متابعات// وكالة الصحافة اليمنية//
تسارعت وتيرة تطبيع العلاقات بين بعض الدول العربية ودولة الاحتلال الإسرائيلي مؤخرا، عبر الاجتماعات والزيارات ونشر المقالات في الصحف الإسرائيلية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2019، قام رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” بأول زيارة عامة له إلى سلطنة عُمان، تلاها اجتماع مع رئيس المجلس السيادي للسودان، “عبدالفتاح البرهان” في أوغندا أوائل عام 2020.
ونشرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، في 12 يونيو/حزيران الماضي، مقالا للسفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة، “يوسف العتيبة”، بعنوان: “الضم سيكون انتكاسة خطيرة للعلاقات المحسنة مع العالم العربي”.
وجاء هذا المقال بعد 3 أيام فقط من هبوط طائرة إماراتية في مطار “بن جوريون”، زعمت الإمارات أنها كانت تحمل شحنة مساعدات للشعب الفلسطيني للمساعدة في مكافحة وباء كورونا.
وكان من الواضح أن هذا مجرد ستار؛ لأن السلطة الفلسطينية نفت تلقي أي مساعدات، وأكدت عدم وجود تنسيق مع الإمارات.
وفي 17 يونيو/حزيران، شارك وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية “أنور قرقاش” في المؤتمر السنوي الإلكتروني للجنة اليهودية الأمريكية، وألقى كلمة قال فيها إن “التواصل مع إسرائيل مهم، وسيؤدي إلى نتائج أفضل من المسارات الأخرى التي تم اتباعها في الماضي”.
مؤشرات التطبيع العربي مع (إسرائيل)
على مدار عقود طويلة، اعتبرت الدول العربية (إسرائيل) دولة معادية، والتزمت برفض جميع أشكال التطبيع معها حتى يتم التوصل إلى حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية.
وكانت مصر سبّاقة في فتح باب التطبيع بتوقيع معاهدة سلام أحادية مع (إسرائيل) عام 1979 دون النظر إلى القضية الفلسطينية، التي تعد أساس الصراع مع الصهيونية.
ووقعت منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقية أوسلو مع (إسرائيل) عام 1993. ووقع الأردن اتفاقية سلام مع (إسرائيل) عام 1994.
ومع ذلك، ظل الموقف العربي ثابتا إلى حد ما فيما يتعلق بتطبيع العلاقات مع (إسرائيل).
ولم يساهم السلام الأردني والمصري مع (إسرائيل)، ولا اتفاقية أوسلو، في حل القضية الفلسطينية. بل نمت (إسرائيل) في الواقع لتصبح أكثر تطرفا، وكثفت نطاق احتلالها للأراضي العربية.
وأصبح من الواضح أن التطبيع لا علاقة له بإيجاد حل للقضية الفلسطينية أو تحقيق العدالة لفلسطين، ولكنه يتعلق بالمصالح الوطنية البحتة للدول المطبِّعة. ومن جانبها، فهمت (إسرائيل) التطبيع على أنه قبول للصهيونية والعنصرية وسياسة الاستيطان.
وفي مارس/آذار 2002، تبنت قمة بيروت العربية مبادرة السلام التي طرحها الملك السعودي الراحل “عبدالله بن عبد العزيز”. واقترحت المبادرة أن تقيم الدول العربية سلاما مع (إسرائيل) بشرط انسحابها الكامل من الأراضي العربية المحتلة في يونيو/حزيران 1967، بما في ذلك مرتفعات الجولان، وأن يتم التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، والأهم من ذلك، إنشاء دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها “القدس الشرقية”.
وبالرغم من وجود تاريخ طويل من العلاقات السرية بين العديد من الدول العربية و(إسرائيل)، إلا أن الخطوات نحو التطبيع قد تسارعت بشكل غير معتاد مؤخرا وتحولت إلى علاقات علنية، بالرغم من رفض (إسرائيل) المستمر لتطبيق شروط المبادرة العربية.
