شهد الأسبوع الماضي تراجعاً في واقع تفشّي وباء كورونا في العاصمة صنعاء، مقابل تصاعد مخاطر انتشار المرض في الأرياف.
وسُجّلت في خلال الأسبوعين الماضيين وفاة العشرات من المواطنين داخل مدينة صنعاء وخارجها بأمراض تحمل بعض أعراض كورونا.
لكن، مع ذلك، ظلّت الإصابات في المحافظات الخاضعة لحكومة الإنقاذ أقلّ بكثير من تلك المُسجّلة في مناطق سيطرة حكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، حيث أعلنت “اللجنة العليا لمكافحة فيروس كورونا في عدن” تسجيل 900 إصابة وقرابة 200 حالة وفاة بالفيروس منذ أواخر نيسان/ أبريل الماضي وحتى منتصف الأسبوع الجاري.
وفي المجمل، بلغ عدد ضحايا الأمراض التنفّسية في عدن، خلال الفترة نفسها المذكورة أعلاه، أكثر من 2000 متوفّى جراء أوبئة من مثل المكرفس والضنك والتشيكنجونيا والكوليرا والتيفوئيد.
وتتشابه أعراض هذه الأوبئة، التي تتسبّب بالتهابات تنفّسية حادّة، مع أعراض فيروس كورونا، لكنها أشدّ فتكاً منه بالمصابين. وفي صنعاء أيضاً، تصاعدت أخيراً أعداد المتوفين بالتهابات مماثلة أدّت إلى جلطات دماغية لدى البعض، من دون أن يُعرف ما إذا كان السبب هو كورونا أو غيره.
وعلى مدى الفترة القصيرة الماضية، أُعلنت وفاة 36 من أكاديميّي جامعة عدن، فيما قضى أكثر من 100 قاضٍ وطبيب ورجل أعمال في صنعاء وعدن بأمراض تنفّسية مختلفة.
ومهما يكن سبب ارتفاع معدّل الوفيات في اليمن، فإن تدهور قدرات القطاع الصحي في هذا البلد جرّاء الحرب والحصار أدى بلا شك إلى تفاقم الواقع الوبائي.
والجدير ذكره، هنا، أن السلطات الصحية في كلّ من صنعاء وعدن تفتقر إلى الأجهزة الكافية لكشف الإصابة بكورونا؛ إذ لا تمتلك وزارة الصحة في حكومة هادي أكثر من 6 أجهزة “pcr”، و17 جهاز أشعة مقطعية، و500 جهاز تنفس صناعي، وفق أرقام وزير الصحة في تلك الحكومة، ناصر باعوم.
تبنّت حكومة هادي حملة شائعات لإحباط جهود صنعاء بمواجهة الوباء
من جهتها، وفي ظلّ غياب شبه كامل لدور المنظمات الدولية، تواجه صنعاء الوباء بقدراتها الصحية المتواضعة، معتمدة نهجاً وسطياً لا ينحو إلى التهويل ولا إلى التهوين، كما تقول.
وتطبّق حكومة الإنقاذ سياسة التباعد الاجتماعي، مُكثفةً التوعية الإعلامية بمخاطر الوباء وسبل تجنبه. ووفقاً لمصدر في وزارة الصحة في “الإنقاذ”، فقد افتُتح 32 مركز عزل في مختلف المحافظات يضمّ كلّ منها 90 عاملاً صحياً، فيما أُلزمت المستشفيات الأهلية بتخصيص أسرّة لمرضى كورونا.
مع ذلك، تعرّضت صنعاء لانتقادات شديدة من قِبَل ناشطين ومنظمات دولية على خلفية تكتمها على أرقام الإصابات والوفيات بكورونا والنطاق الجغرافي لتفشّي الوباء.
لكن “صحة الإنقاذ” تدافع بأنها درست تجارب الكثير من الدول، حيث تبيّن لها أن كثرة الإحصائيات أثرت سلباً على الحالة النفسية والمناعية للمجتمعات، فيما أدّت المبالغة في إجراءات المواجهة ــــ بحسبها ــــ إلى إضعاف الروح المعنوية لدى المواطنين، وإشاعة حالة من الهلع بينهم كانت أشدّ فتكاً من المرض نفسه.
وأوضحت الوزارة أنها تواجه الوباء وفقاً لاستراتيجية تتناسب مع ظروف اليمن، الذي يعتمد 80% من أبنائه راهناً على مصادر دخل يومية، مُعلنةً أنها تلقت محاليل ومسحات من “منظمة الصحة العالمية” أثبتت عدم دقتها وعدم كفاءتها، ما أثّر على نتائج الفحوصات المخبرية.
في المقابل، وبدلاً من أن تعمل حكومة هادي، ومن ورائها “التحالف”، على محاصرة تفشّي الأوبئة في المحافظات الخاضعة لسيطرتهما، عمدا إلى الطعن في الجهود التي تبذلها السلطات الصحية في صنعاء، وتبنّيا حملة شائعات عن وجود “إبر رحمة” في المستشفيات المخصصة لمرضى كورونا، دفعت بعدد منهم إلى العزوف عن التوجّه إليها، وهو ما تسبّب بارتفاع عدد الوفيات.
ويرى وزير الصحة في صنعاء، طه المتوكل، أن سياسة وزارته في مواجهة كورونا أغاظت “التحالف” الذي سعى إلى خلق فوضى مجتمعية في مناطق “الإنقاذ” بضخّ الشائعات.
أما الأمم المتحدة فلم تكتفِ بسحب العشرات من موظفيها من صنعاء خلال الشهر الجاري، متعمّدة التهويل في مواجهة سياسة التطمين كما تقول “الإنقاذ”، بل لم تحرّك ساكناً إزاء قيام “التحالف” باحتجاز 15 سفينة مُحمّلة بمواد بترولية في ميناء جيزان السعودي (على رغم خضوعها لآلية التفتيش الأممية في جيبوتي)، وهو ما يهدّد بمزيد من التدهور في القطاع الصحي جرّاء أزمة المشتقات النفطية.
يُذكر أنه في ظلّ تراجع موجة كورونا في المحافظات الواقعة تحت سيطرتها، أقرّت حكومة صنعاء إجراء امتحانات الشهادتين الثانوية والأساسية في منتصف آب/ أغسطس المقبل، مشددة على ضرورة التزام التدابير الوقائية التي ستعلنها.
كذلك، تدرس الحكومة استئناف الفصل الثاني في الجامعات خلال الفترة المقبلة.