تقرير: وكالة الصحافة اليمنية//
مرة أخرى يثار عبر وسائل الإعلام التعاون “الإسرائيلي” مع دول خليجية في مجال التجسس، وبيع الإسرائيليين إمكانات وخبرات خاصة تساعد حكومات خليجية في تعقب المعارضين..ومرة أخرى يأتي ذكر شركة “إن إس أو” الإسرائيلية في موضوع شديد الأهمية والحساسية، يتعلق ببرامجها التجسسية المتطورة “بيغاسوس”، التي تمكِّن من اختراق الهواتف النقالة.
هذه المرة فتحت صحيفة “هآرتس” العبرية موضوع التعاون الإسرائيلي الخليجي في مجال التجسس، مفيدة أن شركة “إن إس أو” باعت، في السنوات الأخيرة، برامج لمعارضي الحكم لدولة الإمارات العربية المتحدة ودول خليجية أخرى.
وبحسب ما ذكرته الصحيفة في تقريرها الذي نشرته اليوم الأحد، فإنّ صفقات بمئات الملايين من الدولارات تمت بوساطة رسمية لدولة الاحتلال الإسرائيلي.
وجاء تقرير “هآرتس” ليؤكد أن التطبيع الإماراتي مع “إسرائيل” الذي عقد مؤخراً، ما كان إلا نتيجة حتمية لتعاون عميق وحساس بين الجانبين.
من هي “إن إس أو”؟
شركة تقنية إسرائيلية تركز في عملها على الاستخبارات الإلكترونية، ويأتي في مقدمة خدماتها التجسس على الهواتف النقالة واختراقها، والتمكن من سرقة بياناتها.
تأسست عام 2010 من قبل نيف كارمي وأومري لافي وَشاليف هوليو، وتُفيد بعض التقارير بأنّ الشركة توظف نحو 500 شخص في مقرها في “هرتسليا” بالقرب من تل أبيب.
ووصلت الإيرادات السنوية للشركة إلى نحو 40 مليون دولار في عام 2013، وارتفعت إلى 150 مليون دولار بحلول عام 2015.
وفي يونيو من عام 2017 طُرحت الشركة للبيع بمليار دولار من قبل مالكتها شركة “فرانسيسكو بارتنرز مانجمنت”، وتمّت الصفقة في عام 2019.
وتنتشر خدمات الشركة في كل أنحاء العالم، وتتعامل مع كثير من الحكومات، لكن ارتبط اسمها بدول تتهم بانتهاكات واسعة في مجال حقوق الإنسان؛ مثل الإمارات والسعودية والبحرين.
وباعت الشركة نسخة قديمة من برنامجها لحكومة المكسيك عام 2012، بهدف التصدي لعصابات تجارة المخدرات في البلاد، لكن صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية قالت، في عام 2016، إن السلطات استخدمت البرنامج للتجسس على صحفيين ومحامين معارضين.
وذكرت “نيويورك تايمز” أن دولة الإمارات اشترت من الشركة برامج ساعدتها في التنصت على زعماء دول مجاورة، ورئيس تحرير إحدى الصحف العربية في العاصمة البريطانية.
وتعامل الحكومة الإسرائيلية منتجات الشركة مثل أي شركة مصدرة للسلاح؛ إذ تشترط عليها الحصول على تصريح من وزارة الدفاع (وزارة الحرب) لتصدير أي من منتجاتها إلى الخارج.
وتزعم الشركة أنها تقدم “الدعم التكنولوجي” لحكومات العالم من أجل مساعدتهم على “محاربة الإرهاب والجريمة”.
لكن منظمات حقوقية دولية تتهم هذه الشركة بأنها تعمل على تصميم وتطوير برامج تُستخدم في عمليات الاختراق والتجسّس ضد نشطاء حقوق الإنسان والصحفيين في العديد من البلدان.
تاريخ أسود
حين العودة إلى الوراء قليلاً، والبحث عن تفاصيل حول شركة “إن إس أو” يتبين أن تاريخها ليس أبيضَ ناصعاً.
ففي مايو 2017 تمكن قراصنة من اختراق موقع وكالة الأنباء القطرية “قنا” وحساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي، ونشروا بها تصريحات مكذوبة عن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ليشعلوا بذلك أعنف أزمة سياسية بالمنطقة.
في 20 يوليو 2017، أعلنت وزارة الداخلية القطرية التعرف على عنوانين للإنترنت في دولة الإمارات استُخدما لتنفيذ عملية الاختراق.
وأكدت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، يوم 24 يناير 2018، وقوف الإمارات وراء عملية اختراق الوكالة القطرية، وقالت إن الأمر تم بعلم ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.
لم تكتفِ القرصنة بتخريب أمن الخليج، بل كانت تلاحق النشطاء والحقوقيين وتتجسس عليهم.
ففي هذا الشأن أفادت مؤسسة “كيتزن لاب”، التابعة لجامعة تورونتو الكندية، بوجود عملاء زعمت أنهم ينتمون لحكومة السعودية، مهمتهم التجسس على الهواتف الخلوية للناشط السعودي المعارض عمر عبد العزيز.
وأصدرت الخارجية الكندية (2 أكتوبر 2018) بياناً قالت فيه إنها تأخذ “بجدية” ادعاءات قيام السعودية بالتجسس على معارض.
وقال آدم أوستن، المتحدث باسم وزيرة الخارجية الكندية، إنهم “على علم بوجود هذه التقارير”، وإنهم “ينظرون فيها”، مضيفاً أن بلاده تلتزم بقوة بحرية التعبير حتى على الإنترنت.
