المصدر الأول لاخبار اليمن

هكذا تنتصر الإمارات على السعودية في اليمن!

وكالة الصحافة اليمنية//

بعد زيارة السفير السعودي لمدينة عدن الشهر الماضي، وعد أن بلاده ستدعم البنك المركزي باثنين مليار دولار، وأنها ستدعم انعقاد البرلمان، وعودة الحكومة، الأمر الذي دفع بـ “حكومة بن دغر” لإعلان ميزانية سنوية لأول مرة منذ ثلاثة أعوام، ميزانية تشطيرية لم تشمل سوى المناطق التي سيطرت عليها قوات التحالف.

ولم تمر سوى أيام حتى تبخرت الوعود السعودية لتشهد مدينة عدن اشتباكات عنيفة بين كل من قوات هادي المدعومة من السعودية وقوات “المجلس الانتقالي” المدعومة من الإمارات، اشتعلت حرب في عدن بإشراف مباشر من أبوظبي، هدفت تلك الحرب الى شل أقدام السعودية في اليمن، لكن الحرب انتهت بلا منتصر هزم فيها الطرفين، عدن كمدينة والسعودية كقائد للتحالف.

جرت الحرب بصورة عشوائية، ظهر القادة الجنوبيين مشوشين وبخطابات مضطربة، لدرجة أن الاعلام المساند لهم شهد اضطرابا هو الآخر، فالحرب التي كانت لطرد “القوات الشمالية” ولطرد قوات هادي كانت أيضاً لتغيير الحكومة وللشراكة معها في نفس الوقت، كانت لطرد هادي وللدفاع عنه أيضاً، لطرد “المحتل الشمالي” ولتحرير صنعاء أيضاً !

الأهم في تلك الحرب وفيما يجري اليوم في عدن هي الغنيمة التي وقعت عليها الإمارات في جنوب اليمن ولا تريد أن تتقاسمها مع أحد، بل على العكس تبدو لغنيمة بالنسبة للإماراتيين وكأنها غير كافية، ولذلك تعمد الإمارات الى الاحتكاك بالقوات الموالية للرئيس المستقيل هادي في حضرموت بواسطة “النخبة الحضرمية” التي أنشأتها ومولتها من الصفر، وفي كل مرة تقاتل أبوظبي في اليمن تصدر للخارج ذريعة محاربة القاعدة والإرهاب، وفي كل مرة تقوض الإمارات شيئاً ما وتثير احتجاجا تقوم بتصوير نفسها على أنها تحارب الإرهاب.

فقبل أيام قليلة أقدمت الإمارات على منع وزير النقل في حكومة الرئيس المستقيل من وضع حجر أساس لميناء بحري في محافظة شبوة، وسرعان ما أصبح الحدث قضية رأي عام في الداخل والخارج، لكن الإمارات ردت على الاتهامات التي وجهت لها بطريقتها المعهودة، إذ قالت أن قوات “النخبة الشبوانية” تقوم بعملية واسعة في محافظة شبوة ضد عناصر تنظيم القاعدة، مع إن المعلومات التي وردت من شبوة أكدت على أنه لم تحدث أي معركة أو اشتباكات رغم استعراض الامارات بأكثر من مائة عربة عسكرية، كما أشار أحد صحفيي حضرموت الى ما أسماها بالـ “فانتازيا” التي تمتاز بها الحرب على الإرهاب وتم اعتقاله بعدها مباشرة، وعقب الاستعراض العسكري الاماراتي في صعيد شبوة التقى ضباط إماراتيين بمسؤولين أمريكيين في منطقة المسحة في صعيد شبوة، وتم اطلاعهم على نتائج العمليات التي تقوم بها الإمارات في المحافظة.

ولأن الأمريكيون يعرفون سلوك شركاؤهم، لذلك فهم يقبلون بتبادل الخداع بينهم وبين الإماراتيون، فالإماراتيون في مناطق أخرى يقدمون صنيعاً حقيقياً للاستراتيجية الأميركية وذلك ما يهُم. وإذا خاضت الإمارات عشرة حروب مفبركة ضد القاعدة في اليمن وحرباً واحدة صحيحة فإن تلك الصفقة تبدو جيدة.

وبحسب “دويتشه فيلله” فإن نائب الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن قال في محاضرة حديثة له ألقاها في جامعة هارفارد “مشكلتنا حلفاؤنا”، وحدثهم عن ثلاث دول كانت هي مصدر سلاح الجماعات الإرهابية في سوريا: السعودية والإمارات وتركيا، وأضاف ” ليس بوسع أميركا معاقبة حلفائها، فهم من نواحٍ أخرى جيدون بالنسبة لاستراتيجيتنا”.

وبحسب  بول كروغمان الحاصل على جائزة نوبل في كتابه “عودة اقتصاديات الكساد الكبير” الذي قال “إن النهضة الاقتصادية في كوريا الشمالية واليابان كانت من العناصر الحاسمة في زعزعة المشروع السوڤيتي وهزيمته في آخر المآل. حيث كانت الدولتان تقدمان صورة مبهرة من الرفاة والعدالة استطاعت من خلالها أن تفسد النظرية السوڤيتية في قعر دارها”.

لذلك فإن القول أن “الحوثيين” جماعة انقلابية مجرد بروباغاندا فاترة إذا كانت الصورة القادمة من عدن المحررة تؤكد أن المدينة التي سيطر عليها التحالف هوت في الفوضى الأمنية والسياسية والعسكرية.

