مرّة جديدة، يحاول المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، إعادة تحريك الجهود السياسية والدبلوماسية المتصلة بالأزمة اليمنية، إنما بعيداً من تهيئة الأرضية اللازمة لذلك، وهو ما يشي بفشل متكرّر عنوانه الدوران في «حلقة مفرغة»، وفق ما عبّر عنه عضو «المجلس السياسي الأعلى» في صنعاء، محمد علي الحوثي، قبل أيّام، عن حال غريفيث.
من العاصمة السعودية الرياض، حيث التقى خلال اليومين الماضيين وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير، والرئيس اليمني المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، ورئيس وزرائه معين عبدالملك، أعاد غريفيث الحديث عن مبادرته الرامية إلى «التوصل إلى وقف إطلاق نار شامل، واتفاق على تدابير إنسانية واقتصادية، واستئناف عملية السلام»، والتي كان قد تقدّم بها أواخر شهر آذار/ مارس الماضي، دون أن تفضي آنذاك إلى أيّ نتيجة.
الجديد هذه المرة، هو أن المبادرة أٌدخلت عليها تعديلات، بحسب ما كشفته وسائل إعلام سعودية، من دون أن توضح طبيعة تلك التعديلات.
لكنها قالت إن غريفيث سيسعى، خلال الفترة المقبلة، إلى تقديم المسودة المعدّلة إلى حركة «أنصار الله».
هنا، تؤكد مصادر مطّلعة في صنعاء، لـ«الأخبار»، أن قيادة «أنصار الله» لن تقبل استقبال غريفيث قبل الإفراج عن سفن المشتقات النفطية المحتجزة في ميناء جيزان من قِبَل التحالف، على رغم خضوعها لآلية التفتيش الأممية في جيبوتي.
وتوضح المصادر أن غريفيث حاول، بالفعل، إقناع حكومة هادي، ومن ورائها الرياض، بالإفراج عن السفن، مقابل فتح حساب مشترك لإيرادات الجمارك والضرائب ــ التي تدخل ميناء الحديدة ــ في الأردن، وذلك بإشراف أممي، على أن يُستخدم الحساب في صرف رواتب الموظفين.
لكن حكومة هادي، ومن خلفها الجانب السعودي، اشترطا ــ بحسب المصادر نفسها ــ من أجل إطلاق الناقلات، استيراد المشتقات النفطية، حصراً، عبر «اللجنة الاقتصادية» في عدن، وأن تتحوّل الإيرادات الجمركية والضرائبية إلى ميناء عدن بدلاً من ميناء الحديدة، وهو ما لا يمكن لصنعاءَ القبولُ به.
هكذا، يُراد استخدام قضية السفن التي تسبّبت بأزمة وقود حادّة (في المحافظات الخاضعة لحكومة الإنقاذ) لا تفتأ تزداد سوءاً، مُهدّدةً بانهيار القطاع الصحي، من أجل جني مكاسب سياسية لا تزال مستعصية على السعودية وحلفائها.
معادلةٌ جاءت الضربة الأخيرة للجيش واللجان والشعبية، والتي استهدفت بعشرات الصواريخ والطائرات المسيّرة مواقع عسكرية في الرياض ومحافظات جنوب السعودية، لتكسر محاولات تثبيتها، وهو ما لا تنبئ المؤشرات بأن صنعاء ستتراجع عنه، حتى ولو حاول غريفيث تصوير المسألة كمشكلة داخلية يمنية، وتحميل الضحية والجلاد مسؤولية متساوية عن تداعياتها.
ولعلّ تأكيد المتحدث باسم «أنصار الله»، رئيس وفدها التفاوضي محمد عبد السلام، أمس، أن «شعبنا العزيز متمسك بحقه في الدفاع، وهو إلى جانب الجيش واللجان في تنفيذ أقسى العمليات»، يثبت أن صنعاء لن تفسح مجالاً للمراوغة في مسألة إنسانية بحتة.
ولم يأتِ تهديد عبد السلام على خلفية استمرار الحصار فقط، بل أيضاً بسبب تجدّد «الغارات الإجرامية على العاصمة صنعاء ومحافظات عدة في عدوان مسكوت عنه عربياً ودولياً» كما قال.
وكان طيران العدوان قد استهدف بعشرات الغارات محافظات صنعاء وصعدة وحجة ومأرب والجوف والبيضاء.
وعلى إثر ذلك، ادّعى التحالف تنفيذ عملية عسكرية ضدّ «أهداف مشروعة تابعة لميليشيا الحوثي»، لافتاً إلى أن العملية تهدف إلى «تحييد القدرات النوعية وتدميرها».
هدفٌ تثبت التجارب السابقة أنه لم يتحقق إلا في بيانات المتحدث العسكري السعودي تركي المالكي، فيما ظلّت قدرات صنعاء العسكرية في مسار تصاعدي أكّدته عمليات «توازن الردع» الأربع.