متابعات // وكالة الصحافة اليمنية //
سلطت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية الضوء على إنفاق صندوق الاستثمارات العامة التابع للحكومة السعودية مليارات الدولارات بالخارج في الوقت الذي تمر المملكة بأزمة اقتصادية طاحنة جراء أزمتي انخفاض أسعار النفط وجائحة كورونا.
وذكرت الصحيفة، في تقرير مطول أنه بالرغم من المعاناة الاقتصادية، وفرض المملكة إجراءات تقشفية على شعبها، أنفق صندوق الاستثمارات العامة خلال هذا العام فقط 325 مليار دولار على صفقات خارجية.
وأشارت الصحيفة في هذا الإطار إلى ما قاله “ياسر الرميان”، محافظ صندوق الاستثمارات العامة، في شهر أبريل/نيسان المنصرم خلال ضم عدد من المصرفيين والمستثمرين عن استغلال أزمة كورونا في تنفيذ استثمارات.
وقال “الرميان”: لن نضيع استغلال أي أزمة.. إن فرصاً استثمارية عديدة ستنشأ عن انقضاء أزمة فيروس كورونا.. هناك اقتصادات ستعمل، وسنرى كثيرا من الفرص”.
ولفتت الصحيفة إلى أن تصريحات “الرميان” لم تكن مجرد كلام، فلم يتردد الصندوق من أي فرصة استثمارية منذ أن وقعت تحت سيطرة “محمد بن سلمان”، ولي العهد قبل خمسة أعوام. وتريد أن تكون المستثمر الأكثر تأثيرا وأكبر صندوق سيادي.
وأوضحت أنه في الوقت الذي أضعف فيه فيروس كورونا الاقتصاد حول العالم، زاد صندوق الاستثمار السعودي من العجلة كي تصبح أنشط صندوق سيادي، وسط فزع عالمي بسبب الوباء.
وأشارت الصحيفة إلى أنه بعد ثلاثة أيام من حديث “الرميان”، أعلنت السجلات المنظمة في أمريكا عن أكبر مراهنة سعودية على شركات تأثرت بالأزمة العالمية، حيث استحوذت بسرعة على 5.7% أو 500 مليون دولار من شركة الترفيه الأمريكية “لايف نيشن”.
وقبل ذلك بأسبوع اشترت 7.3 من شركة السياحة البحرية “كارنيفال” بشكل جعلها المساهم الثاني الأكبر شركة النقل البحري الكبرى. واستثمر الصندوق في حوالي 20 شركة معروفة في الولايات المتحدة وأوروبا مثل “بي بي” البريطانية و”رويال داتش” الهولندية و”توتال” و”بيونج” و”سيتي جروب” و”ديزني” و”فيسبوك” حيث استحوذت على حصة صغيرة بلغت قيمتها في الأشهر الثلاث الأولى من العام 7.7 مليار دولار.
وهذه هي فقط الاستثمارات التي تم الإعلان عنها، ففي إطار منفصل قاد الصندوق مجموعة استثمارية لشراء نادي “نيوكاسل يونايتد” بـ 300 مليون جنيه استرليني.
النتيجة بعد 3 أعوام
وتعليقا على جدوى الاستثمارات المتتالية التي استغلت أزمة كورونا نقلت الصحيفة عن مصرفي بارز يعمل في لندن قوله: إنهم منخرطون مع المستثمرين ويحصلون على فرص واحتياجات رأسمالية كبيرة تعطيهم منفذا إلى الأعمال”
وتساءل المصرفي: هل هذا تعجل أم أمر جيد؟ لن نعرف إلا بعد 3 أعوام.
ووفق الصحيفة فإن صندوق الاستثمارات العامة يقول إنه يقوم بالبحث عن الفرص للاستثمار في الشركات القوية وبنظرة طويلة الأمد لكي تصبح قائدة في المجال عندما تعود النشاطات الاقتصادية إلى مستواها قبل الوباء.
