المصدر الأول لاخبار اليمن

“تحقيق خاص”: مقلب الأزرقين.. عائلات تبحث عن الأكل بين جبال من السموم!

وكالة الصحافة اليمنية//

لا تضع الشمس أشعتها على مقلب الأزرقين إلا وقد غادره الكثير من الرجال والنساء الذين يخافون أن يدركهم الضوء ويكتشف الآخرين حاجتهم، يجمعون ما استطاعوا من بقايا طعام وكراتين بشكل سريع وسري ويعودون أدراجهم وكلهم دعاء ألا يعرف أحد بأن الحاجة قد مستهم وأسرهم.

هنا في مقلب الأزرقين تتجسد الكارثة الإنسانية التي يعيشها الشعب اليمني منذ ثلاث سنوات هي عمر الحرب التي شنتها دول التحالف ضده، وما التقطته وكالة الصحافة اليمنية من صور تنبأ عن مجاعة قادمة لا محالة.

بعض الأطفال والآباء الذين صدفناهم في المقلب كادوا أن يتلاشوا داخل أنفسهم، حاولوا أن يختبئوا داخل كيس بلاستيك، لا يريدون أن تراهم أعين الناس ولا أعين الكاميرات، شعرنا بالعار ونحن نلتقط لهم الصور، لما لمسناه في وجوههم من جروح وأذى بمجرد تصويب الكاميرا نحوهم، فهم أناس ذوي مشاعر وحاجة ماسة لكسرة خبز وليس لصور صحفية أو تذكارية، لم يفكروا بالسرقة أو التسول، بل فضلوا البحث عن أرزاقهم في الفراغ نفسه بدلاً من ذل السؤال.

هي مغامرة يقومون بها هم وأطفالهم، لأنهم لا يبحثون عن رزقهم في الفراغ فحسب، بل يبحثون عن لقمة صالحة للأكل بين جبال من السموم والمخلفات القذرة التي يخلفها مجتمع فاسد وفاقد للرحمة، إنها مغامرة حقيقية لأنهم يخوضون البحث والتفتيش اليومي بين مخلفات المستشفيات والمصانع والمطاعم.

الحاج احمد صالح مروان من أبناء محافظة إب التقيناه في البوابة الرئيسية لملقب الأزرقين غارقا بين أكوام من القمامة التي يبحث فيها عن لقمة عيش، من ملقب الأزرقين نفسه ومن المخلفات ,يقول الحاج مروان ان الذي ألجاه للعمل في هذا الجانب هو الجوع الذي مسه وأسرته نتيجة الحصار الذي تفرضه دول التحالف على اليمن بالإضافة الى ما تعانيه البلاد من أزمات اقتصادية.

يتحدث إلينا وعيناه تكاد تنهمر بالدموع بأنه يعول أسرة كبيرة ولم يجد ما يسد رمقها، فيقول “نجمع يوميا أكياس كبيرة من “الصحات” الفارغة والأكياس والعلب البلاستكية والحديدية ومن ثم نبيعها للتجار, فـ “الصحات” يتم بيعها للصين وأغلبيتها ترجع للخارج لإعادة تصنيعها..

وأضاف مروان بأن سعر الكيلو “الصِحّات” الذي يتم جمعها يقدر بـ20 ريال يمني ويحصل في اليوم الواحد ما يقارب الـ1000 الى  2000ريال , وهو مبلغ لا يكفي لإعالة أسرة مكونة من 12 فرد ما بين طفل ومرأة .

وقال مروان أنه كان سابقا يشتغل في الزارعة لكن العدوان الذي استخدم سياسية التجويع ضد الشعب اليمني ضاعف من المعاناة وأفقد الكثير من المواطنين أعمالهم ومصادر رزقهم.

