أشلاء متناثرة، جثث متفحمّة، وأجساد هزيلة. مشهديات ـ يَندى لها الجبين ـ اعتدنا على مشاهدتها خلف شاشات التلفزة في بلد سُمّي ذات يوم باليمن “السعيد”، ثم حوّلته السعودية الى يمن “بائس”. مشهديات أقسى من أن يتحملها عقل بشري، تُحاكي بفظاعتها ووحشيتها المجازر التي ارتكبها العدو الصهيوني في حروبه ضد لبنان وفلسطين.
منذ فجر السادس والعشرين من آذار/ مارس عام 2015، تصب الرياض جام حقدها على البلد المجاور لها تحت عنوان “عاصفة الحزم”. لم توفّر وسيلةً إلا وانتهجتها في سبيل ترهيب الشعب اليمني. ذلك الذي لم تُرهبه فظاعة الحرب. فكابد جحيم نيرانها، في صمود أسطوري، يدخل الإثنين المقبل عامه الرابع. وتزداد معه “مملكة الفساد” انحداراً يُضاف الى مكانتها في الدرك الأسفل من الانحدار الأخلاقي، في أقسى حروب العصر التي لم تحصد فيها موقدتها سوى المزيد من الشرور والخيبة. ثلاث سنوات مرّت على الحرب الغاشمة على اليمن، أمعنت فيها آلة العدوان السعودية بقتل المدنيين العزّل. ثلاث سنوات لم تحقّق فيها السعودية سوى قتل وجرح الآلاف. ثلاث سنوات وثّقت فيهم وزارة الصحة اليمنية أرقاماً كارثية للخسائر التي خلفها العدوان والحصار السعودي على الشعب اليمني، متحدّثة عن أكثر من 35 ألفًا بين شهيد وجريح، بينهم أكثر من 13 ألف شهيد، موزعين، بين أطفال 2887، نساء 2027، ورجال 8689، فضلاً عن خسائر مادية جسيمة طالت البنى التحتية، والمنشآت الخدمية، والاقتصادية، ناهيك 21 مليون يمني بحاجة إلى مساعدة إنسانية، يتخلّلهم أكثر من 9 ملايين يشرفون على الدخول في مرحلة المجاعة، وفق احصاءات برنامج الغذاء العالمي.
بنك اهداف مفلس
وعلى أعتاب دخول العدوان عامه الرابع، تكثر التساؤلات عن جدواه، والأهداف التي حققها، غير القتل والتهجير والتدمير. الكاتب السعودي فؤاد ابراهيم، يُشدّد على أن بنك الأهداف الذي أعلنه المتحدّث العسكري باسم قوات العدوان أحمد عسيري منذ اليوم الأول، كان مفلساً. حديثه آنذاك عن إعادة الشرعية ونزع السلاح وإعادة تشكيل السلطة في اليمن، أثبت عقمه وفشله في الميدان، إذ لم يتحقّق أي هدف من ذلك. فإصرار قوى العدوان وتشبثها بمواصلة الحرب رغم سيل النصائح التي أسديت اليها من أقرب المقربين سواء خبراء عسكريين أو حلفاء سياسيين، والطلب منها إيقاف الحرب، قبل “تكديس” الخسائر، أوصلها الى مأزق لا تستطيع الخروج منه. وفق ابراهيم، فإن عناد الرياض أدخلها في مستنقع لم تعد تملك بموجبه قرار التراجع، إذ إن إعلان وقف الحرب هو إعلان هزيمة، وهذا ما يخشاه النظام السعودي الذي قدّم نفسه باعتباره راعيا لمعسكر “الخير”.
يؤكّد ابراهيم أن “أعباء كبيرة باتت تضغط على النظام السعودي الذي يعيش حالة هزيمة، فيما يستفيد حلفاؤه (واشنطن ولندن) من استمرار العدوان عبر بيعه المزيد من السلاح والخدمات الاستخباراتية. ويرى المتحدّث أن “العدوان سيستمر طالما أن الأطراف المستفيدة لم تتخذ قرار إيقافه عبر ممارسة ضغطها على الرياض. برأيه، الإمارات والسعودية أُسقط من أيديهما قرار السلم والحرب. كلاهما في “ورطة”، فيما الجيش اليمني واللجان الشعبية يحققان تقدماً ويستعيدان المناطق التي خسروها في السابق، ممسكين في ذلك زمام المباردة، حيث بات الميدان صاحب الكلمة العليا”. وهنا يقول ابراهيم “لو أن النظام السعودي يمتلك ذرة من العقلانية والرشد، ويدرس مفاعيل واشارات الميدان جيداً، لاتخذ القرار السريع بوقف الحرب، ولكن يبدو أن عناد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الصبي المتهور والطائش لن يقود السعودية سوى الى المزيد من الخسائر والهلاك” يختم ابراهيم.