متابعات | وكالة الصحافة اليمنية //
وجدت السعودية في دعوة الأمم المتحدة إلى وقف إطلاق النار فرصة مواتية للتخفّف من أعباء الحرب.
انتظرت لتترجم الدعوة على شكل اتفاق بين وكلائها اليمنيين وصنعاء، تكريساً لسرديتها أن حرب اليمن «حرب أهلية».
طال الانتظار مع تمسّك صنعاء بشروطها، حتى اضطرّت الرياض أخيراً إلى اتخاذ قرار وقف إطلاق النار والعمليات العسكرية من طرف واحد، وعدم التفريط بالفرصة، وهو ما سارعت إلى رفضه صنعاء، بما أنه لا يتضمّن اتفاقاً شاملاً غير مؤقت.
تتالت، ليل أمس، التسريبات من مختلف وكالات الأنباء العالمية بشأن نيّة الرياض إعلان وقف إطلاق نار في اليمن، سرعان ما أكده المتحدّث باسم التحالف السعودي بإعلان وقف شامل لإطلاق النار لمدة أسبوعين قابل للتجديد.
الإعلان لم يكن مفاجئاً للمتابعين، وهو وإن تأخّر عن دعوة الأمم المتحدة إلى وقف إطلاق نار لتفرّغ الأطراف لمواجهة التفشي المحتمل لوباء كورونا في اليمن، فإن السعودية كانت أكثر المتحمّسين للمبادرة «الفرصة».
جميع حسابات المملكة كانت تدفع بهذا الاتجاه، سواء تلك الداخلية المتعلّقة بالانهماك لمواجهة «كورونا» أو حرب النفط التي هوت بمناعتها الاقتصادية، أو حساباتها الخاصة بحرب اليمن ذاتها، حيث المراوحة والاستنزاف وتبدّل قواعد الاشتباك لغير مصلحتها منذ ضربة «أرامكو» أيلول الماضي.
في أعقاب هجمات «أرامكو»، سادت تهدئة يمنية سعودية، اقتصرت على تجنّب العمليات الحربية المتبادلة (القصف مقابل الصواريخ والمسيّرات).
لا تزال الرياض تلتزم بالمعادلة الجديدة، رغم الخروقات الكبيرة التي أوحت بانهيارها.
ورغم تفعيل ضرباتها الجوّية في معركتَي الجوف ومأرب وقصف صنعاء أخيراً، فإنها كانت تبعث برسائل طمأنة عبر قناة تواصل مع حركة «أنصار الله»، تشدّد فيها على أن عملياتها بدافع الإحراج أمام حلفائها المحليين الذين منوا بانتكاسة في جبهات شرق العاصمة صنعاء، وليست في وارد العودة إلى التصعيد.
يضاف إلى الحسابات السعودية الحاجة إلى فرملة اندفاعة قوات صنعاء باتجاه مأرب (العاصمة النفطية لليمن)، حيث تقترب من إحكام طوق حول المدينة، ولا سيما في ظل تصدّع صفوف حلفائها المحليين وانكفاء حليفها الإماراتي.
على أن السعودية، رغم هذه الحسابات الدافعة إلى التهدئة، لم تصل بعد إلى قرار بإيقاف الحرب بلا انتصار صار أبعد من أي وقت مضى.
في المقابل، ما يجعل وقف إطلاق النار من طرف واحد حتى الآن في ظل تحفّظ صنعاء هو الحسابات اليمنية التي تنصبّ على هدفين:
الأول، الإصرار على تثبيت المعادلة مع السعودية والتي أرستها ضربة «أرامكو».
الثاني، عدم القبول بوقف شكلي لإطلاق النار لا يقدّم شيئاً على الأرض سوى مناورة لفرملة مجانية للإنجازات الميدانية في مأرب.
وعليه، قدّمت صنعاء للأمم المتحدة مبادرة مقابلة، بعنوان «مقترح الحل الشامل لإنهاء الحرب على الجمهورية اليمنية» على شكل وثيقة تُرك في آخرها مكان لتوقيع الطرفين (دول التحالف واليمن).
ويتضمّن المقترح وقف إطلاق نار شامل ووقف جميع العمليات الحربية (أولاً)، ورفع الحصار البري والبحري وإنهاء الحظر الجوي والمعالجات الاقتصادية والإنسانية (ثانياً)، إضافة إلى فقرة ثالثة تتعلّق بالعملية السياسية اليمنية – اليمنية.
توقيت إعلان المقترح، عقب التسريبات بشأن وقف إطلاق النار، وطبيعة المقترح الذي يتضمّن حلاً شاملاً وإيقافاً كاملاً للحرب، بعثت كل هذه المؤشرات برسالة واضحة: صنعاء ترفض أي وقف إطلاق نار عابر.
قدّمت صنعاء مبادرة مقابلة بعنوان «مقترح الحل الشامل لإنهاء الحرب»
بالعودة إلى المبادرة السعودية، فإن النص المقدّم من قبل الرياض للأمم المتحدة يتضمّن أكثر مما هو معلن عن هدنة أسبوعين.
إذ ينصّ على وقف إطلاق النار وفتح المطارات والطرق الرئيسية ودفع رواتب الموظفين وضمان سلامة ناقلات النفط وتسهيل حركة السفن التجارية وإطلاق سراح الأسرى.
وبهذه المقترحات، تكون الرياض قد قدّمت «الكثير» نسبة إلى مواقفها المتعنتة السابقة، وهي تظهر بذلك إغراءات لصنعاء لقبول المبادرة.
لكن، رغم كل ما تقدّم، تتمسّك صنعاء، حتى الآن، برفض وقف إطلاق النار الموقت، الواضح أنه ضغط باتجاه الحصول على ما هو أكثر ولضمان ألّا تكون المبادرة السعودية مناورة التفافية تفرمل تطورات الميدان، ولا سيما في مأرب، وتسمح للمملكة المنهكة بالتقاط أنفاسها.
المصدر: جريدة “الأخبار” اللبنانية.