مقالات وتحليلات (وكالة الصحافة اليمنية)
من الصعب ان تجد مختصا بعلم الادلة الجنائية لا يقول لك ان جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول، كشفت تهورا واخطاء على مستويات عديدة بالنسبة للجهة التي امرت بارتكاب الجريمة وتلك التي نفذت.
ولا تنفك السلطات السعودية تتخبط فيما يخص القضية، وتصحو من اثر صفعة لتتلقى صفعة جديدة. فمنذ البداية كان من الصعب اخفاء تورط قيادات عليا في الجريمة لم يتوقف مستواها عند احمد العسيري رئيس الاستخبارات السابق وسعود القحطاني اكثر المقربين من ولي العهد محمد بن سلمان ومحمد الطبيقي خبير الطب الامر لا يقف عند هؤلاء بل يصل الى قيادات اعلى وبطبيعة الحال لم يتبق الا ولي العهد.
حاولت السعودية انكار مقتل خاشقجي، ثم اعترفت وقالت انه قتل عن طريق الخطأ. وكأن وجود خبير في الطب الشرعي وخبير تشريح في القنصلية كان لاقناع خاشقجي بالعودة الى الرياض فقط.
بعد الاعتراف بالقتل عقدت السعودية محاكمات صورية لمتهمين دون اي صورة او تسجيل او محضر عن المحاكمات ومن المدعي ومن المتهم. في الواقع لم تكن المحاكمات الا بيانات تنشرها وكالة الانباء السعودية والاعلام السعودي. ما عدا ذلك لم يعرف احد ما جرى في المحاكمات (هذا ان كان هناك ما جرى)
التخبط الاخر تمثل في الاحكام التي قالت الرياض ان القضاء اصدرها على خمسة اشخاص بالاعدام (لم تذكر اسماؤهم) وسجن ثلاثة اخرين (ايضا لم تذكر اسماؤهم) وتبرئة ثلاثة بينهم العسيري والقحطاني.
الفشل الكبير تمثل في تبرئة القحطاني والعسيري، في محاولة لتبرئة ساحة ولي العهد كون الرجلين من اكثر المقربين له. لكن هذا الالتفاف لم يقنع حتى حلفاء ابن سلمان والمقصود هنا الاميركيون. ناهيك عن ان المحاكمات بكلها وكلكلها لم تقنع احدا. لاسيما المقررة الاممية “انييس كالامار” التي عادت من جديد لتؤكد ان ولي العهد السعودي متهم رئيسي في الجريمة.
رأي كالامار قانوني ومهني صرف. وليس كما بدا الاعلام السعودي والذباب الالكتروني السعودي يصورها ويقول أنها تلقت اموالا من اطراف عدة (تارة قطر واخرى تركيا) للتصويب على ابن سلمان. لكن هنا يطرح سؤال بسيط. لو كانت كالامار تصرح بدافع الحصول على المال، الم يكن اسهل لها التواصل مع السعوديين ومساومتهم والحصول على اموال اكثر بكثير من اي طرف اخر مقابل تبرئة ساحة ولي العهد؟ خاصة وان السلطات السعودية تعرف كيف تلعب لعبة شراء الاصوات والاراء واسكات المعارضين والمنتقدين على الساحة الداخلية والدولية.
لكن ما قالته كالامار ليس الا رايا قانونيا بحتا مبنيا على وقائع وعلى ما شاهدته وسمعته من ادلة قدمتها اليها السلطات التركية التي تقول التقارير انها تمتلك ما هو اكثر وضوحا بالنسبة للجريمة. اضافة الى ان كل ما يجري في المملكة يكون بامر وعلم من ولي العهد.
وعليه تجدر الاشارة الى ان القضية لن تنتهي خاصة بالنسبة لولي العهد السعودي. فهو بخطوة قتل خاشقجي (الفاقدة للذكاء) وضع نفسه تحت رحمة اكثر من طرف.
