تسببت خسائر شركة ارامكو والحرب النفطية بين السعودية وروسيا في نسف خطة ورؤية محمد بن سلمان 2030 حيث لم تؤد الخطة التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد السعودي إلى النتائج المتوقعة.
ويعاني الاقتصاد السعودي حاليا من خسائر كبيرة نتيجة تراجع أسعار المواد الخام. ومن المحتمل أن تكون محاولات الرياض لإنهاء الحرب في اليمن ذات أهداف اقتصادية بالأساس.
وفي تقرير نشره موقع “نيوز. ري” الروسي، أكد إيغور يانفاريف أن القيادة السعودية تحاول تقديم لعبة تخفيض أسعار النفط على أنها مفيدة بالنسبة إليهم.
على الرغم من المناقشات في المملكة السعودية بشأن الحاجة إلى إيجاد مصادر جديدة ذات قيمة مضافة غير مرتبطة بإنتاج النفط، فإن صادرات النفط تمثل حوالي 80% من دخل المملكة، في وقت تسعى فيه “رؤية 2030” إلى إخراج السعودية من وضعية الاعتماد التام على صادرات النفط من خلال إعادة استثمار الثروة النفطية في الصناعات المستدامة.
وينقل الكاتب عن الخبيرة البارزة في شؤون الشرق الأوسط في “أكسفورد أناليتيكا” لورا جيمس قولها إن البرنامج الإستراتيجي السعودي “رؤية 2030” يتخلف عن معظم أهدافه المتعلقة بعام 2020. ويعتبر جمع الأموال لإعادة الاستثمار حجر الزاوية في هذه الإستراتيجية -بحسب الكاتب- لكن تم تقويض هذه الخطط نتيجة الهجمات على مصافي شركة أرامكو السعودية العام الماضي. وعلى هذا الأساس، تم تذكير المستثمرين بالمخاطر الجيوسياسية التي تهدد وجود أرامكو بالكامل.
وذكر الكاتب أن ولي العهد السعودي ضغط على المواطنين السعوديين الأثرياء لشراء أصول شركة أرامكو في إطار الاكتتاب العام الأولي، في وقت قدرت فيه القيمة السوقية لعملاق الطاقة بنحو 1.7 تريليون دولار، وهي أقل من قيمة تريليوني دولار المخطط لها، وفي الوقت الراهن لا تستفيد أسهم الشركة من حرب الطاقة الحالية.
وأضاف الكاتب أن الاستثمار الأجنبي المباشر من المعايير الأخرى لضمان نجاح “رؤية 2030″، ورغم أن قيمة الاستثمار الأجنبي في المملكة لعام 2018 بلغت 3.2 مليارات دولار، فإنه لا يمكن مقارنة هذا الرقم مع قيمة الاستثمار الأجنبي لعام 2015، التي قدرت بنحو 8.1 مليارات دولار، أو لعام 2010 التي قدرت بحوالي 29.2 مليار دولار.
وأفاد الكاتب بأن نمو القطاع الخاص غير النفطي يعتبر علامة بارزة أخرى في المملكة، وقد بدا الوضع واعدا حتى بدأت وتيرة التنمية في التباطؤ في ديسمبر/كانون الأول 2019.
وفي فبراير/شباط من هذا العام، تباطأ نمو القطاع الخاص غير النفطي مقارنة بالعامين الماضيين، خاصة مع تقويض الإنتاج بسبب فيروس كورونا، وفي الوقت الراهن، يمكن للضغوط الضريبية الناجمة عن حرب الأسعار أن تجعل الوضع أكثر تعقيدا، وفق الكاتب.
وختم الكاتب بأن إحدى النتائج الهامة لحرب النفط هي أنها قد تؤدي إلى حدوث بعض التغييرات في السياسة الخارجية للمملكة، كما قد تؤدي إلى عدم القيام ببعض الحملات العسكرية، ولكن ذلك لا يغني البلاد عن البحث عن مصادر أخرى ذات قيمة مضافة لا تتعلق بإنتاج النفط.
