وكالة الصحافة اليمنية :
في حي “كامبو الطيولي” بمدينة سبها “أقصى الجنوب الليبي”، تعيش مجموعة من العائلات التي تنتمي إلى قبائل التبو والطوارق المنتشرة حتى في كل من تشاد والنيجر، شباب أغلب هذه القبائل يعيشون على الرعي وتجارة التهريب على الحدود الجنوبية، وخاصة السجائر والمهاجرين غير الشرعيين الحالمين بالسفر إلى أوروبا.
ومنذ اندلاع الحرب في اليمن، فُتحت أمام هؤلاء الشباب أبواب جديدة قلبت حياتهم رأساً على عقب؛ عروض من شركات إماراتية بتعويضات تتراوح ما بين 900 دولار و3000 دولار، إضافة إلى الحصول على الجنسية الإماراتية مقابل عروض عمل في “شركات أمنية إماراتية”.
ففي يناير 2018، تم رصد زيارة لوفد من رجال الأعمال للنيجر، حيث التقوا هناك زعامات قبلية عربية، واستطاعوا تجنيد 10 آلاف من أبناء هذه القبائل، التي تعيش متنقلةً ما بين ليبيا وتشاد والنيجر.
وانطلقت حملة وسط النشطاء التشاديين على الإنترنت، تحذر الشباب من العمل لصالح الإمارات، أبرزها فيديو للناشط محمد زين إبراهيم، حذر فيه الشباب التشادي والنيجري من عروض العمل تلك، معتبراً أنها في الحقيقة، “تجنيد للمشاركة في حرب اليمن ومقاتلة شعبها العربي والمسلم من أجل دولارات بخسة”.
مضيفاً ان “عرب الخليج، خاصة الإمارات والسعودية، لم يكلفوا أنفسهم يوماً عناء التعرف على عرب الصحراء، واليوم يدعونهم لنصرتهم والقتال إلى جانبهم في اليمن!”.
الموت من أجل حفنة دولارات
محمد زين إبراهيم، الناشط التشادي على مواقع التواصل الاجتماعي، اعتاد في صفحته على فيسبوك، أن ينشر مقاطع فيديو تتناول قضايا تمس الشباب التشادي الناطق باللغة العربية، آخر فيديو له وجَّه فيه تحذيراً للشباب من استغلالهم في حرب دموية ليست حربهم.
الحرب التي يتحدث عنها إبراهيم، هي حرب اليمن. الشاب في تصريحه الخاص لـ”هاف بوست عربي”، قال إن دوافعه لعمل هذا الفيديو جاءت من كونه يملك معلومات موثقة عن عمليات تجنيد تستهدف القبائل العربية في تشاد، وتشرف عليها جهات رسمية تتكسب منها مع تجار البشر.
الناشط التشادي أضاف انه اكتشف ما سماه “المؤامرة”، إثر عودة دفعة من “المغرَّر بهم من التشاديين الذين أُرسلوا إلى الإمارات بعد أن تم خداعهم”، فعقود عملهم موضَّح فيها أنهم ذاهبون لحراسة آبار النفط والمباني الحيوية هناك مقابل مبالغ طائلة، وعندما تم عرضهم على الإماراتيين طلبوا إعادتهم إلى تشاد وجنوب ليبيا؛ لأنهم ليسوا بالمواصفات التي تريدها الإمارات.
مواصفات يشرحها محمد زين بضرورة أن ينتمي المجندون إلى قبائل التشاديين العرب الرعاة، الذين يمكن من سحنتهم أن يتحولوا إلى إماراتيين، وخاصة على الحدود الليبية في مدينة سبها جنوباً، التي تقطنها العديد من قبائل الرحَّل العرب المتنقِّلين بين النيجر والتشاد، حيث يعرض الوسطاء على الشباب إما عقود عمل في شركات الحراسة ليجدوا أنفسهم بساحات الحرب في النهاية، وإما مبالغ مالية تصل إلى 3 آلاف دولار، تعرض عليهم مباشرةً إذا ما قبلوا الذهاب إلى القتال في اليمن.
