سياسة سلطنة عُمان دائما يتم وصفها بأنه “محايدة”، بحيث أن هذه الدولة الخليجية لا تتدخل في شؤون الدول وتتبع دبلوماسية هادئة في حل مشاكلها الإقليمية والدولية، لكن كلمة “محايدة” قد تحمل معنى سلبي أو إيجابي، بمعنى أن حياد هذه الدولة قد يضر بمصالح بعض الدول ويساهم في حلحلة أزمات دول أخرى.
ويمكننا الاجتهاد والقول بأن سياسة عُمان تشبه المياه الجارية التي تروي كل ما يحيط بها، من مبدأ أن هذا الخير الذي تقدمه للدول على اختلاف مصالحها سيعود عليها وعلى شعبها بالخير، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فهذه المياه العمانية الجارية تتعرض هذه الأيام لحملة شرسة من “الإمارات والسعودية” لتجفيفها ومنعها من الوصول إلى أهدافها وتعويم أهداف كل من أبو ظبي والرياض على هذه المياه وتلويثها وحرفها عن مسارها من بوابة محافظة المهرة اليمنية التي وجدت فيها كل من السعودية والإمارات خاصرة رخوة يمكن من خلالها توجيه طعنة لسلطنة عمان وسياستها التي تنتهجها في اليمن والإقليم ككل والتي شكلت بشكل أو بأخر صفعة للمشروع السعودي_الإمارتي في المنطقة، حيث ساهمت السلطنة في تجفيف المياه التي يريد الأخطبوط الإماراتي _ السعودي العيش فيها على حسابه وأوقفت مخططاتها في المهرة حتى اللحظة على الأقل.
كيف أثارت سلطنة عُمان حنق السعودية والإمارات عليها وهل كانت تقصد ذلك؟!
في البداية دعونا نلخص لكم السياسة العُمانية من على لسان السلطان قابوس نفسه وكما تحدث عن سياسة بلاده في تصريح لجريدة السياسة الكويتية منذ عشرة أعوام، حيث قال: “نحن لا نصب الزيت على النار في أي اختلاف في وجهات النظر مع أحد” و”ليس لنا أي منغصات مع أحد لا في الإقليم أو خارجه، نحن دولة سلام وحتى إذا ما غضبنا فإننا نغضب في صمت والزمن كفيل بحل المشكلات وكلام ربنا يقول ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم”.
كلام السلطان قابوس واضح في هذا الإطار، وما تريده اليوم الإمارات والسعودية هو جر عُمان إلى مستنقع حرب مباشرة من بوابة اليمن وإخراج السياسة العمانية عن مبادئها، لتغيير الوجه الدبلوماسي المحايد لـ”عُمان” لمجموعة من الأسباب سنلخصها بالتالي:
أولاً: الخروج من تحت العباءة السعودية هو خط أحمر للملك السعودي الذي يعتبر نفسه صاحب القرار الوحيد بين الدول الخليجية ويملك سلطة على جميع دول مجلس التعاون، ولكن هذا التفكير سقط بعد “أزمة قطر” ورفض سلطنة عُمان الانصياع لقرارات السعودية في مقاطعة “قطر” و”إيران” و”الحكومة السورية” وغيرها من الملفات الشائكة الأخرى التي برز فيها السلطان قابوس سلطانا بكل معنى الكلمة وصاحب مبدأ ورأي لا يتبع لأحد سو لمصلحة شعبه وبلاده وعلاقات حسن الجوار.
ثانياً: موضوع العلاقة مع إيران حساس جدا بالنسبة للسعودية التي تحرض جميع دول العالم ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية ولم تكن الرياض يوما مرتاحة من طبيعة العلاقة بين طهران ومسقط، خاصة ان الأخيرة ساهمت إلى حد كبير في منع تدهور العلاقة بين دول مجلس التعاون وايران وسعت مرارا لإجراء محادثات تخفف من حدة التوتر بين الاثنين وكان لها ايادي بيضاء في ملف الاتفاق النووي الإيراني.
وفي عام 2016 أفادت تقارير إعلامية رسمية في إيران، بأنه تم إطلاق سراح البحارة الأمريكيين العشرة الذين تم احتجازهم في وقت سابق بسبب دخولهم المياه الإقليمية الإيرانية على متن زورقين تابعين للبحرية الأمريكية وترددت أنباء عن توسط عمان لإطلاق سراحهم.
وتقيم سلطنة عمان مع ايران مناورات عسكرية مشتركة بين الفينة والأخرى في المياه الخليجية، كان أخرها في 8 نيسان من العام الماضي، وقبل اجراء هذه المناورات رفضت سلطنة عمان اجراء مناورات عسكرية مع جيرانها الخليجيين في الكويت حملت اسم “حسم العقبان” وهذا الأمر لم يسعد السعودية ابدا.
ثالثاً: في سوريا أيضا لم يكن موقف سلطنة عمان من الأزمة السورية يتماشى مع ما كانت تريده السعودية منها، فالسلطنة لم تقطع علاقاتها مع الحكومة السورية ورفضت عمان تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية وظلت السفارة العمانية تفتح أبوابها في دمشق رافضة كل الضغوط والإملاءات التي وجهت إليها، ومع مرور الزمن أثبت للجميع صواب الموقف العماني نظرا لتمكن سوريا من القضاء على مشروع تقسيمها والقضاء على داعش والسيطرة على غالبية مساحة سوريا.
رابعاً: يمكننا هنا أن نتحدث عن موقفها في كل من ” الأزمة الخليجية، اليمن” حيث كان موقف السلطنة واضحا في الأزمة الخليجية برفض مقاطعة قطر وإبقاء سفيرها هناك وعدم الانحياز للمقاطعة الخليجية لها.
في اليمن أيضا أبقت السلطنة على سفارتها في صنعاء، وساهمت إلى حد كبير في دفع اليمنيين للجلوس إلى طاولة حوار واحدة، وكانت ترى ان العنف في اليمن لن يجلب سوى العنف، ما دفعها لرفض المشاركة فيما يسمى “التحالف العربي”، والآن وبعد فشل هذا التحالف في تحقيق أهدافه إن كان له أهداف في اليمن تسعى كل من السعودية والامارات إلى جر السلطنة لكي تتلطخ ايديها في الدماء هناك وهذا تتعامل معه مسقط حتى اللحظة بذكاء سياسي فريد لتجنب الانجرار إلى ما يرده التحالف.
ختاماُ؛ ليس من السهل توريط سلطنة عمان في مخططات سعودية_إماراتي لكونها تعي جيدا أين تكمن مصلحتها ومصلحة شعبها، ولكن لا نستطيع ان ننفي في الوقت نفسه سعي كل من أبوظبي والرياض لتوريط مسقط وجرها إلى منزلق خطير يشوه صورتها على المستوى الدولي والإقليمي ولذلك لابد من توخي الحذر.
(الوقت التحليلي)