لقد تلقت السعودية ضربة قاسية في مدينة عدن أظهرت بأن حربها انتقامية من جهة، وتصفية طائفية من جهة أخرى، فالرياض التي تزعم انها تهدف من خلال حربها إلى خلق استقرار في الدولة الجارة التي تفوقها من حيث عدد السكان وجدت نفسها تستمر في إلقاء القنابل على أرض مترامية الأطراف، متورطة في قتل وإصابة مدنيين وتدمير بنية تحتية دون أن تتمكن من تقديم إجابة واحدة تشرح للعالم لماذا تواصل فعل ذلك. سرعان ما فقدت تلك الحرب قيمتها الأخلاقية بالنظر إلى النتيجة الهدامة للانتصارات، عدن مثالاً.

وإذا اعتمدنا الأرقام التي اعلنها “مركز سلمان للإغاثة” الذي قال أن المملكة قدمت مساعدات لليمن بواقع 13.4 مليار دولار خلال العامين الماضيين، سنعرف بأن تكلفت الحرب السعودية على اليمن باهضة جداً، ومن الصعب الحصول على أرقام في الوقت الحالي، غير أن الخسارة الكبرى للسعودية تتمثل في انهيار سمعة السعودية على الصعيد الدولي، وتحولها إلى دولة مارقة في الإعلام الأوروبي على الأقل. فهي، كما نقرأ في يوميات الصحف، دولة قررت أن تلقي القنابل على أفقر دولة في العالم الثالث بلا سبب.

وعلى عكس الرياض تتخفى أبو ظبي تحت ذرائع محاربة الإرهاب، وبالرغم من أنها قامت بواحدة من أكبر عمليات الإنزال العسكري في المنطقة للسيطرة على عدن، إلا أنها تقدم نفسها للعالم باعتبارها حاجز صد وحيد ضد الإرهاب في شبه الجزيرة العربية، وكأن لا علاقة لها بالحرب التي تخوضها السعودية ضد اليمن منذ ثلاث سنوات، الأمر الذي دفع دول غربية للامتناع عن تصدير السلاح للسعودية في الوقت الذي تستمر ببيعه للإمارات.

تستمر الإمارات بإفساد اليمن والسيطرة على جزره وموانئه بشكل شبه خفي، فيما يطوف القادة الجنوبيين العالم للحديث عن النموذج المشرف للسلام والعدالة الذي أنجزته الإمارات في مدنهم الجنوبية.

وانطلقت مؤخراً حملة تغريدات في “تويتر” للمطالبة بانفصال حضرموت، أكد صحفيين جنوبيين أن الإمارات هي من تقف وراء تلك الحملة، وبحسب مراقبين فإن انفصال حضرموت ليس نهاية المطاف في عملية تفكيك اليمن، مع وجود خطاب داخل حضرموت يقسم المحافظة نفسها الى “حضرموت الساحل الآمنة” و”حضرموت الوادي الإرهابية”، وهي متتالية عملياتية من التشظي يقف وراءها التحالف العربي الذي تقوده السعودية، وعملياً ليست سوى هزيمة مرة للسعودية في اليمن، إذ ما الذي ستجنيه دولة كالسعودية، سوى السمعة المدمرة، عندما تسفر حربها الطويلة عن تفكيك أفقر البلدان وأضعف الجيران إلى دويلات وجيوش!

تكلفة باهضة دفعتها السعودية بسبب الإمارات، والمشي خلفها، فبعد أن استطاعت السعودية عقد قمة إسلامية من ٥٥ دولة، ربيع ٢٠١٧. توصلت تلك الدول إلى بيان من ثلاث نقاط يؤكد في اثنتين منها على التسامح الديني ومكافحة الإرهاب. لكن المشكلة القطرية انفجرت بعد القمة بساعات مقوضة المكتسبات الأخلاقية التي أحرزتها السعودية. قال بن سلمان إنها مشكلة “صغيرة جداً جداً جداً”. الواقع إنها ليست صغيرة فقد اشتبكت الدبلوماسية السعودية بعشرات الدول الإسلامية التي رفضت الخضوع للابتزاز في مسألة العلاقة مع قطر، وكانت من نتائجها الضمور الحاد للعلاقة مع دولة كبيرة مثل تركيا والتلاشي التلقائي لأثر القمة. أرادت السعودية أن تقدم نفسها، تلك الليلة، بحسبانها زعيمة العالم الإسلامي في مكافحة الإرهاب والتسامح الديني. لكن اشتباكها مع قطر، والعدوان الشامل المبالغ فيه ضد الجارة الصغيرة، أعاد إلى الأذهان الصورة المستدامة للسعودية. بقيت من تلك القمة عقود السلاح، وذهب بيان التسامح إلى غير رجعة.

وبعد مرور عام كامل من تلك القمة حافظت السعودية على صورتها الحقيقية : دولة كبيرة تحارب في اليمن لأسباب دينية ومذهبية، وتنفذ أجندة ومخططات أمريكية واسرائيلية، لا علاقة لها بالتسامح، وتدعم في جنوب اليمن تنظيمات سلفية هي الحديقة الخلفية لأي تنظيم إرهابي، وأياً كان ما سيقوله السعوديون فإن هذه الصورة الختامية لدولتهم لا يمكن محوها بسهولة.

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com