المصدر الأول لاخبار اليمن

عطوان: أحدث الفضائح المالية تكشف مخططات التجويع وانهيار الليرة اللبنانية.. لماذا لا يمكن ان يكون لبنان محايدا؟ وأين اخطأ البطريرك في تصريحاته الأخيرة؟ 

 

عبد الباري عطوان //  وكالة الصحافة اليمنية //

في الوقت الذي تكشف فيه عمليات التدقيق الرسمية في حسابات وزارة المالية في الفترة من 1993 الى 2017 عن اختفاء حوالي 27 مليار دولار، أي ما يشكل ثلث الدين العام تقريبا، يخرج علينا البطريرك بطرس الراعي بتصريحات يلقي فيها اللوم على “حزب الله” ويحمله مسؤولية عدم وصول المساعدات المالية من الدول الغربية والخليجية، مما أوصل لبنان بالتالي الى حالة الانهيار والتأزم الاقتصادي التي يعيشها حاليا.

ما يجعلنا تأخذ هذا الكشف المهم عن احد ابرز عمليات النهب والسرقة للمال العام ان معظم وسائل الاعلام اللبنانية، ومحطة تلفزيون “M T V” على وجه الخصوص، هي التي سارعت بنقل التفاصيل، المعززة بالوثائق في هذا المضمار، مثلما سلطت الأضواء قبلها على تحويل عشرات المليارات من الأرصدة في البنوك والمصارف اللبنانية الى حسابات بنكية في أوروبا وامريكا، بعلم المصرف المركزي اللبناني، وموافقته، في اطار خطة مدروسة لتدمير القطاع المالي اللبناني، وإفقاد العملة الرسمية (الليرة) 80 بالمئة من قيمتها، وافلاس عشرات الآلاف من الشركات وتجويع الشعب اللبناني وبما يؤدي في نهاية المطاف الى اشعال فتيل الحرب الطائفية، واغراق البلاد في الفوضى والحرب الاهلية.

***

لا نعتقد انه من قبيل الصدفة ان تأتي تصريحات البطريرك الراعي في ظل الحملة المسعورة على حكومة السيد حسان دياب، وانخراط معظم الاحزاب والكتل السياسية المعادية لها وللتحالف الداعم لها في حملات تشويه لتقويضها، بالتعاون مع جهات خارجية تتزعمها الولايات المتحدة الامريكية.

السيدة دوروثي شيا السفيرة الامريكية في بيروت التي تشكل رأس حربه في عملية التحريض ضد الحكومة و”حزب الله” كانت جريئة الى درجة الوقاحة، عندما اتهمت الحزب بنهب الخزينة اللبنانية، وتأكيدها بأنه لن تكون هناك أي مساعدات خارجية للبنان في ظل وجود الحزب في الحكومة، واحتفاظه بسلاحه، ومن المفارقة انه بعد هذه التصريحات انهارت قيمة الليرة بشكل قياسي، ووصل سعرها الى اكثر من 9000 ليرة مقابل الدولار في أيام معدودة، وجاء انهيار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بعشرين مليار دولار، وفك تجميد 11 مليارا أخرى قررتها الدول المانحة في مؤتمر باريس للأسباب والمطالب التعجيزية نفسها.

الذين يشنون الحرب لإسقاط حكومة السيد حسان دياب باعتبارها حكومة “حزب الله” في نظرهم، يريدون احد خيارين، الأول هو عودة احد رؤوساء الوزراء السابقين الذي جرى نهب الـ 27 مليار دولار وربما ما هو اكثر منها في زمن حكوماتهم، او انزلاق البلاد الى الفوضى والحرب الاهلية بالتالي، ومصلحة المواطن اللبناني الفقير المعدم المسحوق هو آخر اهتمامات قادة هذه المؤامرة والداعمين لها.