وتم توسيع هذا التطبيع ليشمل الجوانب الاقتصادية والتجارية والأمنية والعسكرية والثقافية، وحتى الرياضية.
التطبيع الاقتصادي
نما التطبيع التجاري والاقتصادي بين (إسرائيل) والدول العربية بشكل ملحوظ في الأعوام الأخيرة. وبحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء في الدولة العبرية، تقدر الصادرات الإسرائيلية من السلع والخدمات إلى أسواق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنحو 7 مليارات دولار سنويا، بما في ذلك أكثر من مليار دولار لدول الخليج العربي.
وتستورد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نحو 7% من إجمالي الصادرات الإسرائيلية، بينما تستحوذ على 6% من إجمالي الواردات الإسرائيلية من السلع والخدمات.
ولا يختلف الوضع بالنسبة للدول العربية التي تقيم علاقات دبلوماسية مع (إسرائيل). وفي سبتمبر/أيلول 2016، أعلنت شركة الكهرباء الوطنية الأردنية والشركة الأمريكية “نوبل إنيرجي” عن توقيعهما اتفاقية لاستيراد الغاز الطبيعي المسال من (إسرائيل) بقيمة 10 مليار دولار.
وفي فبراير/شباط 2018، أعلنت الشركة المصرية “دولفينوس”، من خلال “نوبل إنيرجي”، عن توقيع اتفاقية مع شركة “ديليك دريلينج” الإسرائيلية بقيمة 15 مليار دولار، ستقوم بموجبها الشركة الإسرائيلية بتوريد الغاز الطبيعي إلى مصر.
وفي يناير/كانون الثاني 2019، أعلنت مصر عن إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط، الذي يضم 7 دول، بما في ذلك (إسرائيل)، بهدف إنشاء سوق غاز إقليمي لتأمين العرض والطلب للدول الأعضاء.
التطبيع الأمني
فيما يتعلق بالاستخبارات والأمن، يُعتقد أن بعض الدول العربية هي المستفيد الرئيسي من التقنيات التي ينتجها الجيش والاستخبارات في (إسرائيل).
وتعود العلاقات الاستخباراتية والأمنية بين الإمارات و(إسرائيل) إلى عدة أعوام. وفي عام 2008، وقعت هيئة البنية التحتية الوطنية الحرجة، التي تضمن الأمن والسلامة للمنشآت الحيوية في أبوظبي، عقدا بقيمة 816 مليون دولار مع “إيه جي تي إنترناشونال”، وهي شركة سويسرية مملوكة لرجل الأعمال الإسرائيلي “ماتي كوتشافي”، لشراء معدات مراقبة للأصول الهامة مثل حقول النفط ومواقع استراتيجية أخرى في الإمارات.
وزودت الشركة نفسها أبوظبي بـ 3 طائرات بدون طيار، بهدف تعزيز قدراتها الاستخبارية والأمنية، كما زودت شرطة أبوظبي بنظام مراقبة أمني مركزي يعرف باسم “عين الصقر”، والذي تم إطلاقه رسميا في يوليو/تموز 2016.
بدورها، قامت الرياض في أغسطس/آب 2012، بتوظيف من شركات الأمن السيبراني الدولية، بما في ذلك شركة إسرائيلية، لحماية المعلومات ووقف الهجمات على شركة أرامكو السعودية، بعدما نجح متسللون في اختراق 30 ألف جهاز للشركة باستخدام فيروس يُدعى “شمعون”؛ ما تسبب في تعطيل إنتاج النفط السعودي.
وزادت دول الخليج العربية مؤخرا اهتمامها بشراء تكنولوجيا استخبارات متقدمة صنعت في (إسرائيل) للتجسس على خصومها السياسيين ومراقبة وتتبع أنشطتهم.