= اولا.. على ولي العهد ان يتعود على خطوات تركية تؤرقه بالنسبة للجريمة. وكما يبدو، لدى تركيا نفس طويل وتصميم على الذهاب في القضية حتى الاخير ولديها اوراق تلعبها في هذا السياق
= ثانيا.. دون ان يدري وضع ابن سلمان نفسه تحت رحمة الاميركي الذي لا يرحم في لعبة الابتزاز. والامر لا يتوقف على ترامب الذي سلمه ولي العهد نفسه من خلال الجريمة وطلب التغطية منه ليحصل ترامب منه على المليارات مقابل الحماية. بل ان الديمقراطيين وايضا الجمهوريين لن يتركوا ابن سلمان في شانه وسنرى القوانين التي تدعو لمحاسبة المتورطين في قتل خاشقجي والتلميحات لولي العهد تظهر الى الاعلام وتعود الى جلسات القضاء كل مرة يريد هؤلاء تمرير اجندة ما لدى السعوديين.
= ثالثا.. قد يجد ولي العهد السعودي نفسه تحت رحمة ابناء عمومته الذين لن يفوتوا اي فرصة للانقضاض عليه وابعاده عن العرش. وحينها ستكون قضية خاشقجي سببا اكثر من كافي للانتقام منه.
على ضوء كل ذلك قد يكون حلم ابن سلمان بالوصول الى العرش اسهل من انهاء قضية خاشقجي واقفال القضية نهائيا.
وخلال المقابلة أشارت كالامار إلى أنه “كان من الواجب على تركيا التحقيق في جريمة القتل هذه، لأنها تمت على الأراضي التركية”.
واستطردت: “كما ذكرت في تقريري، فإن تركيا من وجهة نظري قامت بالتحقيق في جريمة قتل خاشقجي بجدية بالغة. وليس لدي أي دليل على أنهم لم يقوموا بالتحقيق بطريقة صحيحة”.
وأكدت كالامار أنها استقبلت بدء المحاكمة في إسطنبول “بكل ترحيب”، لأنها تعبر عن “مدى الجهود التي بذلتها تركيا في هذه القضية وهذا الأمر مهم للغاية لموثوقية وشرعية المحاكمة”.
وطالبت كالامارد بالصبر “لفترة طويلة” في قضية مقتل خاشقجي، مؤكدة اعتقادها بأن العدالة ستتحقق “عاجلاً أم آجلاً”.
وأضافت: “أعتقد أن العديد من الحكومات تتوقع أن تنفذ طاقتنا في المطالبة بالصبر وتحقيق العدالة، لأن المحتوى والعوائق كثيرة للغاية.”
وتابعت: “عملية المحاكمة ليست سباقاً بطول 50 متراً، بل هي عبارة عن ماراثون طويل، ويجب أن نكون مستعدين للقتال في كل خطوة من خطوات هذا الماراثون”.
ومضت في حديثها قائلة: “أعتقد أنه من السذاجة وعدم الفطنة أن نفكر في أن محمد بن سلمان قد يواجه القضاء غداً، فلن يحدث هذا وخاصة في المستقبل القريب، سيستغرق الأمر بعض الوقت ويجب علينا المحاربة في سبيل التوعية بذلك، علينا أن نذكر الحكومات بأن الشخص الذي أمر بقتل خاشقجي لا تزال يداه ملطخةٌ بالدماء”.
وتابعت: “يجب علينا أن نعمل على فرض تكلفة سياسية لجريمة مقتل خاشقجي. فإذا لم تكن لجريمة القتل هذه تكلفة قانونية (حقوقية)، فنحن بحاجة إلى التأكد من أن لها تكلفة سياسية، وهنا يلعب المجتمع المدني دوره، كما يمكن لوسائل الإعلام وبعض الحكومات حسنة النية أن تلعب دوراً هاماً هنا”.
وفي 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2018 قُتل خاشقجي داخل قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول، وباتت القضية من بين الأبرز والأكثر تداولاً في الأجندة الدولية منذ ذلك الحين.
وعقب 18 يوماً من الإنكار قدمت خلالها الرياض تفسيرات متضاربة للحادث، أعلنت مقتل خاشقجي إثر “شجار مع سعوديين”، وتوقيف 18 مواطناً في إطار التحقيقات، دون الكشف عن مكان الجثة.
حسين الموسوي