وكانت أرامكو السعودية، أكبر شركة نفط وطنية في العالم، قد أعلنت، انخفاض أرباحها خلال النصف الثاني من العام الحالي بنسبة 73% إلى 24.6 مليار ريال (6.6 مليارات دولار) مقابل أرباح 92.6 مليار ريال خلال نفس الفترة من العام السابق.
وانخفضت الأرباح إلى 87.1 مليار ريال بنهاية النصف الأول من 2020 مقارنة بما قدر بـ 175.9 مليارا تم تحقيقها خلال نفس الفترة من عام 2019.
وقال بيان أرامكو إن سبب انخفاض الأرباح خلال الفترة الحالية مقارنة مع الفترة المماثلة من العام السابق يعود إلى “انخفاض الأسعار، وخسائر إعادة تقييم المخزون، بالإضافة إلى تدني هوامش الربح في أعمال التكرير والكيميائيات على صافي الدخل عام 2020”.
وقال رئيس الشركة وكبير إدارييها التنفيذيين أمين الناصر “الظروف غير المواتية الناتجة عن تراجع الطلب وانخفاض أسعار النفط الخام انعكست على نتائجنا للربع الثاني”.
واضاف: “بالنظر إلى الشهور المتبقية من عام 2020، نتوقع أن تؤثر جائحة كورونا على الطلب العالمي على الطاقة وأسعار النفط، ما سينعكس بدوره على إيرادات الشركة”.
وتراجعت أسعار النفط الأشهر الأخيرة إلى مستويات قياسية قبل أن تعاود انتعاشها، على خلفية انتشار فيروس كورونا المستجد والإغلاقات المرتبطة به.
وسجّلت المملكة أكثر من 287 ألف إصابة بهذا الفيروس المستجد بينها أكثر من 3100 حالة وفاة، وهو المعدل الأعلى بين دول الخليج.
ولا تزال الرحلات الدولية معلّقة منذ أشهر في السعودية التي تواجه مصاعب اقتصادية كبيرة. وقامت السلطات بتعليق العمرة وتقليص أعداد الحجاج من 2.5 مليون شخص إلى بضعة آلاف في مكة المكرمة.
كما اعلنت أرامكو في مايو/أيار الماضي عن تراجع صافي أرباحها في الربع الأول من العام بنسبة 25% جرّاء انخفاض أسعار الخام.
وانخفضت أسعار خام برنت 65 بالمئة في الربع الأول، قبل أن يتفق منتجو أوبك+ على خفض الإمدادات بحجم قياسي قدره 9.7 مليون برميل يوميا بدءا من مايو أيار للمساعدة في رفع الأسعار وكبح فائض المعروض.
وتراجع صافي الربح إلى 62.48 مليار ريال (16.64 مليار دولار) بعد الزكاة والضريبة في الربع المنتهي في 31 مارس آذار من 83.29 مليار ريال قبل عام.
وكان محللون يتوقعون ربحا بقيمة 17.8 مليار دولار، وفقا لمتوسط التقديرات من المجموعة المالية هيرميس المصرية والراجحي كابيتال السعودية وأرقام كابيتال ومقرها دبي.
وقالت أرامكو إن النتائج تعكس “انخفاض أسعار النفط الخام وكذلك انخفاض هوامش أرباح التكرير والكيميائيات وخسائر إعادة تقييم المخزون”.
وأبقت أرامكو على إنتاجها النفطي عند نحو 9.7 مليون برميل يوميا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام بموجب اتفاق أوبك+ لخفض الإمدادات، قبل أن تضخ الشركة النفط بأقصى قدر في نيسان/ أبريل إثر انهيار محادثات بشأن تخفيضات للإمدادات في أوائل آذار/ مارس.
وقالت أكبر شركة منتجة للنفط في العالم، والتي طُرحت في البورصة العام الماضي، إنها دفعت إجمالي توزيعات أرباح بقيمة 13.4 مليار دولار في الربع الأول عن الربع الأخير من 2019. وإن توزيعات بقيمة 18.75 مليار دولار سيتم سدادها في الربع الثاني. وقال محللو برنستاين في مذكرة: “أرامكو ستقترض لدفع توزيعاتها للأرباح وهو ما لا تقدر على تحمله في الأجل الطويل”.