وفي مايو/أيار 2019، اتهم مشغلو تطبيق “واتساب” مجموعة “إن إس أو” الإسرائيلية باستخدام تقنية التجسس “بيجاسوس” لاختراق التطبيق لمراقبة الصحفيين والناشطين ونشطاء حقوق الإنسان، وبيع المعلومات إلى السعودية.
واشترت الإمارات في أغسطس/آب 2018، تكنولوجيا متقدمة من نفس المجموعة لاختراق الهواتف المحمولة من أجل التجسس على خصومها.
وفي يناير/كانون الثاني 2020، أكدت منظمة العفو الدولية استخدام برمجيات المجموعة الإسرائيلية في شن هجمات خبيثة على نشطاء حقوق الإنسان في المغرب، والسعودية والمكسيك والإمارات.
التطبيع العسكري
عسكريا، تشارك العديد من الدول العربية، بما في ذلك السعودية والإمارات، في تدريبات عسكرية مشتركة إلى جانب (إسرائيل)، وأهمها مناورة العلم الأحمر للقتال الجوي المتقدم، التي يشرف عليه سلاح الجو الأمريكي.
وفي مارس/آذار 2017 ومجددا في أبريل/نيسان 2019، شاركت القوات الجوية الإماراتية في مناورات عسكرية في اليونان بمشاركة (إسرائيل) أيضا.
وبسبب التهديد المتصور القادم من إيران، تعززت علاقات (إسرائيل) ببعض دول الخليج العربي. وفي أغسطس/آب 2019، صرح وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك، “يسرائيل كاتس”، أن (إسرائيل) أصبحت جزءا من تحالف دولي لحماية سفن الشحن التي تمر عبر مضيق هرمز.
وتم تأسيس التحالف من قبل الولايات المتحدة، ويضم السعودية والإمارات والبحرين وبريطانيا وأستراليا وألبانيا، ويهدف إلى تعزيز أمن وسلامة السفن التجارية التي تمر عبر الممرات البحرية.
ويتوافق هذا البيان، مع تقييم ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” في حديثه مع مجلة “تايم”، في أبريل/نيسان 2018 حين أكد أن السعودية و(إسرائيل) لديهما “عدو مشترك، وبينهما الكثير المجالات المحتملة للتعاون الاقتصادي”.
ويعني هذا أن العلاقات بين الإمارات والسعودية و(إسرائيل) تتجاوز الآن التطبيع لتصبح تحالفا يقوم على الخدمات المتبادلة، وليس فقط لمواجهة إيران.
وتعرف هذه الدول أن (إسرائيل) لن تواجه إيران من أجلها، لكنها تنسق وتتعاون معها للتأثير على سياسات الولايات المتحدة في المنطقة، مثل التخلي عن الاتفاق النووي مع إيران، ودعم الانقلاب العسكري في مصر، والدفاع عن “محمد بن سلمان” بعد اغتيال الصحفي السعودي “جمال خاشقجي”، وكذلك يتشارك الطرفان الخوف من دعوات الديمقراطية في المنطقة العربية.
التطبيع الثقافي والرياضي
على الصعيد الدبلوماسي والثقافي والرياضي، شهد التطبيع العربي مع (إسرائيل) نموا ملحوظا.
وزارت “ميري ريغيف”، وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية آنذاك، أبوظبي في أكتوبر/تشرين الأول 2018. وفي الوقت نفسه، شارك وزير الاتصالات الإسرائيلي “أيوب قرا” في “مؤتمر تم عقده في دبي.
وزار وزير الخارجية “يسرائيل كاتس” أبوظبي في يوليو/تموز 2019 لحضور مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة. كما زار وفد من وزارة العدل الإسرائيلية برئاسة نائبة المدعي العام الإسرائيلي، “دينا زيلبر”، العاصمة الإماراتية للمشاركة في مؤتمر دولي لمكافحة الفساد في ديسمبر/كانون الأول 2019، ناهيك عن ظهور وفود إسرائيلية في المسابقات الرياضية الدولية، والمؤتمرات الثقافية والاقتصادية والعلمية الدولية في العواصم العربية مثل أبوظبي والمنامة والدوحة وتونس ومراكش.
