رسالة إلى الدولة والحكومة: انقذوا قاع جهران.. اليمنيون يبيعون أزمنة القمح والغلال بسويعات الكيف والفراغ..
– شجرة القات تغزو الرقعة الزراعية وتهدد أمن اليمن الغذائي..
ذمار // استطلاع خاص // وكالة الصحافة اليمنية //
عندما نتحدث عن قاع جهران فإننا نتحدث عن صوامع الأزمنة ومخازن القمح والغلال التي يتوارثها اليمنيون جيلا بعد جيل..
نتحدث عن تاريخ الزراعة وعلاقة الإنسان بالأرض منذ فجر التاريخ وحتى اليوم، نتحدث عن خصوبة المكان ورحم الحياة الذي تشكلت بتغيراته وألوانه الفصول وتفاعل معها الانسان فرسم خارطة المواسم ووضع حسابات الايام ومطالع النجوم ومواعيد المَتَالِم..
قاع جهران أرض وتراب وخصوبة وفصول ومواسم وأزمنة.. إنسان ومكان وحكايات ارتبطت بالحصاد، من حروفها وقمح حصادها ولدت الحضارات ومن مواسمها وفصولها تشكلت فصول التاريخ..
قاع جهران حكاية أرض وإنسان وصوامع قمح ومخزن غلال ومحاصيل خلدها التاريخ وسكنت ذاكرة اليمنيين منذ أزمنة وعصور الاكتفاء الاولى وحتى مجيء عصر الغزو الغذائي والاستيراد والغذاء المعلب والقمح القادم من وراء البحار..
قاع جهران يتلاشى اليوم وها هي مواسم القمح وأزمنة صوامع الغلال تباع بالقليل من لحظات القيلولة وسويعات الكيف الأخضر الذي يسرق منا الوقت والأرض والمحاصيل..
“يا ليت صنعاء عصيد والبحر زوم وقاع جهران ملوجة واحدة..“
بهذه العبارة التي تحولت إلى مثل شعبي متداول بين الناس حاول قائلها القديم توضيح ما يعنيه لنا قاع جهران وقاع صنعاء والبحر الأحمر كأهم مصادر سلة غذاء اليمنيين، لكن أحدا لم يدرك المعنى الذي أراد قائل العبارة إيصاله، ولتبرير الجهل أجمع الناس على أن العبارة قيلت لوصف حالة الجوع التي كان يعيشها قائلها، ولم يدركوا أنها بعيدة كل البعد عما ذهبوا إليه في تفسيراتهم السطحية..
العبارة المثل حملت وصفا لطبيعة وجغرافية المكان وعلاقة الانسان بالأرض والزراعة، حيث استطاع قائلها رسم صورة لواقع الأماكن المذكورة وما تعود به من خير للناس وما تشتهر به من منتجات زراعية في بضع كلمات..
القائل القديم تمنى رؤية وديان صنعاء وحقولها مثمرة بمحصول الذرة كمحصول موسمي تشتهر به المنطقة وهو المحصول الذي تصنع منه العصيد..
والبحر الأحمر مصدرا للصيد والإدام والصبغ.. وتمنى رؤية قاع جهران حقول قمح يانعة وهو المحصول الذي يشتهر قاع جهران بزراعته منذ آلاف السنين ويصنع منه الخبز ” الملوج”..
شجرة القات تغزو قاع جهران..
إلى وقت قريب ظل قاع جهران محتفظا بميزته وكعهده الابدي ظل ينتج قمحا ومحاصيلا وبشرا، لكنه اليوم لم يعد كذلك بعد أن اتجه المزارعون فيه لزراعة شجرة القات التي يعتقدون أنها تدر أموالا أفضل وبدأت زراعته تنتشر انتشار النار في الهشيم..
بدون وعي يتسابق المزارعون على زراعة شجرة القات لدرجة التنافس وبناء الاسواق الخاصة ببيعها اضافة إلى العمارات والمحلات التجارية على جنبات الطريق الذي يقسم قاع جهران إلى قسمين لم يعد يرى المسافر فيهما غير مزارع القات التي تتسع رقعتها لتلتهم حقول القمح والخضروات والفواكه بسرعة جنونية..
وزارة الزراعة وسياسة اللامبالاة..
يعتقد الكثيرون أن كل مواطن حر في استغلال ما يمتلكه من أراض ومزارع بالشكل والطريقة التي تناسب احتياجاته الشخصية، لدرجة أن الدولة والحكومة ممثلة بوزارة الزراعة تتعامل مع مثل هذا الواقع المرير بلا مبالاة وكأن الأمر لا يعنيها ولا علاقة لها بما يحدث إن لم نقل أنها تشجع وتدعم كل ما من شأنه تدمير الرقعة الزراعية واستهداف الثقافة الزراعية المتوارثة عبر الأجيال ومحوها من ذاكرة المزارع اليمني واخراج جيل جديد يجهل الزراعة ويعتمد على الاستيراد..
بسياسة اللامبالاة وترك الحبل على الغارب والتعامل بسلبية مع ما تتعرض له الرقعة الزراعية اليمنية تؤكد الحكومة والجهات ذات العلاقة أنها تنفذ أجندات اقتصادية تخدم سياسة الدول المنتجة للقمح مثل أمريكا واستراليا التي تتحكم اليوم بقوتنا وتتسيد وتتحكم بموائد غذائنا اليومي بمنتجاتها الزراعية..
من حق كل مواطن أن يمارس حريته في كل ما يملك لكن ليس من حقه أن يحول ملكيته الخاصة إلى وسيلة وسلاح يستهدف الوطن وأمنه الغذائي وتبديد ثرواته الطبيعية ومياهه الجوفية وتدمير ماضي وحاضر ومستقبل اليمن من خلال تجسيد وترجمة مفهوم الحرية بطرق خاطئة قد يؤدي السكوت عليها إلى كارثة..
نحن ومن خلال وكالة الصحافة اليمنية لا نستطيع إزاء ما يحدث وما تتعرض له الرقعة الزراعية إلا أن نوجه رسالة للدولة وللحكومة وكل الجهات المعنية للتحرك السريع لإنقاذ قاع جهران وغيره من القيعان والأودية ووضع القوانين والضوابط التي تحمي مناطق اليمن الزراعية وتحول دون العبث بها وحماية أمن اليمن الغذائي قبل فوات الأوان..