خزيمة.. أرض العلماء والشعراء والملوك والغزاة.. صواريخ العدوان أيقظت الموتى فمتى يستيقظ النائمون..؟؟
استطلاع مصور/ خاص/ وكالة الصحافة اليمنية //
أيهما يلتهم الآخر .. خزيمة برزخ العالم الآخر أم صنعاء التي كانت حبيسة الجسد الطيني العتيق وأصبحت أحياؤها اليوم تتوزع بين جبلي نقم وعيبان..؟!..
الكثيرون يؤكدون أن خزيمة التي يخشاها الناس كانت تجثم على مساحات شاسعة جنوب وغرب المدينة العتيقة، وأن خزيمة التي التهمت الأجيال واليها يتجه المحزونون وفيها تولد العبرات وتسيل الدموع، لم يرتوى ترابها بدموع الثكالى ولم يمتلئ جوفها رغم التهامها للكثيرين ممن ودعوا الحياة وتلاشت اجسادهم وطمست أسماؤهم ونسيهم الناس بعد أن واراهم ترابها وابتلعهم جوفها.
لكن ورغم أن خزيمة التي تحتضن الكثير ممن خلدت الأيام اسماءهم وورث الناس علومهم وتناقلوا أخبارهم وذكرياتهم، ويراها الكثير من الناس أرضاً تلتهم الأحياء وتتسع كل يوم إلا أن القليلين فقط يدركون أنها الأرض الوحيدة التي تحتضن الجميع دون تمييز ، الملوك والأمراء والحكام والمحكومين والشعراء والشهداء والعلماء والمفكرين والفقراء والبسطاء والجنود والغزاة.
وحدها خزيمة اتسعت للجميع ، اتقياء وعصاة ، أبرياء وجلادين ؛ حكام ومحكومين، ظلمة ومظلومين وما زالت حتى اليوم مفتوحة للقادمين..
خزيمة التي تلتهم الجميع كان يفترض أن تتسع خارطتها فوق كل ما حولها من بساتين وحقول واراضي -قياسا بحجم من آوتهم منذ مئات السنين وحتى اليوم واعتبرنا أن كل فرد ممن ووروا ثراها يحتاج لنصف متر في مترين من الأرض- لكنها على العكس تقزمت والتهمتها المنازل والطرقات والجدران وما تبقى منها اليوم يؤكد أن الآلاف من الموتى يئنون تحت العجلات والأقدام على امتداد الشوارع المجاورة لها ، والآلاف أيضا يسكنون تحت أحيائنا وحوارينا ومنازلنا وغرف نومنا ويئنون تحت وسائد نومنا..
خزيمة للأسف اغتالها جميعنا واعتدى على حرمتها جميعنا دون وازع من ضمير حتى اجبرناها على طرد بعض ساكنيها ليحتل الحديد والإسمنت اماكنهم ومنازلهم العتيقة.
كنت اظن أن خزيمة كبقية المقابر، حجارة وتراب وجص وأحزان، لذلك لم تستهويني زيارتها او التعرف على ما بداخلها، لكن عندما قادتني خطاي اليها شعرت وكأني ادخل عالما جديداً يدعوني للتعرف عليه..
تجولت هنا وهناك.. كل ضريح كانت تجبرني العبارات المنقوشة عليه أن أتوقف أمامه قليلاً إما لتلاوة ما تيسر من الآيات أو لقراءة المرثيات والتعريف المنقوشة على الشواهد، خاصة وأن كل ضريح في خزيمة يحكي قصة إنسان منقوشة على شاهد صخري اما من البلق او الرخام او الجرانيت، شواهد تتحدث عن الأسماء والصفات وتدلل على من ينامون تحتها بعبارات رائعة وقصائد شعرية بعضها نظمها الموتى تجبر الزائرين على قراءتها ومعايشة قصص اصحابها..
السفر عبر الأزمنة..
في خزيمة ايضاً يمكنك السفر عبر الازمنة ويمكنك أن تلتقي الملوك والأمراء والشعراء والعلماء.. هناك التقيت الملك اليعفري أبوحسان أسعد بن إبراهيم بن محمد يعفر الحوالي!! حدثني عن عاصمتي مملكته شبام كوكبان وكحلان خبان، وشرح لي رحلة جثمانه الذي نقل في موكب مهيب للصلاة عليه في جامع ذمار، ثم في الجامع الكبير بصنعاء وكيف خرجت صنعاء بجميع سكانها وفرسانها وجنودها لتشييع جثمانه حتى أستقر في خزيمة.
وهناك ايضاً اجبرني الهمداني-لسان اليمن ومؤرخها- أن أشهد تشييع جثمان الملك الحوالي حين انشد بأعلى صوته مرثية وداعه، كما حدثني عن أعمال الملك ومآثره طوال فترة حكمه!! وفي خزيمة ايضاً تعرفت على العلماء ومؤلفاتهم وما ورثوه من علوم لمن بعدهم واستمعت لمشاهير القراء وكبار الشعراء وهم يلقون قصائدهم ومعلقاتهم!!
اتقاد البردوني في حشى خزيمة..
وفي خزيمة كان لابد من الوقوف أمام ضريح رائي اليمن ومستبصرها الأول الأستاذ والشاعر الكبير/عبدالله البردوني الذي استمعت إليه فزودني بأكثر مما كنت أبحث عنه حين أنشد معلقته الرائعة (أحزان وإصرار) فكانت بحق شاهداً ليس للبردوني وإنما لكل من ماتوا لكونها وصفت الحياة والإنسان والأحزان والصبر وأن من تحت التراب لم يموتوا ويضيعوا في الارض بل تتجدد عطاءاتهم في كل شيء حتى بعد مماتهم..
وانزرعنا تحت أمطار الفنا شجراً ملء المدى اعيا الزوالْ
واتقدنا في حشى الأرض هوىً وتحولنا حقولاً وتلالْ
مشمشا.. بنا.. وروداً.. وندىً وربيعاٌ ومصيفاً وغلالْ
معلقة البردوني التي انتصبت على شاهد ضريحة كانت بحق لسان حال كل من هناك والخلاصة التي خرجت بها مودعاً متحف خزيمة المفتوح.
أضرحة بلا شواهد
بعض الأضرحة القديمة بما في ذلك أضرحة الضباط والجنود الأتراك نزعت شواهدها المنقوشة والتي تحكي وتدلل على أصحابها ووضعت في المتاحف وتركت الاماكن التي نزعت منها تلك الشواهد بلا ترميم وما تزال بعض القبور مشوهة حتى اليوم..
شاهد أخير
الاعتداءات التي طالت مقبرة خزيمة لم تتوقف عند حدود الاستيلاء على مساحات من ترابها من قبل أبناء ساكنيها ونقل أو سرقة بعض شواهد قبورها، وإنما تجاوزتها لدرجة الاستهداف من قبل طائرات العدوان الذي تقوده السعودية، والتي أمطرتها بمجموعة من الصواريخ..!!
في أكثر من مكان يمكن لزائري مقبرة خزيمة رؤية شواهد العدوان على شكل حفر كبيرة تؤكد أن همجية عدوان آل سعود على اليمن واليمنيين لم تقتصر على استهداف البشر الأحياء وتدمير المنازل والاحياء السكنية بل تجاوزه إلى استهداف المقابر والموتى وتدمير القبور..
من خزيمة مرت آلة العدوان التدميرية وأيقظت الموتى فمتى سيستيقظ النائمون..؟