ومن ناحية أخرى، قامت شخصيات خليجية قريبة من حكوماتها بزيارات لفلسطين المحتلة والتقت بمسؤولين إسرائيليين.
وكان أبرزهم الجنرال السعودي المتقاعد “أنور عشقي”، الذي التقى بالمسؤول في وزارة الخارجية الإسرائيلية “دوري جولد”، في فندق الملك “ديفيد” بالقدس المحتلة في يوليو/تموز 2016. وأعقب ذلك زيارة من وفد بحريني إلى الأرض المحتلة في ديسمبر/كانون الأول 2017.
على مستوى العلاقات العامة، يواصل المسؤولون العرب الظهور في المؤتمرات الدولية إلى جانب المسؤولين الإسرائيليين.
ففي فبراير/شباط 2019، شارك مجموعة من المسؤولين العرب والإسرائيليين في المؤتمر الوزاري حول “تعزيز السلام والأمن في الشرق الأوسط”، الذي تم عقده في وارسو؛ بهدف تشكيل تحالف دولي لمواجهة إيران.
واستضافت العاصمة البحرينية في يونيو/حزيران 2019 ورشة عمل بعنوان “السلام لأجل الازدهار”، جرى خلاله تقديم الشق الاقتصادي من صفقة الرئيس الأمريكي”دونالد ترامب” للسلام، المعروفة باسم “صفقة القرن”.
وفي يوليو/تموز 2019، التقى وزير خارجية البحرين، “خالد بن أحمد آل خليفة”، بوزير الخارجية الإسرائيلي في واشنطن.
وفي 28 يناير/كانون الثاني 2020، حضر سفير البحرين في واشنطن “عبد الله بن راشد آل خليفة”، وسفير الإمارات “يوسف العتيبة”، وسفيرة عُمان “حنينة المغيري”، المؤتمر الذي عقده الرئيس الأمريكي للإعلان عن تفاصيل الجزء السياسي من خطته لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، المعروف باسم “صفقة القرن”.
رفض شعبي
تسارع الدول العربية، وخاصة دول الخليج العربي – لأسباب سياسية داخلية وخارجية مختلفة – نحو تطبيع العلاقات مع (إسرائيل)، دون النظر إلى إمكانية التوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية.
وتعتقد هذه الأنظمة أن التطبيع مع (إسرائيل) يساعدها على حماية أمنها ويقرّبها من واشنطن، بغض النظر عن موقف الفلسطينيين أو المواطنين العرب تجاه هذا التطبيع.
ولا تزال الغالبية العظمى من الشعوب العربية ترفض الاعتراف بـ (إسرائيل).
وتم تعزيز علاقات بعض الدول مع (إسرائيل) إلى حد التحالف قبل حتى إقامة علاقات دبلوماسية رسمية. وهكذا، فإن مصطلح التطبيع لا يرقى إلى وصف حقيقة الأمر، لكن الدول التي تقيم علاقات مع (إسرائيل) لا تزال تحسب خطواتها بسبب حساسية الرأي العام تجاه هذه القضية.
ويتم دفع قطار التطبيع العربي الإسرائيلي بواسطة حسابات الأنظمة، وليس مصالح الشعوب.
علاوة على ذلك، يدرك الرأي العام العربي أن السلام مع (إسرائيل) لم يجلب الرخاء لشعوب الدول العربية التي وقعت بالفعل اتفاقيات معها، وأن هذا السلام كان أحد العقبات التي تحول دون إصلاح النظم السياسية المحلية.
وتعتبر الشعوب العربية أن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين هو آخر مخلفات الاستعمار، لذا فإن القضية الفلسطينية تظل قضية كل العرب، وهو وضع لن تنجح الأنظمة العربية في تغييره مهما فعلت.