تقرير: لقمان عبدالله
بعد طول ركون إلى ذريعة «حماية المدنيين» لتبرير انخراطها المباشر في حرب اليمن، بدأت واشنطن العزف على نغم جديد متمثل في حماية قواتها من «الحوثيين».
يأتي ذلك في وقت دخلت فيه بنفسها على خطّ العمليات في مأرب، مطالِبة بوقفها «بسرعة»، لما لذلك من تداعيات على حليفتها السعودية
دخلت واشنطن على خطّ العمليات العسكرية التي ينفّذها الجيش اليمني واللجان الشعبية في محافظة مأرب، مُصعّدةً من لهجتها التهديدية تجاه صنعاء، إذ دعت وزارة الخارجية الأميركية، في بيان، إلى «وقف الهجوم على مأرب بسرعة»، متذرّعةً، في دعوتها تلك، بوجود نحو مليون نازح في المدينة.
وتأتي تلك التصريحات تزامناً مع اقتراب قوات صنعاء من الوصول إلى الحقول النفطية في المحافظة، بعدما سيطرت على خطّ صافر الدولي، واقتربت من معسكر الرويك الاستراتيجي، الذي توجد فيه قوات سعودية.
وأمام هذه الوضعية، تصبح منابع النفط إمّا مهدَّدة بالسقوط، وإمّا تحت مرمى نيران الجيش واللجان، الأمر الذي يؤدّي عملياً إلى التالي:
1- زعزعة الأسس الاستراتيجية لعملية الضغط على حركة «أنصار الله»، من خلال إنهاء فاعلية إحدى أهمّ الأدوات الاقتصادية التي تمّ استخدامها لِلَيّ ذراع صنعاء.
2- ثبوت وصول السعودية (وكيلة الولايات المتحدة في العدوان على اليمن) إلى النقطة الصفرية، وهو ما يعني عملياً انتهاء الخيار العسكري كأداة لتحقيق الأهداف المرسومة للحرب، وإن كانت مؤشرات ذلك أصبحت من الماضي.
إزاء ذلك، تُطرح تساؤلات حول إمكانية اندفاع واشنطن إلى تدخل مباشر بعد بيان وزارة الخارجية الأميركية، أو الانكفاء والذهاب إلى تقديم تنازلات ضمن تسوية معيّنة.
حتى الانتخابات الأميركية المرتقبة في تشرين الثاني/ نوفمبر، يبدو كلا الخيارين مستبعداً، وبدلاً منهما، ستعمل واشنطن – على ما يظهر – على ترجيح خيار وسطي، من خلال استخدام سياسة «العصا والجزرة»، أي التهديد بالتدخل العسكري المباشر ضدّ صنعاء، وفي الوقت نفسه محاولة إغرائها بتنازلات اقتصادية.
هذا ما أوحت به دعوة الخارجية الأميركية، أول من أمس، الأطراف اليمنيين إلى الموافقة على مقترحات المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، والتي تتضمّن تدابير اقتصادية وإنسانية ووعوداً سياسية.
وكانت قيادة صنعاء رفضت تلك المقترحات لدى تقديمها لها قبل ثلاثة أشهر تقريباً، بسبب خلوّها من الضمانات، واعتمادها على «النوايا الحسنة» المدّعاة لدى السعودية، وهو ما لا يمكن الوثوق به، خصوصاً أن صنعاء خبرت نكوث الرياض بتعهّدات مماثلة في السابق.
في المقابل، طرحت «أنصار الله» مبادرة تتضمّن بنوداً سياسية واقتصادية وإنسانية مقابل وقف الهجوم على مأرب.
وقد دعا رئيس «المجلس السياسي الأعلى»، مهدي المشاط، عشية ذكرى «ثورة 21 سبتمبر»، الأطراف الإقليميين والدوليين المعنيّين إلى قبول هذه المبادرة، فيما نُقل عن مصادر متعدّدة في الساعات الماضية أن وساطة كويتية تعمل في هذا الاتجاه.
قد تلجأ واشنطن إلى خيار وسطي ما بين التدخل والانكفاء
وبالعودة إلى الموقف الأميركي، فإن انشغال الإدارة الحالية بالانتخابات يدفعها إلى تحاشي فتح ملف الحرب على اليمن، بالنظر إلى وجود مزاج يرفض الاستمرار في الانخراط في هذه الحرب، وهشاشة المحاججة «الترامبية» إزاء ذلك؛ إذ إن الإدارة تبرّر، بحسب تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز»، مواصلتها دعم السعودية في حرب اليمن بتقليل عدد الضحايا المدنيين، إلا أن المحققين في وزارة الخارجية وبقية المسؤولين الأميركيين يرون أن تلك الجهود يشوبها القصور، ولا سيما أنها لم تفلح في حماية الأطفال والنساء وكبار السن وغيرهم من المدنيين من القنابل المصنّعة في الولايات المتحدة.
ومن هنا، يبدو منطق الإدارة ضعيفاً، ومن شأنه في ما لو طُرح تشكيل نقطة تصادم قوية في موسم الانتخابات.
هذا القصور في المبرّرات الأميركية في السنوات الماضية أجبر الخارجية على إطلاق مبرّرات جديدة لم تكن موجودة في السابق، وذلك بالادّعاء «أن التعاون مع السعودية يحمي القوات الأميركية من الحوثيين المدعومين من إيران»، علماً أن واشنطن لا تعترف رسمياً بوجود قوات لها في اليمن.
والجدير ذكره، هنا، أن عدداً كبيراً من المشرّعين من الحزبين (الجمهوري والديمقراطي)، ومن ضمنهم المرشح الديمقراطي للرئاسة جو بايدن، يقفون بوجه المشاركة الأميركية في حرب اليمن.
ويعتبر هؤلاء، الذين يخوضون صراعاً قانونياً في الكونغرس لوقف تلك المشاركة، أن بلادهم أصبحت يداها ملطّختين بالدم بفعل غرقها في المستنقع اليمني.
ولم تكن الولايات المتحدة، في أيّ مرحلة من مراحل الحرب، بعيدة عن وقائعها الميدانية والسياسية، بدءاً من إعلانها من واشنطن، مروراً بإدارتها الفعلية ومواكبتها عملياتياً، وتزويد الجيشين السعودي والإماراتي بالعناصر الاستخبارية اللازمة للعمليات العسكرية، وتزويد غرف المعلومات بصور الأقمار الاصطناعية المباشرة، وصولاً إلى عقد الصفقات التسليحية الملائمة لطبيعة الأرض اليمنية والقادرة على ضرب تشكيلات الجيش واللجان الشعبية.
على أن المشاركة الغربية ليست مقتصرة على الجانب الأميركي؛ إذ كشفت تقارير متعدّدة، وكذلك اعترافات مسؤولين بريطانيين، مشاركة بلادهم بـ6300 خبير، بزعم أنهم يعملون في شركات بريطانية تعمل في تخصّصات فنية في المطارات وغرف العمليات العسكرية السعودية.
المصدر: جريدة “الأخبار” اللبنانية.