خبايا الدور السعودي في الأزمة السورية باتت تتكشف للعلن يوماً بعد آخر، ويتبيّن للسوريين أولاً وللعالم أجمع ثانياً؛ ماهيّة الدور التخريبي الذي لعبه آل سعود في ذبح السوريين من خلال المجموعات الإرهابية التي كانت تتلقى تمويلها ودعمها مباشرة من دوائر المخابرات السعودية، التي لم ترضَ بدلاً عن خراب سوريا أولاً، ومحاولة إبعادها عن محور المقاومة الذي تُشكل فيه سوريا رأس حربة في مقارعة الكيان الصهيوني ثانياً.
عروضٌ سخيّة ومحاولات فاشلة
خطاب السيد حسن نصر الله الأخير كشف النقاب عن محاولة سعودية حثيثة لإبعاد دمشق عن محور المقاومة؛ مقابل إيقاف التمويل السعودي للجماعات الإرهابية التي تتلقى دعمها من الرياض.
العرض السعودي لم يتوقف عند إيقاف دعم التنظيمات الإرهابية؛ بل تعداه إلى وعودٍ بمئات المليارات من الدولارات لإعادة إعمار سوريا ودوران عجلة الاقتصاد السوري من جديد، وذلك مُقابل ابتعاد سوريا عن إيران ومحور المُقاومة، حيث أكد نصر الله أنّ هذه العروض تمّ تقديمها أكثر من مرّة، وذلك إبان حكم الملك السعودي السابق عبد الله، وخلال فترة حكم الملك الحالي سلمان.
الرّد السوري على تلك العروض لم يأتِ ديبلوماسيّاً، بل أتى عسكرياً، حيث شهد العامان الفائتان تقدماً كبيراً للجيش السوري والقوات المتحالفة معه، وتمّ تحرير مساحات واسعة من التراب السوري، مع إنهاء وجود تنظيم داعش الإرهابي بشكل نهائي في سوريا، ناهيك عن إرغام المجموعات الإرهابية الأخرى التي تلقّت دعماً مباشراً من الرياض على الاستسلام وترك الأراضي التي كانت تُسيطر عليها، وذلك بعد إنجاز عدد من المصالحات التي انتهت برحيل الإرهابيين عن تلك المناطق، ولا سيما المناطق المحيطة بدمشق والتي كانت تُشكل هاجساً أمنيّاً للسلطات السورية، والتي كان آخرها غوطة دمشق الشرقية.
اللعب مع الأسود
منذ بداية الأزمة السورية أي قبل ما يُقارب السبع سنوات كان الدور السعودي واضحاً في دعم الجماعات الإرهابية في سوريا، ولا سيما تلك المحاذية للحدود السورية الأردنية والمُحيطة بالعاصمة دمشق كتنظيم جيش الإسلام الإرهابي، وكما يقول مراقبون إن دعم الرياض لتلك المجموعات أتى رداً على تمسك دمشق بمحور المقاومة ورفضها الانصياع لرغبات الغرب الأمريكي الذي يُسيّره اللوبي الصهيوني، ومن هنا أتى الدعم السعودي للتنظيمات المحاذية لحدود فلسطين المُحتلة الشمالية.
ما كشف عنه الأمين العام لحزب الله اللبناني لم يكن هو الأول، حيث كشفت تقارير إعلامية سابقة أنّ اجتماعاً عقد يوم الثامن من شهر آب/ أغسطس من عام 2015 في مدينة جدّة جمع رئيس مكتب الأمن القومي السوري اللواء علي المملوك بالأمير محمد بن سلمان، الذي كان حينها وزيراً للدِّفاع ووليّاً لوليِّ العهد، حيث جرى اللقاء برعاية روسيّة، غير أنّ السعوديين لم يجدوا في جعبة المملوك شيئاً يمكنهم التعويل عليه، إذ تؤكد تقارير إعلامية أنّ المملوك أكد رفض القيادة السورية الابتعاد عن محور المقاومة أو إيران مهما كان الثمن، وأنّ القضيّة الفلسطينيّة ستبقى البوصلة الأساس للشعب والقيادة في سوريا.
ويذهب مراقبون إلى أنّ الغرفة التي كانت تُدار من العاصمة الأردنية عمّان من قبل عدّة أجهزة مُخابرات دولية وعربية على رأسها السعودية كان هدفها الأبرز حماية حدود الكيان الصهيوني من خلال تقديم السعودية الدعم لتلك المجموعات، والتي طُلب منها حماية حدود الكيان.
صراع ممتد
وفي المقلب الآخر وعلى الحدود الجنوبية للسعودية يبرز الدعم الذي تُقدمه السعودية إلى “تنظيم القاعدة في جزيرة العرب” والذي يتخذ من اليمن مقرّاً له، ناهيك عن عمليات القتل المُمنهج والمجازر الجماعية التي تقوم بها السعودية، الأمر الذي دفع قوات أنصار الله اليمنية والجيش الوطني اليمني إلى تصويب نيران صواريخهم البالستية إلى العمق السعودي.
تلك الصواريخ سببت حالة من الفزع داخل المجتمع السعودي من جهة، وداخل دوائر صنع القرار في السعودية من جهةٍ ثانية، حيث وصلت تصريحات المسؤولين إلى درجة من الغرابة فقد بدأت باتهام طهران بتزويد اليمنيين بتلك الصواريخ، كما صدّرت الخارجية السعودية رسالة إلى الأمم المتحدة اتهمت فيها طهران وصنعاء باستهداف المدن السعودية، متناسين أن اليمن يمتلك ترسانة ضخمة من الصواريخ البالستية، ومن ناحيةٍ أخرى تناسوا أن إطلاق الصواريخ البالستية أتى ردّاً على العدوان السعودي المستمر على اليمنيين منذ ثلاثة أعوام.
وفي الختام يذهب مراقبون إلى أنّ الدعم السعودي والغربي للتنظيمات الإرهابية في سوريا لم يكن هدفه تحقيق الحرية التي يزعمون بل كان الهدف هو إضعاف سوريا التي تُشكل رأس حربة في محور المقاومة الذي تتزعمه طهران، ومن ناحية أخرى كان هدف ذلك الدعم مقايضة سوريا على قطع علاقاتها مع إيران التي قدمت لها جميع أنواع الدعم في مواجهة التنظيمات الإرهابية.
(الوقت التحليلي)