وبالنسبة إلى محمد زين، فإن حرب اليمن، التي كانت تظنها الإمارات والسعودية نزهة عسكرية، تحولت إلى “حرب استنزاف، ومستنقع يصعب عليهما الخروج منه بأقل الخسائر العسكرية”، خاصة مع رفض أغلب الدول المنضوية في التحالف العربي “على حد قوله” مشاركتهما القتال براً واختيار المشاركة رمزياً.
الإمارات، كانت قد خصصت لتشاد 150 مليون دولار في مؤتمر المانحين، الذي أقيم بباريس، قبل أشهر قليلة، مكافأة لها على قطع العلاقات مع قطر، وبعد طول زمن الحرب في اليمن وتفاقم الخسائر البشرية خاصة، اتجهت أبوظبي للتجنيد وسط الدول الأفريقية الفقيرة، وخصوصاً تلك التي أظهرت تعاوناً معها في أزمتها مع قطر، وعلى رأسها تشاد والنيجر.
مصادر مقربة من عائلات المجندين الذين سافروا إلى الإمارات كشفت لـ”هاف بوست عربي”، عن أن الإمارات اتجهت مؤخراً لتجنيد أبناء القبائل العربية التشادية والنيجرية، وإلباسهم الزي العسكري الإمارتي، ثم توزيعهم على جبهات القتال في اليمن على أساس أنهم عناصر من الجيش الإماراتي، وقبل ذلك توظيفهم وتدريبهم في شركات أمن خاصة.
عائلات المجندين تقول إن أبناءها يتم خداعهم عبر إقناعهم بأنهم ذاهبون إلى الإمارات للعمل في الشركات الأمنية الموجودة هناك بمبالغ وامتيازات خرافية، وحين وصولهم يتم أخذهم وإرسالهم إلى الجبهات الساخنة “وفق قولهم” مع الحوثيين كجنود إماراتيين، وبعد اكتشاف هذا الأمر، أصبحت الإمارات تعتمد على وكلاء في التجنيد، منهم شخصية دبلوماسية تشادية، سافرت مؤخراً إلى النيجر؛ لإقناع القبائل العربية هناك، عبر مفاوضات مباشرة، بإلحاق أبنائها بالجيش الإماراتي مقابل امتيازات مالية.
“رِقٌّ.. واتجار في البشر”
الناشط الحقوقي التشادي شريف جاكو، المقيم في باريس، أكد بدوره هذه المعلومات، مضيفاً: “لديَّ معلومة بأن الإمارات استطاعت، عبر وكلاء من رجال الأعمال الأفارقة المقيمين بالخليج، تجنيد أكثر من 150 شاباً تشادياً من الجالية المقيمة بمدينة سبها (جنوب ليبيا)، والذين يتحدثون العربية بطلاقة، وملامحهم تشبه إلى حد كبير، ملامح الإماراتيين”.
جاكو يؤكد أن المجندين تم الزج بهم في حرب اليمن، وأنه كناشط حقوقي يتابع هذه القضية من مدة، معتبراً أن ما تقوم به الإمارات يندرج في إطار “الرق والاتجار بالبشر”. ويطالب الناشط الحقوقي المجتمع الدولي بالتحرك العاجل لمنع هذه “الجريمة المروعة، القائمة على استغلال الفقراء وزجّهم في حروب دموية ليموتوا لصالح الأغنياء”، ويؤكد أنه يتوافر على ملفات موثقة لشباب تم “خداعهم والتغرير بهم وزجّهم في المناطق الساخنة باليمن ليموتوا”.
وتعيش في كل من تشاد والنيجر قبائل عربية كبيرة، مشتركة مع ليبيا والسودان، تقدَّر نسبتها في تشاد بـ 40%، وفي النيجر بـ 20%. ورغم ذلك، فإن الدولتين خارج جامعة الدول العربية، رغم أن تشاد – على سبيل المثال – ينص دستورها على أن اللغة العربية لغة رسمية إلى جانب الفرنسية، ويسمى الناطقون بالعربية في تشاد بـ”العربفونيين”، بينما يسمى الناطقون بالفرنسية بـ”الفرانكفونيين”.