ربما لن يثير الضم الإسرائيلي الوشيك لثلثي الضفة الغربية ردة فعل دولية فورية، لكن تزايد المشاعر المؤيدة لفلسطين في الولايات المتحدة وأوروبا ستترك (إسرائيل) في نهاية المطاف معزولة سياسيا واقتصاديا على المدى الطويل.
وسيقود هذا (إسرائيل) إلى السعي إلى زيادة الشراكات مع الدول التي لا يهتم مواطنوها وسياسيوها كثيرا بالاستثمار في احتمالية قيام دولة فلسطينية، مثل روسيا والصين، بالرغم من أن القيام بذلك يعني زيادة غضب الولايات المتحدة.
ومن المرجح أن تضم (إسرائيل) بعض المستوطنات الرئيسية في الضفة الغربية في 1 يوليو/تموز، بموافقة من الولايات المتحدة.
وتصر حكومة الوحدة الطارئة في (إسرائيل)، التي تشكلت في أبريل/نيسان في ضوء أزمة “كوفيد-19″، على المضي قدما في عملية الضم التي تعهد بها “نتنياهو” وفقا لخطة البيت الأبيض للسلام في الشرق الأوسط.
وتشمل الخطة، التي تم الكشف عنها في يناير/كانون الثاني، التوصل إلى تسوية نهائية بين (إسرائيل) والسلطة الفلسطينية تظل من خلالها أجزاء كبيرة من الضفة الغربية الحالية تحت السيطرة الإسرائيلية الدائمة، بما في ذلك وادي نهر الأردن الاستراتيجي.
ومنذ ذلك الحين، تتعاون الولايات المتحدة و(إسرائيل) في مشروع لرسم الخرائط اللازمة لتنفيذ هذه الرؤية.
وأبدت الولايات المتحدة بعض الاستياء من سرعة ونطاق استراتيجية الضم، ولكن ليس تجاه الضم نفسه. وقد تجلى ذلك في الضغط الأمريكي لتعديل المساحة التي ستسيطر عليها (إسرائيل) في الضفة الغربية اعتبارا من 1 يوليو/تموز، بالرغم من أن واشنطن لم تهدد بعد بأي عمل دبلوماسي أو اقتصادي أو عسكري كبير في حالة لم تستجب (إسرائيل).
من جانبها، ستعبر دول أوروبية عن معارضتها الدبلوماسية للضم، لكن عملية صنع السياسة القائمة على الإجماع داخل الاتحاد الأوروبي ستجعل من الصعب فرض عقوبات.
ويعارض كل من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة الضم دبلوماسيا، لكنهما لم يبديا اهتماما بحملة عزل أو عقوبات جزائية كبيرة.
ولكن في حين أن حق النقض الذي تمتلكه دول الاتحاد الأوروبي الموالية لـ (إسرائيل)، مثل التشيك والمجر، سيحد من قدرة الاتحاد الأوروبي على فرض عقوبات كبيرة على مستوى الكتلة ضد (إسرائيل)، فقد تتحرك بروكسل لتعليق اتفاقيات البحث والتجارة مع (إسرائيل) التي لا تتطلب إجماع الأصوات، فضلا عن منع الصفقات المستقبلية.
ومع ذلك، فإن الاتجاهات الديموجرافية في الولايات المتحدة وأوروبا تميل إلى المعارضة المتزايدة للضم على المدى الطويل، ما سيؤدي في النهاية إلى ترسيخ وجود دولة فلسطينية كهدف سياسي في هذه المجتمعات الغربية.
وفي 24 يونيو/حزيران، وقع أكثر من 1000 مشرع أوروبي على عريضة تدعو إلى وقف الضم. وفي الولايات المتحدة، يشعر الحزب الديمقراطي أيضا بالضغط من الجانب التقدمي من قاعدته لمعاقبة (إسرائيل) على منع قيام الدولة الفلسطينية، وسيبرز هذا الضغط إذا سيطر الديمقراطيون على فروع إضافية من الحكومة الأمريكية.
