وكأن العاصمة اليمنية صنعاء لا يكفيها قصف مقاتلات التحالف العربي، ولا أزماتها الطاحنة، لتأتي السيول لتزيد معاناتها، وتهدد بجرف إرثها الحضاري الممتد منذ 2500 عام.
على مدى اسبوعين عملت الأمطار الغزيرة والسيول بهمة عالية على جرف نحو 40 منزلاً أثرياً في مدينة صنعاء القديمة، في حين لا تزال كثير من المنازل عرضة للانهيار.
وتعالت أًصوات ناشطين مطالبة بإنقاذ صنعاء القديمة من الانهيار الكامل، بفعل الأمطار والسيول غير المسبوقة في الشهرين الماضيين، لكن بعض الناشطين ذهب إلى تحميل السلطات في العاصمة صنعاء ممثلة بالمجلس السياسي الأعلى وحكومة الانقاذ مسؤولية ما يحدث للمدينة القديمة ومنازلها الأثرية.
وقال أكرم زيد لـ”وكالة الصحافة اليمنية” إنه يحمل حكومة الانقاذ مسؤولية ما لحق به منازل صنعاء القديمة من أضرار، كونها الحكومة الموجودة داخل البلاد، والملزمة باستباق وقوع أي أضرار على المدن التاريخية.
وكانت مدينة “صنعاء القديمة” قد وجهت استغاثة للعالم بعد أن أوشكت مبانيها التي يتجاوز عمرها 2500 عام على الانهيار نتيجة الأمطار المستمرة منذ أسبوعين، والتي تسببت في تدمير أسقف أكثر من 40 مبنى أثريا من بين 11 ألف مبنى.
15 عام إهمال
قبل نحو 15 عاماً قامت الحكومة اليمنية والجهات المختصة بحماية التراث والآثار اليمنية، انذاك بعمل تقييم للمنازل الأثرية في مدينة صنعاء القديمة التي كانت مهددة بإخراجها من قائمة التراث الإنساني العالمي، لكن لا شيء حدث بعد ذلك إطلاقاً.
وروى الصحفي رشيد الحداد، على صفحته في “الفيس بوك” قصة إهمال السلطات السابقة لصنعاء القديمة.
وقال الحداد: “وأخيراً إخترب منزل محمد علي عصده الواقع بجانب الجامع الكبير في صنعاء ليس بسبب الأمطار وحسب بل بسبب الاهمال الحكومي والكذب الرسمي على أصحاب المنازل القديمة التي تم تقييمها قبل قرابة 15 سنة من الأن”.
وتابع الحداد:” في العام 2009م، أعددت تحقيقاً صحفياً عن المخاطر التي تحيط بصنعاء القديمة كونها كانت ولاتزال مهدده بإخراجها من قائمة التراث الانساني العالمي، وأنا في باب اليمن دلني صديقي المرحوم أحمد الحرازي عن البيوت المتضررة، والتي اخرجت الدولة سكانها منها لكي تتولى عملية ترميمها، ومن تلك البيوت بيت عصده الذي سقط بالأمس”.
وأضاف:” التقيت بمالك المنزل فشكى لي عن مماطلة وعدم جدية الجهات المعنية في الترميم، كون أصحاب المنزل الأساسي يعيشون في بيوت للإيجار وكان يفترض انقاذ منازلهم القديمة بسرعة الترميم”.
وأردف:” المهم بعد نزول صحيفة الوسط الأربعاء حينذاك تم القاء القبض على عصده بحجة اتهام الجهات المعنية بالتقصير وتم حبسه عدة أيام من قبل مسئول بدرجة وكيل أمانة العاصمة لأنه ذكره وطالبه بان يتقي الله بأصحاب البيوت “.
ويقول الحداد “عندما زرت المنزل المكون من أربعة طوابق قبل 11 عام، كانت هناك دعامات الترميم مركبة في الدور الاخير, ليظل المبنى قيد الترميم والتجاهل والمماطلة طيلة هذه الفترة حتى سقط المبنى أخيراً، إذا كانت عملية الترميم لبيت عصده لم ينجز طيلة 11 سنة، فالإهمال سوف يتسبب بتدمير وسقوط 2542 منزلاً متضرر منها 1467 منزلاً كانت قبل سنوات بأمس الحاجة إلى تدخل سريع بسبب الأضرار التي تعانيها”.
واستغرب الحداد الأصوات المطالبة بإنقاذ صنعاء القديمة “خلال يومين، بينما منازل قيد الترميم لها عقود زمنية، في حين كان المعنيين منتظرين المساعدات والمنح وما جاءت من منحة طارت وظلت البيوت الآيلة للسقوط في انتظار للحصول على منح جديدة، بينما أصحابها يدفعون الثمن بين التشرد والضياع والبحث عن حق الايجار”.
تحرك مسؤول
لم تقف السلطات في صنعاء مكتوفة الأيدي أمام ما يحدث لمنازل صنعاء القديمة، رغم شحة الإمكانيات والحرب العدوانية والحصار الخانق على اليمن.