الاخ احمد المحاربي مشرف في مقلب الأزرقين أكد بقوله “أن غارات طيران التحالف لم تستثني شيئا في اليمن الا ودمرته ولم تسلم منها حتى مقالب القمامة حيث استهدفت غارات التحالف الورشة الخاصة بصيانة المعدات في الملقب ما أسفر عن تدمير بعض المعدات بشكل كلي, ولم تسلم منها سوى 3 معدات فقط وأصبحت شبه منتهية, إضافة إلى تدمير المكتب الخاص بنا”.

يتحدث المحاربي إلينا أن الأسر التي تتجه في الساعات الأولى من الفجر بشكل يومي تزيد عن 100 حالة تضطرهم الظروف إلى البحث عن بقايا أكل أو فضلات من طعام, فضلا عن البحث عن العلب البلاستيكية الفارغة، رغم عفتهم وفعلا نعيش كارثة انسانية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

أما الأخ بلال مثنى المسورى أحد أبناء منطقة قفلة عذر التابعة لمحافظة عمران فقد اتجه إلى مقلب قمامة الأزرقين في شمال محافظة صنعاء بعد أن سُدت الطرقات أمامه وانعدمت الأشغال رغم ارهاقه في البحث عنها.

يقول المسوري ردا عن سؤالنا له عن سبب مجيئه إلى المقلب بالتأكيد على أن الجوع هو الذي دفعه إلى أن يتجه إلى المقلب بعد انعدام الغاز وارتفاع أسعار الحطب, فقصد المقلب لجمع الكراتين, وأضاف أنه يتردد على المقلب منذ سنة تقريبا خوفا من موت أطفاله وأولاده من الجوع.

حزن شديد ارتسم على وجه المسوري الذي قال أنه بحث عن أي عمل فلم يجد مع أنه مستعد لأن يشتغل في أي مجال, سألناه عن دور المنظمات ومساعدتها فأكد المسوري.. أن المنظمات سجلت أسمه أكثر من 5 مرات إلا أنه لم يحصل منها على كسرة خبز واحدة رغم طلبهم كثيرا لبطاقته الشخصية وتسجيل معلوماته.

من جهته أكد المشرف العام على المقلب بأن المنظمات التي تدعي مناصرة حقوق الإنسان تأتي إلى المقلب ليس لمساعدة المجتمع إطلاقا وانما فقط ترويجا لمهامها الدعائية وأنها فقط تقوم باستغلال ظروف الشعب اليمني الذي يعاني ويلات الحصار والدمار والجوع.

عاود المسوري حديثه معنا شاكيا باكيا رافعا شكواه لله سبحانه وتعالى وباعثا رسالته إلى الشعب اليمني والقيادات والتجار بتقوى الله في رعيتهم وأبناء جلدتهم ممن تقطعت بهم السبل وضاقت بهم الأحوال وضنك المعيشة والنظر إلى واقع ما يعانيه الشعب عن قرب, و بعث برسالة إلى قوى التحالف مفادها أنه مهما حاصرتمونا وجوعتمونا فلن نسلم رقابنا لكم على الإطلاق وهيهات ان نستسلم  حتى لو لم نجد ما نأكله وإن وصلنا إلى البحث عن لقمة عيشنا من فضلات الموائد,

وحمل دول تحالف الحرب التي تقودها السعودية كامل المسئولية لأنها هي السبب الرئيسي في مجاعة الشعب اليمني, خلافا لما كان الشعب اليمني عليه قبل العدوان, والذي كان يستطيع الحصول على فرص عمل, واختتم كلامه بالتأكيد على الصبر والصمود حتى النهاية.

عبدالرحمن علي أحد “اللاجئين الى المقلب” إن صح التعبير، تساءل : لماذا لا تأتي المنظمات الى هنا وتصرف للمحتاجين الذين تقودهم الحاجة والجوع الى هنا كل يوم؟، لماذا لا يأتون الى هنا لكتابة وصياغة تقاريرهم الانسانية من  قلب الكارثة؟

لماذا لا تجرب تلك المنظمات زيارة الجحيم بمعيتنا؟

قد يعجبك ايضا