الكشف عن المصدر
لم يدم طويلاً سر تعقب المعارضين والإطاحة بهم ونجاح عمليات القرصنة الإلكترونية؛ حيث تبين لاحقاً أن تعاوناً خليجياً إسرائيلياً حقق كل هذا.
ففي أكتوبر 2018، كشف موقع “الخليج أونلاين” عن مصادر دبلوماسية رفيعة أنّ السعودية نجحت بعد مفاوضات شاقة في الحصول على آخر تقنيات أجهزة التجسس من “إسرائيل”.
وأضافت المصادر لـ”الخليج أونلاين” أن “الصفقة السعودية – الإسرائيلية قدرت بأكثر من 250 مليون دولار أمريكي”.
ولفتت النظر إلى أن “دولة الإمارات حصلت قبل عام تقريباً على أجهزة تجسس متطورة من نوع بيغاسوس، وطائرات استطلاع حديثة من إسرائيل، لكن ما نُقل إلى الرياض يعد الأكثر تقدماً ودقة من أي أجهزة عسكرية بيعت لأي دولة عربية أخرى”.
وقال موقع “بي بي إس نيوز هور” الأمريكي (20 مارس 2019) إن السعودية تتجسس على طلابها الدراسين في الخارج، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يراقَبون وتُعرف كل تحركاتهم، بحسب مقابلات أجراها الموقع مع ثمانية طلاب سعوديين حاليين وسابقين، تحدثوا فيها عن تجربتهم مع مراقبة الحكومة السعودية لهم.
وكشف تحقيق موسّع لوكالة “رويترز” (30 يناير 2019) عن تورّط الإمارات بتجنيد عملاء سابقين في وكالة الأمن القومي الأمريكي والمخابرات الأمريكية لأغراض التجسّس على “أعدائها”، وقرصنة هواتفهم وحواسيبهم.
وبحسب الوكالة فإن المشروع الإماراتي السري أُطلق عليه اسم “رافين”، أو “الغراب الأسود”، وهو فريق سري يضم أكثر من 12 عميلاً من المخابرات الأمريكية من أجل العمل على مراقبة الحكومات الأخرى، والمسلّحين، ونشطاء حقوق الإنسان الذين ينتقدون النظام.
وسبق أن رفعت شركة التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، في أكتوبر 2019، دعوى قضائية ضد الشركة الإسرائيلية؛ لاتهامها بمساعدة دول كالإمارات والبحرين في اختراق هواتف صحفيين ومعارضين وجهات أخرى بينها مسؤولون حكوميون؛ بهدف معرفة نشاطاتهم.
وبحسب وكالة “CNBC” الأمريكية، فقد وجهت “فيسبوك” الاتهامات إلى شركة “كيو سايبر”، وهي شركة تابعة لـ”إن إس أو”، بوصفها مدعى عليه ثانياً في القضية.
نشاط في الخليج
وعودة إلى ما نشرته صحيفة “هآرتس” العبرية في عددها الأخير، فإن شركة “إن إس أو” واحدة من أكثر الشركات الإسرائيلية نشاطاً في الخليج العربي.
وذكرت الصحيفة أن برنامج التجسس “بيغاسوس”، الذي طوَّرته الشركة يتيح لسلطات الأمن والقانون اختراق الهواتف، ونسخ المعطيات والمعلومات المخزنة فيها.
وبإمكان البرنامج أيضاً السيطرة على هذه الهواتف للتصوير والتسجيل عن بعد، من دون أن يقوم صاحب الهاتف بأي عملية في هاتفه أياً كانت، مثل الضغط على قائمة الأسماء المخزنة، أو البرامج والتطبيقات أو الوثائق.
وأضافت: “توسطت إسرائيل رسمياً بين الشركات ودول خليجية، وشارك مسؤولون حكوميون في لقاءات تسويقية قامت بها الشركة مع مسؤولين في أجهزة مخابرات دول عربية، وقسم من هذه اللقاءات عُقد في إسرائيل”.
وذكرت أن شركة “إن إس أو، شكلت طاقماً خاصاً للعمل مع دول الخليج، ويحمل جميع العاملين فيه جوازات سفر أجنبية. وهذا الطاقم هو الدائرة الأكثر ربحية في الشركة ويُدخل للشركة مئات ملايين الدولارات سنوياً”.
وبحسب الصحيفة العبرية تطلق الشركة على كل واحدة من الدول العربية تسمية تتألف من الحرف الأول لاسم الدولة ونوع سيارة.
وأوضحت أن السعودية تُسمَّى في وثائق الشركة “سوبارو”، والبحرين “BMW”، والأردن “JAGUAR”. وتمنع الشركة ذكر اسم الدول وإنما تسمياتها بهذا الشكل فقط.
وأكدت الصحيفة أن الشركة الإسرائيلية “أبرمت في السنوات الأخيرة عقوداً مع السعودية والبحرين وعُمان وأبوظبي ورأس الخيمة”.
وأشارت إلى أن الشركة وظفت مؤخراً مسرَّحين من الخدمة في جهاز الأمن الإسرائيلي؛ لكي يزوّدوها بتحليلات لمعلومات استخباراتية، إلى جانب خدمة اختراق الهواتف، وذلك إثر “مصاعب في دول الخليج لاستخراج معلومات استخباراتية نوعية من الكم الهائل للرسائل والملفات الخلوية”.
وفق ما ذكرته الصحيفة العبرية فإن المراقبين يذهبون للتأكيد أن التطبيع الإماراتي، المرحب به من قبل البحرين، والذي لم تستنكره السعودية “رسمياً”، يشير إلى أنه جاء مبنياً على قاعدة التعاون الاستخباري المتينة.
……………………..
المصدر: موقع (الخليج أون لاين)