تحذيرات السيدة ميشيل باشيليت، مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الانسان، التي اطلقتها قبل أسبوع وقالت فيها “ان الوضع في لبنان بات خارجا عن السيطرة، وان هناك مئات الآلاف الذين يواجهون خطر المجاعة في ظل افلاس الشركات وتفاقم معدلات البطالة، وانقطاع الكهرباء، هذه التحذيرات قوبلت بالتجاهل المطلق من قبل “القطط السمان” والمتآمرين، الذين يأخذون تعليماتهم من السفيرة الامريكية السيدة شيا، والأخطر من ذلك انهم صعّدوا تآمرهم.

هذه الحملة على “حزب الله” وسلاحه، والرئيس ميشال عون المتمسك “بشجاعة” غير مسبوقة، بالتحالف معه، حفاظا على امن لبنان واستقراره وهويته الوطنية، تأتي بهدف اطلاق مفاوضات ترسيم الحدود اللبنانية، البرية والبحرية، مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وتمرير أطماع الأخيرة في الاستيلاء، ونهب احتياطات لبنان من النفط والغاز وإعطاء المتآمرين بعض الفتات مقابل تواطئهم حتى تتضخم ملياراتهم المحرمة في البنوك الخارجية.

سلاح “حزب الله” المدعوم من الشرعية النيابية والرئاسية المنتخبة، هو الذي يحمي الحقوق النفطية والغازية اللبنانية، ويمنع التغول الإسرائيلي، وانتهاكه للسيادة اللبنانية، ولهذا يريدون نزعه في اسرع وقت ممكن حتى لو أدت هذه الخطوة لدمار لبنان واغراقه في حرب قد تكون اطول واكثر دمارا من الأولى في منتصف السبعينات.

اذا جرى تخيّير الشعب اللبناني بين الحرب او الموت جوعا، فانه سيختار الأولى مكرها، فهذا الشعب، او الشرفاء منه، الذين يقفون في خندق المقاومة، لا يخشى الحرب، وسيدافع عن كرامته وسيادته الوطنية، ولن يقبل بحكومة تديرها السيدة دوروثي شيا السفيرة الامريكية التي تضع دولتها المصالح والاطماع الإسرائيلية فوق كل الاعتبارات.

***

ختاما نجد لزاما علينا تحذير كل الواقفين في الخندق الأمريكي الإسرائيلي من ان الزمن تغير جذريا، فمن يحافظ اليوم على امن لبنان وسيادته وكرامته محور لبناني صرف يقوده تحالف غير طائفي، يضم المسيحي جنبا الى جنب مع شقيقه المسلم من مختلف المذاهب، مضافا الى ذلك ان أمريكا وحلفاءها اليوم، والإسرائيليين منهم خاصة، ليسوا بالقوة التي كانوا عليها قبل ما يقرب من النصف قرن عندما اشتعلت الحرب الاهلية الأولى، وتكتل المقاومة اللبنانية الهوية والانتماء، اكثر قوة واعمق خبرة، وافتك تسليحا، وليس له أي وطن آخر غير لبنان.

لبنان اليوم لن يكون محايدا ولا يجب، لأنه ليس سويسرا، ولا هو عضو في الاتحاد الاسكندنافي، واي مطالب في هذا الخصوص تعكس جهلا متعمدا بالواقع بكل تفاصيله، فأي حياد هذا في ظل تغول امريكي، وقانون قيصر ومخطط تجويعي، وجار إسرائيلي متعطش للهيمنة وسفك الدماء؟

نحن مع السلام والتعايش بين كل مكونات النسيج اللبناني، بشقيه السياسي والاجتماعي، وتجنب أي حرب بكل الطرق الممكنة، ومهما كان الثمن، لان الكل اللبناني، دون استثناء، سيكون ضحية هذه الحرب في حال اشتعال فتيلها، والحكيم من اتعظ بغيره، ونحن على ثقة بأن عدد الحكماء فيلبنان اضعاف أضعاف اعداد الحمقى.. ونأمل ان نكون مصيبين.. والله اعلم.

#رأي اليوم

 

قد يعجبك ايضا