رصدها / رشيد البروي // وكالة الصحافة اليمنية//
“تخلص مني زوجي بالطلاق بعد ان اُصبت بسرطان الثدي وسرطان الرحم وصرتُ عديمة الفائدة ولم يكتفي بهذا فحسب بل تركني مع أولاده الخمسة دون أن يلتفت الينا ولو بفتات الطعام أو المال”. هكذا استهلت قصتها المأساوية “سحر عبدة علوان” التي اتخذت من بيع قنينات البترول البلاستيكة – فيما يسمى بالسوق السوداء- مهنة قد تساعدها في توفير لقمة العيش.
صورة لبائعة البترول (سحر عبدة علوان)
“سرطان القهر والفقر”
ما بين سرطان الرحم وسرطان الثدي الذي فتك بـ سحر علوان” البالغة من العمر 40 عامًا، هنُالك سرطان تحجر في قلبها وترجمته عيناها المٌستعرة بالدموع انهُ سرطان القهر والفقر والحاجة، القهر الذي تلقته من زوجها الذي طلقها بعد عُشرة طالت الـ العشرة أعوام، والوجع الذي يتأجج في امرأة ضعيفة هشة تحاول مقاومة الحياة ولو بالإهانة على الشوارع والممرات، وسرطان الفقر والحاجة الذي نهش فيها وفي فلذات كبدها الخمسة واجبرها على بيع البترول مع أبنائها لتوفير لقمة العيش وتسديد ايجارات المنزل.
بحرقة تتأجج من عيناها وحشرجة البكا تقول سحر لـ “وكالة الصحافة اليمنية “: تخلص مني زوجي وانا الذي احببتهُ، تخلص مني وانا أم أولاده الخمسة، تخلص مني وانا من عاشرته عشرة أعوام، تخلص مني وانا الذي رضيت بالعيش معه على اية حال وفي أية مأوى، لقد تركني انا واولاده لا لشيء سوى انني مصابة بالسرطان، تركني خوفا من عدوى المرض الذي ربما يصل اليه، حسب ماقال لي هو بلسانه ولسان والدته “.
تواصل حديثها: لم يكن بيني وبينه أية كراهية إلا بعد ان أصبت بالسرطان (سرطان الثدي وسرطان الرحم) وهذا هو السبب الأول والأخير لطلاقي منه بجانب صعوبة توفير الادوية لي والبهذلة بين احضان المستشفيات.
من بيع اللاشيء الى بيع البترول.
بعد 5 سنوات من الطلاق والفقر المدقع الذي فتك بمعظم الأُسر اليمنية في ظل سنوات من الحرب الدامية على اليمن، كانت سحر مع أولادها تعكف على فتات الأطعمة التي تتلاقها من الجيران أو يأتي بها أبيها تارة او ما يتفضل به عمال المنظمات تارة أخرى.
وفي العام الرابع انتقلت سحر من بيع اللاشيء إلى بيع البترول على رصيف شارع الحصبة بالعاصمة صنعا.. تقول سحر: “لقد غادرت محافظة الضالع مدينة زوجي صوب صنعاء مدينة أبي الذي احتضني مع أولادي الخمسة، ورغم حالة أبي الصعبة وظروفه القاسية إلا انه استأجر لي شقة بـ ٣٥ الف ريال وعشت اكثر من 5 سنوات تحت ستر الباري لا يعلم بحالتي الا الله.. وفي ظل الحرب اشتدت الازمة على اهلي واشتد المرض عليا يوما بعد يوم ولم يعد ابي الذي يعمل حمال مع أحد التجار يستطيع توفير قوت اخوتي ناهيك عن قوت اولادي”
على هذه الحالة تواصل سحر قائلة “وفوق هذا كله لقد كان المؤجر يهددني كل يوم بالطرد من منزلة وصعوبة شراء علاجي والفقر الذي ينهش ابنائي وينهشني ليل نهار حتى هذه اللحظة .. كل هذه الأشياء هي من اجبرتني على البحث عن مهنة اعمل فيها حتى أتمكن من تأمين قوتي وقوت اولادي ولم أجد غير مهنة بيع البترول في الشوارع بعد ان دلني عليها أحد الجيران ممن يعملون على الدراجات النارية والحمد لله انني نجحت في تأمين لقمة العيش ولو بالقليل وكل ما أهمه الآن سداد ايجار المنزل فقط فصاحب المنزل يهددني بالطرد في حالة تأخر الفًا واحداً”
وجع على الرصيف.
على موتور ثلاثي الإطارات تقعد “سحر” امامها قنينات البترول البلاستيكية ذات الأحجام المختلفة، بجانبها على الرصيف بناتها الثلاث، اكبرهن لا تتجاوز الـ 10 أعوام والتي كانت ترتدي زيًا مدرسيًا أما البنتان الصغيرتان فقد افترشتا أكياس الاسمنت الفارغة وألتحفتا كومة من الملابس الرجالية الكبيرة تحت ظل الأشجار الممتدة اغصانها من حديقة الثورة الى الشارع الأسفلتي، تردف سحر حديثها قائلة: اعمل في بيع البترول منذ عام تقريبًا – في شارع الحصبة تقاطع المطار – وقد استأجرت هذا الموتور بـ ٧٠٠ ريال يوميا، ويقوده لي إلى هذه المنطقة احد أبناء الجيران.
تواصل حديثها: لدي ثلاث بنات وولدان، الولدان اخذهما والدهما الى الضالع وترك لي هؤلاء الثلاث البنات أعولهن وهذه أبنتي تدرس في الصفوف الأولى لعلها تنجو من ظلم هذ الحياة ومن هذه التعاسة، وسأظل اعمل في بيع البترول إلى أن يكمل السرطان ما بدأه حتى الموت.