع تلك الحلول الاضطرارية باعتبارها خيارات لا مناص منها، والتي تشير الوقائع المتلاحقة أن قضية التقسيم ، ستكون في صدارة تلك الحلول الاجبارية لأزمة اليمن.
حجة جديدة لإثقال كاهل اليمنيين بالحرب
بينما خلق الاحتفاء بـ”اتفاق الرياض” في مداولات مجلس الأمن الأخيرة حول اليمن، تساؤلا جديداً يضاف إلى حزمة الأسئلة الوجودية التي راكمتها الأمم المتحدة عند شعب اليمن، هل على اليمنيين أن يبقوا رهينة لنجاح أو فشل “اتفاق الرياض” من أجل انهاء الحرب العبثية والحصار التي يتعرضون لها منذ قرابة خمسة أعوام؟ وهل ستجد قوى التحالف في فشل “اتفاق الرياض” حجة أخرى جديدة باشتراط تطبيق اتفاق الرياض اولاً، لإيقاف الحرب؟ والتي يمكن أن تتحول إلى ذريعة تعنت تضاف إلى الحجج التي عفى عنها الزمن مثل ” قرار 2216، مخرجات الحوار، المبادرة الخليجية”، يضاف لها الآن “اتفاق الرياض” الذي لا تلوح أي بوادر حقيقية لتنفيذه.