متابعات // وكالة الصحافة اليمنية //
عارٌ على الحُكومات العربيّة هذا النّكران والتّجاهل للبنان وشعبه ماليًّا وعاطِفيًّا؟ لماذا يكون ماكرون مُمثّل الاستعمار الفرنسي أوّل زعيمٍ يزور بيروت وليس القادة العرب؟ ولماذا جاءت تبرّعات مُؤتمر باريس أقل من ثمن لوحة تُزيّن صالونات المُلوك والأُمراء العرب ولا تَكفِي لإعمارِ حيٍّ واحدٍ؟
قراءة #عبد الباري عطوان
موقف مُعظم الحُكومات العربيّة تُجاه الأزمة اللبنانيّة المُتفاقمة مُخجِلٌ ومُثيرٌ للإحباط، وكأنّ هذا البلد الذي يتغنّى الجميع بجماله، وطابَعه الحضاريّ، وديمقراطيّته الفريدة، ومخزونه الثّقافي والإبداعي ليس عربيًّا، وهي التي تُقدّم مِئات المَليارات للرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب وغيره لشِراء أسلحة لم تُستَخدم إلا في حُروبٍ فاشلةٍ ضدّ العرب والمُسلمين.
نتحدّث هُنا عن بلدٍ عربيٍّ يُواجه أوضاعًا معيشيّةً في ذروة الصّعوبة، حيث أكثر من 300 ألف مُشرّد، وثلاثة ملايين إنسان عزيز على حافّة المَجاعة، إنْ لم يَكُن في قلبها، علاوةً على آلاف الجرحى، ومع ذلك، لم يُقدّم العرب الأكثر ثراءً في العالم إلا فُتات الفُتات، ولم تدعُ جامعتهم “العربيّة” لاجتماعٍ طارئٍ لنجدته، ولو حتّى على مُستوى المندوبين الدّائمين، ناهِيك عن القادة أو وزراء الخارجيّة.
عارٌ على العرب جميعًا أن يكون إيمانويل ماكرون، مُمثّل الاستعمار الفرنسي، أوّل زائرٍ لبيروت بعد تدمير الانفجار في الميناء لنِصفها، ولم نُشاهد زعيمًا أو حتّى وزير خارجيّة عربي واحد يَحُط الرّحال في مطارها لإظهار الحدّ الأدنى مِن التّضامن، أو يدعو لمُؤتمرٍ لتضميد جِراح المُصابين ماديًّا وطبيًّا ونفسيًّا.
300 مليون دولار كُل ما استطاع مُؤتمر باريس جمعه من الحُكومات المُشاركة، وعلى رأسها الولايات المتحدة، الدولة العُظمى، وبعض وزراء خارجيّة العرب الذين شاركوا على استِحياء ولإرضاء السيّد الأمريكي والفرنسي، وهذا المبلغ أقل من ثمن لوحة يُزيّن بها أمير أو ملك عربي أحد صالونات قُصوره.
ذنب لبنان في نظر هؤلاء العرب أنّه الوحيد عَربيًّا الذي يتصدّى للاحتِلال الإسرائيلي، ويُحقّق الرّدع والتّوازن الاستراتيجي في مُواجهته، ويملك رجالًا شُرفاءً أشدّاء يُدافعون عن كرامتهم وعزّتهم، أو ما تبقّى منهما، والوحيد الذي يَذكُر فِلسطين، ويُذّكر المُتخاذلين بالقدس المحتلّة وأقصاها.
لبنان يحتاج إلى 15 مِليار دولار لإعادة إعمار آثار الكارثة، ويُرمّم مباني وجِراح المُشرّدين، ولم نرَ حتّى الآن إلا المُبالاة وإدارة الوجه إلى النّاحية الأُخرى، حتّى الوعود الكاذبة الإنشائيّة بالدّعم غابت كُلِّيًّا، وغاب معها حُكّام يَدّعون أنّهم يُمثِّلون خير أمّةٍ أُخرجت للنّاس.
الشّعب اللّبناني العربيّ الأصيل الكريم المِضياف والشّجاع لا بَواكِي له، وهذا لا يُفاجئنا، في هذا الزّمن العربيّ الرّديء، ولكنّه رُغم كل هذا الخُذلان لن يتخلّى عن عُروبته وقيمه وأخلاقه، وسيَخرُج من وسَط رُكام هذه الأزمة، مِثل كُل الأزمات السّابقة قويًّا مُتعافيًّا.. والأيّام بيننا.
“رأي اليوم”