ويمكن أن يأتي هذا التحول في سياسة الولايات المتحدة بشأن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني في وقت مبكر من يناير/كانون الثاني 2021، إذا فاز المرشح الديمقراطي “جو بايدن”، الذي انتقد عملية الضم الحالية واصفا إياها بـ”الخطأ الفادح”.
ومع تزايد المعارضة السياسية للضم في الغرب، ستتحرك (إسرائيل) نحو الصين والهند وروسيا من أجل إقامة شراكات اقتصادية وسياسية جديدة.
ولدى الصين وروسيا والهند اهتمام تاريخي أقل بدولة فلسطينية، ومعارضة سياسية محلية ضعيفة للضم. نتيجة لذلك، سيكون لتلك الدول الحرية في مواصلة بناء العلاقات مع (إسرائيل) حتى بعد الضم.
ونظرا لأهميتها الاقتصادية والعسكرية، ستسعى (إسرائيل) إلى إقامة شراكات مع هذه الدول الثلاث، بما في ذلك في مجال التكنولوجيا الجديدة والصفقات التجارية، لتعويض الخسائر الناجمة عن تدهور العلاقات مع أوروبا والولايات المتحدة.
لكن من المحتمل أن يؤدي التقارب مع الصين وروسيا إلى المزيد من تدهور العلاقة مع الولايات المتحدة، الأمر الذي سيعيق بشكل خاص قدرة (إسرائيل) على تنمية علاقاتها المربحة مع بكين.
ومن المرجح أن تنظر واشنطن إلى المحاولات الإسرائيلية لبناء علاقات اقتصادية مع الصين على أنها تهديد محتمل للأمن القومي الأمريكي، وبالتالي من المرجح أن تضغط على (إسرائيل) لتقليص أو حتى وقف مثل هذه العلاقات مع بكين.
وستؤدي التحركات الإسرائيلية للتعايش مع روسيا أيضا إلى زيادة التدقيق إذا بدا أن ذلك يتعارض مع المصالح الأمريكية.
ومع ذلك، سوف تحد المصالح المتضاربة بين روسيا و(إسرائيل) تجاه سوريا وإيران من نطاق أي علاقات جديدة بينهما.
وستظل (إسرائيل) قادرة على مواصلة تحسين العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي المجاورة، ولكن بوتيرة أبطأ، لمنح سكانها العرب الوقت للتكيف مع واقع الضم.
وقد أظهرت جميع دول مجلس التعاون الخليجي معارضة دبلوماسية للضم. لكن بعض الدول، مثل الإمارات والبحرين وقطر وعمان، لديها عدد قليل من السكان، مع تراجع الاهتمام التاريخي بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، الأمر الذي سيمكن حكوماتها من الحفاظ على تواصلها مع (إسرائيل) إلى حد كبير، إن لم يكن بصورة دائمة وعلنية.
وتملك السعودية عددا أكبر من السكان، وبالتالي ستحتاج إلى السماح لمواطنيها بمزيد من الوقت للتكيف مع واقع الضم، الأمر الذي سيبطئ وتيرة تحسين العلاقات السعودية الإسرائيلية.
ومع ذلك، سيظل التعاون ممكنا بفضل سيطرة الرياض على وسائل الإعلام المحلية وقدرتها على تأطير العلاقات السعودية الإسرائيلية بطريقة لا تولد ردة فعل داخلية كبيرة.
ومع تحول التركيز إلى وضع الفلسطينيين بعد الضم، سيطالب المواطنون عبر الخليج العربي بشكل متزايد بأن تتوقف العلاقات بين مجلس التعاون الخليجي و(إسرائيل) على الحقوق السياسية للفلسطينيين تحت السيطرة الإسرائيلية، بدلا من حلم إقامة دولة فلسطينية.