في 31 أغسطس الماضي، دشنت الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية والمعالم الأثرية، تنفيذ الخطة الطارئة لإنقاذ مدينة صنعاء القديمة بحضور مدير مكتب رئاسة الجمهورية أحمد حامد وأمين العاصمة حمود عباد ووزير الثقافة عبدالله الكبسي ورئيس المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشئون الإنسانية والتعاون الدولي.
وقال مدير مكتب رئاسة الجمهورية أحمد حامد أن صنعاء القديمة تحتاج للاهتمام، مشددا على تكاتف الجهات الرسمية والمواطنين، وتحمل المسئولية، مؤكدا أن العمل فيها لا ينبغي أن يكون وسيلة لجمع الأموال.
وأوضح مدير مكتب رئاسة الجمهورية: اليوم نزلنا بصورة سريعة وخاطفة لعمل المعالجات من الأضرار التي تسببت بها الأمطار والسيول وعلى ضوء المصفوفة والكشوفات المرفوعة إلينا سيتم ترميم كل المنازل المرفوعة أسماءها إلينا.
وأضاف على المواطنين مسئولية كبيرة في فعل ما أمكنهم والإسهام في الحفاظ على المدينة وعلى المعنيين أن يفهموا ويقدروا مسئوليتهم لخدمة هذا التاريخ والتراث الإنساني.
وتابع: نحن نتحدث عن 11 ألف منزل تاريخي، مؤكدا أن الأمة التي لا تهتم بتاريخها لا يمكن أن تحافظ على حاضرها ومستقبلها.
وأفاد حامد أنه بتوجيه من رئيس الجمهورية المشير مهدي المشاط ودعمه وإشرافه سيبدأ العمل من اليوم على ترميم المنازل، مشيدا بدور الخيرين في مساهمتهم، مؤكدا أنه لا تعويل على ما تقدمه المنظمات.
وشدد مدير مكتب رئاسة الجمهورية على ضرورة تفعيل المبادرات المجتمعية، ولا بد من توعية المواطنين، مشيرا إلى أن خطة الإسعافات الأولية ستنفذ ضمن خطة ورؤية واضحة.
من جهته، أكد أمين العاصمة حمود عباد أننا سنكون إسنادا قويا إلى جانب الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية والمعالم الأثرية ضمن الخطة الطارئة لإنقاذ مدينة صنعاء القديمة.
وأشار عباد إلى أنه تم تخصيص مبلغ 100 مليون ريال مقابل البدء بأعمال الترميم للمنازل المتضررة في صنعاء القديمة ومبلغ 100 مليون ريال لبعض المشاريع التراثية الجمالية اللازمة للمدينة، مشدد على ضرورة أن يتوقف إعطاء التصاريح لبناء أي مشاريع تجارية في المدينة التاريخية.
ولفت وزير الثقافة عبدالله الكبسي إلى أنه تم إيجاد المبالغ اللازمة للبدء في أعمال الترميم وهناك دعم مباشر من رئاسة الدولة، مؤكدا أنه لا بد من وعي المواطنين وإسهامهم ما لم فمهما جمعنا من المبالغ فلن تحفظ المدينة.
وأشار إلى أنه بموجب المصفوفة المرفوعة إلينا سيتم ترميم المنازل المتضررة من الأمطار والسيول وإهمال الأنظمة السابقة وما أحدثه العدوان بغاراته المباشرة على أكثر من مكان في المدينة.
من جهته أوضح نائب وزير الثقافة محمد حيدرة أن الخطة الطارئة لإنقاذ مدينة صنعاء التاريخية ستكون في مسارين الأول بمعالجة الاختلالات الإدارية والمالية والثاني عن طريق البدء في أعمال الترميم والصيانة للمنازل المتضررة.
وفي 7 سبتمبر الجاري، أقر إجتماع برئاسة رئيس مجلس الشورى محمد حسين العيدروس تكليف وزارة الثقافة والهيئات التابعة لها بإعداد تقريرها المتضمن تصوراتها بخصوص ترميم وحماية مدينة صنعاء القديمة والقضايا المتعلقة بحماية التراث والموروث التاريخي، وتقديمه للجنة الإعلام والثقافة والشباب والرياضة بالمجلس لمناقشته وإثراؤه تمهيداً للرفع بالمقترحات والتوصيات العاجلة للمجلس السياسي الأعلى.
رئيس مجلس الشورى أكد أهمية تلافي الأضرار والخسائر الكبيرة التي لحقت بمباني مدينة صنعاء القديمة جراء هطول الأمطار الغزيرة والسيول ، منوهاً بتوجيهات رئيس المجلس السياسي الأعلى بإعادة ترميم وبناء ومعالجة ما تضرر من المنازل ومعالم المدينة .
ولفت إلى أن القصف الهمجي المتعمد للتحالف على مدينة صنعاء القديمة ومحيطها خلال الأعوام الماضية قد أدى إلى تصدع مبانيها التاريخية ، ما أدى إلى الأضرار الجسيمة التي لحقت بها جراء الأمطار والسيول الأخيرة.