متابعات // وكالة الصحافة اليمنية //
يثير الانهيار الحالي في أسعار النفط تساؤلات حول متانة ربط الريال السعودي بالدولار الأمريكي، وبالرغم من الصدمة الاقتصادية الناتجة عن وباء “كوفيد-19″، فمن المرجح أن يظل الربط قائما على المدى القريب.
لكن التغييرات الهيكلية في كل من سوق النفط العالمي والاقتصاد السعودي تعني أن الرياض ستخفض على الأرجح عملتها في مرحلة ما في الأعوام الـ5 المقبلة، حيث لن تتمكن المملكة هذه المرة من الاعتماد على الانتعاش الكامل في أسعار صادراتها النفطية في تجديد الاحتياطيات المالية الضخمة التي تدعم قدرتها على الاستمرار في ربط عملتها بالدولار.
وفي السابق، أظهر ربط الريال السعودي بالدولار الأمريكي استقرارا كبيرا للغاية، حيث لم تنخفض قيممة العملة السعودية مقابل الدولار منذ عام 1986.
ولعدة عقود، كان ربط العملات بالدولار الأمريكي يخدم الرياض ودول الخليج العربي الأخرى الغنية بالطاقة، نظرا لتسعير معظم المعاملات النفطية بالدولار.
وتتمثل الفائدة الرئيسية لنظام ربط العملات في أنه يكبح جماح التضخم، ويخلق بيئة مستقرة للغاية، مع مخاطر صرف محدودة، بالنسبة للشركات الأجنبية، كما يحمي المستهلكين المحليين من التقلبات في أسعار السلع المستوردة.
ومع ذلك، تفقد البلاد التي تعتمد على أنظمة ربط العملات الاستقلالية في السياسة النقدية، وبالنسبة للرياض، فإن هذا العيب يقابله تقليديا حقيقة أن معظم المواطنين السعوديين يعملون في القطاع العام، في حين يتم جلب العمال الأجانب لمعظم وظائف القطاع الخاص.
وفي أوقات النمو الأقوى، تم جلب العمالة الأجنبية (ذات الأجور المتواضعة) لتعويض أي ضغوط تصاعدية على الأجور، وفي أوقات النمو الضعيف تم تقييد تأشيرات العمل الإضافية من أجل حماية القوة الشرائية لأجور القطاع العام من حيث السلع الاستهلاكية المستوردة.
وخلال الأزمات الاقتصادية السابقة، أعطت دورات أسعار السلع الأساسية للرياض مرارا فرصة لتجديد احتياطياتها المالية، وسد الديون، وبالتالي الاستعداد للانهيار التالي.
وواجهت الاحتياطيات المالية السعودية ضغوطا من قبل، كما في أواخر التسعينات بعد ارتفاع مستويات الديون على مدى فترة طويلة بسبب انخفاض أسعار النفط نسبيا.
لكن هذه المرة ستكون مختلفة بسبب الانتقال العالمي بعيد المدى بعيدا عن الوقود الأحفوري، الذي تسرعه أزمة “كوفيد-19”.
وعلى سبيل المثال، أصبحت فائدة “حنفية” العمالة الأجنبية كبديل لاستقلالية السياسة النقدية أقل أهمية.
وفي الماضي، كانت الحكومة السعودية قادرة على السيطرة على الضغوط التضخمية في أوقات النمو القوي من خلال إصدار المزيد من تأشيرات العمال الأجانب، ومنع ضغوط الأجور على الشركات.
ولم تكن القدرة التنافسية للصادرات غير الهيدروكربونية والصناعات المحلية عاملا مهما في الماضي، ولكنها ستكون في المستقبل؛ حيث إن العملة المبالغ في سعرها تثبط الاستثمار في الصناعات المحلية.
بالإضافة إلى ذلك، لم تعد السعودية قادرة على استخدام “أوبك+” لدعم أسعار النفط الخام من أجل تقليل عجز ميزانية الرياض والسماح للمملكة بتجديد احتياطياتها المالية.
كما أن محاولات المملكة للتكيف مع مستقبل ذروة الطلب على النفط قبل الانخفاض التدريجي تعمل على تغيير هيكل الاقتصاد السعودي الذي كان يجعل الربط بالدولار الأمريكي مناسبا.
وتعد الحاجة إلى وقف التوسع في كشوف المرتبات المتضخمة في القطاع العام، ونقل المواطنين إلى وظائف أكثر إنتاجية في القطاع الخاص، أمرا بالغ الأهمية في خطط الإصلاح السعودية، خاصة مع هروب العمال الأجانب بسبب جائحة “كورونا”.
وسوف تساعد تخفيضات العملة في نهاية المطاف على تقليل العلاوات على الأجور في لقطاع العام عند اقترانها بتخفيضات في استخدام العمالة الأجنبية خارج المهن الماهرة.
وسيصبح التأثير السلبي للربط على الإنتاج المحلي للسلع السعودية أكثر أهمية بمرور الوقت مع تحرك المملكة لتنويع اقتصادها.
وتقوض مخاطر ربط العملة السعودية بالدولار قيمة صادراتها. ولكن الأكثر أهمية هو تخفيض الواردات، خاصة السلع الاستهلاكية التي يمكن إنتاجها محليا ما يسمح بتوظيف المزيد من العمالة الوطنية.
ويؤدي الإنتاج المحلي المحدود إلى ضعف حالة الاستثمار الأجنبي في بعض القطاعات السعودية كذلك.
ويمكن أن تؤدي العملة المبالغ في قيمتها إلى تعريض صناعة السياحة في المملكة للخطر، والتي تعد واحدة من أهم القطاعات غير النفطية.
ومن خلال جعل السعودية وجهة أكثر تكلفة، يمكن أن يؤدي ذلك إلى إحباط تطور صناعة السياحة في البلاد، والتي تعد هدفا رئيسيا للتنويع في رؤية المملكة لعام 2030.
وفي الواقع، كلف الدفاع عن ربط العملة الحالي المملكة غاليا في الأشهر الأخيرة.
وبلغت الاحتياطيات المالية السعودية ذروتها عند 746 مليار دولار في أغسطس/آب 2019، بعد استقرارها حول 500 مليار دولار خلال معظم الفترة من 2017 إلى 2019.
ولكن بحلول نهاية أبريل/نيسان، انخفضت هذه الاحتياطيات إلى 444 مليار دولار، بعد انخفاض قدره 51 مليار دولار في مارس/آذار وأبريل/نيسان فقط، حيث تدهورت أسعار النفط بسبب أزمة “كورونا”.
ووفقا لبيان صادر عن وزير المالية السعودي “محمد الجدعان”، في 29 مايو/أيار، تفاقمت هذه الانخفاضات أيضا من خلال تحويل 40 مليار دولار إلى صندوق الاستثمارات العامة في المملكة، والذي قام مؤخرا بعدد كبير من الاستثمارات الجديدة الخطرة، بما في ذلك في شركات النفط الغربية.
وفي حين أنه قد لا يكون هناك خطر فوري، فإن مستوى ربط المملكة الحالي، البالغ 3.75 ريال مقابل دولار أمريكي واحد، من غير المرجح أن يظل في مكانه على المدى الطويل.
وتشير تقارير حديثة لـ”رويترز” إلى أن استمرار الربط السعودي الحالي يتطلب احتياطيات تتراوح بين 250 و300 مليار دولار على الأقل.
ولن تصل احتياطيات الرياض المالية إلى مستوى حرج هذا العام، لكنها يمكن أن تصل إلى هذا الحد بسهولة خلال الأعوام الـ5 المقبلة، حتى مع تحول المملكة نحو التقشف المالي.