وقال توماس أدولف المحلل في كريدي سويس في مذكرة إن توزيعات الأرباح وصفقة سابك معا من المنتظر أن تدفعا النسبة بين ديون أرامكو وقيمتها السوقية لتتجاوز الحد الأعلى للنطاق الذي حددته لنفسها والذي يتراوح من 5 بالمئة إلى 15 بالمئة.
واضاف أدولف: “إذا كانت الحكومة تريد أن تدفع أرامكو 75 مليار دولار في توزيعات أرباح فإنها ستفعل هذا من خلال إضافة ديون جديدة إلى ميزانيتها العمومية”.
وقالت الشركة إن التدفقات النقدية من أنشطة التشغيل بلغت 22.4 مليار دولار في الربع الأول مقارنة مع 24.5 مليار دولار في الفترة نفسها من 2019.
وتخطط شركة النفط الوطنية العملاقة للاستحواذ على حصة في سابك لصناعة البتروكيماويات السعودية مقابل نحو 70 مليار دولار، بيد أن مصادر قالت لرويترز إن من المرجح إعادة هيكلة الصفقة مع هبوط أسعار النفط بسبب فيروس كورونا.
وقالت أرامكو في وقت سابق إن استحواذها المزمع على حصة 70 بالمئة في سابك يمضي قدما نحو الاكتمال في الربع الثاني.
من جانبه قال موقع أويل برايس إن حرب الأسعار في سوق النفط بين السعودية وروسيا، كبدت الرياض خسائر في عائدات صادرات النفط بلغت 12 مليار دولار في أبريل/نيسان وحده.
وأضاف الموقع أن بيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودية، أظهرت انخفاضَ عائدات صادرات النفط السعودية بأكثر من 65%، مقارنة بأبريل/نيسان من العام الماضي، مع رفع الرياض إنتاجها بشكل غير مسبوق.
وتشهد عائدات السعودية من صادرات النفط تراجعا منذ بداية هذا العام، إذ هبطت 23 مليار دولار منذ يناير/كانون الثاني وحتى نهاية أبريل/نيسان الماضي.
وقال خبير النفط العالمي الدكتور ممدوح سلامة إن السعودية لم تجن أي ربح من حرب الأسعار ضد روسيا في أبريل/نيسان الماضي.
وأضاف للجزيرة أن القرار السعودي كان متسرعا وعاطفيا، وأشار إلى أن قرار الرياض إغراق الأسواق جاء في وقت كانت فيه هذه الأسواق تنوء تحت ما يزيد على 30 مليون برميل، جراء انخفاض الطلب العالمي بسبب أزمة فيروس كورونا وتحت ضغط تخمة في المعروض بنحو 1.8 مليار برميل.
ولفت ممدوح سلامة إلى أنه في الوقت الذي كانت فيه روسيا بحاجة إلى سعر 40 دولارا لمعادلة موازنتها، كانت السعودية بحاجة إلى ما بين 84 دولارا إلى 91 دولارا لتحقيق توازن ميزانيتها.
ولمواجهة انخفاض إيراداتها، لجأت السعودية -بحسب سلامة- إلى خفض الإنفاق وفرض الضرائب لاستعادة التوازن.
وقال صندوق النقد الدولي إن اقتصاد السعودية سينكمش بنسبة 6.8% هذا العام، وهو تراجع أشد من تباطؤ نسبته 2.3% كان متوقعا في أبريل/نيسان الماضي، وذلك بفعل التداعيات الشديدة لانخفاض أسعار النفط وجائحة فيروس كورونا.
قادت السعودية خسائر أسواق المال في دول الخليج مع افتتاح تعاملات ، حيث تراجع سهم شركة أرامكو النفطية إلى مستوى قياسي، وذلك على خلفية انهيار قيمة النفط في خضم “حرب أسعار” بدأتها المملكة.
وتعرضّت سوق المال السعودية “تداول”، الأكبر في المنطقة، لخسائر قاسية حيث هبط المؤشر العام بأكثر من 9%، بينما تراجعت قيمة سهم شركة أرامكو، عملاق النفط، بنسبة 10% وهو مستوى قياسي، لتبلغ 27 ريالا. وبعد ساعات من الافتتاح، قلصت السوق السعودية من خسائرها لتصل إلى 6.9%، كذلك تراجعت خسائر أسهم “أرامكو” لتصل إلى 7.2%.