غير أن هذه الفورة في النشاط والمشتريات وابرام الصفقات الخارجية أدت إلى مزيد من التدقيق في هذا المستثمر الدولي الناشئ.
وأصبح الصندوق في مقدمة جهود “بن سلمان” لتخفيف اعتماد المملكة على النفط، لكن ذلك جعله محلا للخلاف، فعلاقتها بولي العهد يعني أنها ستظل ملطخة بجريمة قتل الصحفي “جمال خاشقجي” عام 2018، ودخل الأزمة بسجل استثماري متباين.
وقال منتقدون إن الصندوق أصبح أداة شخصية بيد “بن سلمان”، دولة داخل دولة، والتي تهدد بمزاحمة القطاع الخاص في المملكة -في محاولتها البحث عن مشاريع بمليارات الدولارات والمهددة بالفشل- حتى لو راهنت على استثمارات في الخارج. أما الداعمون للنشاط الاستثماري فيقولون إنها ضرورية لتوفير الحاضنة والتنمية للصناعات الجديدة لتحفيز التنويع الاقتصادي.
انفصام يعقد التعافي
وتساءل البعض عن جدوى “إسراف” المال في استثمارات خارجية والبلد يواجه أسوأ أزمة اقتصادية لم تمر عليه منذ عقود، فهل هذه استثمارات انتهازية أم استراتيجية؟ ولماذا الاستثمار في شركات النفط مع أنها مفوضة لتنويع الاقتصاد؟ وهل عليها تقديم الأولوية في الاستثمار بالسوق المحلي الذي يكافح من أجل البقاء.
وقال “جون سفاكانكس”، الخبير بشؤون الخليج بجامعة كامبريدج: هناك انفصام بين الوضع المالي المحلي المتردي والاستثمارات الخارجية المستمرة.
وأضاف أن هذا “يعقد التعافي الاقتصادي بسبب المصادر المالية المحدودة”.
وتواجه المملكة بسبب أزمة فيروس كورونا وانهيار أزمة النفط أزمة مزدوجة، ولهذا خفضت رواتب الموظفين وزادت من ضريبة القيمة المضافة إلى ثلاثة أضعاف.
ورغم بقاء المملكة أكبر مصدر للنفط في العالم ولديها احتياطي من الأرصدة الأجنبية بـ 470 مليار دولار، إلا أنها بحاجة لتوفير الكم الأكبر منها من أجل الحفاظ على قيمة الريال مقابل الدولار.
وقال مصرفي خليجي بارز “يجب على بن سلمان أن يكون حذرا في الإنفاق، فالمواطن العادي يراقبه ولن يرضى دفع رواتب لاعبي الكرة من أصحاب الملايين من أموال ضريبة القيمة المضافة على السلع”.
إلا أن “الرميان” الذي يدير الصندوق منذ عام 2015 ومن أقرب الأشخاص لـ”بن سلمان”، يرى أن هذه هي لحظة الصندوق كي تتوسع وتبني سمعتها حيث تطمح ببناء أرصدة بتريليوني دولار مع حلول عام 2030.
ونقلت الصحيفة عن بعض الاقتصاديين أن استثمارات كـ”لايف نيشين” و”كارنيفال” تناسب رؤية “بن سلمان” لبناء قطاع ترفيهي وسياحي في المملكة. ذلك أن الصناديق السيادية مثل مبادلة استخدمت حصصها في الشركات لكي تجذب المشاريع والمبادلات المشتركة إلى السوق المحلي.
وقال محلل مقرب من البلاط الملكي السعودي، إن هيئة الاستثمار العام لم تنجح بجذب سفن سياحية إلى البحر الأحمر، حيث يقوم الصندوق بتمويل مدينة نيوم بـ 500 مليار دولار، وفكرت بإنشاء شركة للنقل السياحي ولكنها تخلت عنها بسبب الكلفة”.
وتابع المحلل” بعد هبوط أسهم كارنيفال “يشعرون أنهم اشتروا بتخفيضات كبيرة وسيمنحون كارنيفال فرصا تجارية وسيعود السوق تدريجيا إلى ما كان عليه”.