وتتوقع وكالة “بلومبيرغ” أن تواجه أرامكو المزيد من ضغوط البيع، وسيكون ذلك بمثابة ضربة قوية لمواطني المملكة، الذين تم تشجيعهم على الاستثمار في الشركة، بعد أن رأى المستثمرون العالميون إلى حد كبير أنه قد تمت المبالغة في تقديرها وبقيت بعيدة. ويمكن أن يعوق أيضا خططا لمزيد من مبيعات الأسهم في الشركة.
وإذا انخفض سعر أرامكو أكثر، فقد يثني ذلك عن بيع المزيد من الأسهم في الشركة للمساعدة في تمويل صندوق الثروة السيادية.
ويتواصل العجز المالي في المملكة خلال 2020 للعام السادس على التوالي، وفق تقديرات الموازنة التي أعلنت عنها الحكومة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ما يشير إلى زيادة اللجوء إلى الاقتراض والسحب من الاحتياطي النقدي للإنفاق، وتحفيز الاقتصاد المتباطئ بفعل انخفاض أسعار النفط.
وبحسب مؤشرات موازنة العام 2020، تتوقع السعودية أن يبلغ العجز نحو 187 مليار ريال (49.8 مليار دولار)، مقابل نحو 35 مليار دولار مقدرة في العام الماضي 2019. إلا أن الخسائر النفطية الحاصلة، تزيد من العجز.
*”رؤية 2030″ فوق رمال متحركة
سعى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي لبلاده، لإعطاء وجه آخر للسعودية، مختلف تماما عما ألفه العالم، بشكل يتجاوز الصورة النمطية التي تختزل المملكة في برميل النفط وفي التطرف الوهابي. بن سلمان يحلم بجعل بلاده مركزا للتكنولوجية المتقدمة في الشرق الأوسط، بشكل ينقلها إلى عالم ما بعد النفط عبر”رؤية 2030″التي قدمها للعالم في أبريل / نيسان 2016. غير أن الرياح لا تجري دائما بما تشتهيه السفن. أربع سنوات بعد ذلك يجد الأمير الطائش نفسه أمام ما يشبه أضغاث أحلام. فقد انقلبت الأوضاع رأسا على عقب، فبدلا من بناء اقتصاد رقمي كما كان مخططا، وجد نفسه أمام خلل تاريخي في الميزانية العامة، بعد الانهيار غير المسبوق لأسعار النفط في سياق انتشار جائحة فيرونا المستجد وعدد من التحديات الداخلية التي لها علاقة بشرعية الحكم وبتوافقات الأسرة الحاكمة.
الصحافة الألمانية خصصت خلال الأيام القليلة الماضية عددا من التقارير التحليلية بمناسبة أحداث كانت المملكة طرفا أساسيا فيها، كحرب أسعار النفط مع روسيا وتراجع أسعار النفط العالمية وانهيار بورصة الرياض. إضافة إلى تداعيات جائحة كورونا والغضب الدولي المتزايد من الحرب في اليمن.
ورأى خبراء ألمان أن الأوضاع المالية الصعبة للمملكة والانتهاكات الممنهجة لحقوق الانسان فيها والاحتقان داخل الأسرة الحاكمة تجعل “رؤية 2030” لولي العهد محمد بن سلمان تبدو كسراب في الصحراء. المحللان في شؤون الشرق الأوسط كريستيان بومه وتوماس زايبرت كتبا بهذا الشأن في صحيفة “تاغس شبيغل” الصادرة في برلين (فاتح مايو/ أيار 2020): “رؤية 2030” تجاوزت طموحاتها الخيال، وتمويلها يسبب الدوران حتى داخل المملكة الثرية، فمدينة “نيوم” التكنولوجية لوحدها ستكلف ما لا يقل عن 500 مليار دولار، جزء من هذه الأموال كان سيأتي من الاكتتاب الأولي لشركة أرامكو المملوكة للدولة”. وخلص الكاتبان إلى أن الأزمة الاقتصادية الحالية تجعل هذا “المشروع الفرعوني” بعيد المنال.