خاص: وكالة الصحافة اليمنية
ربما عبر التاريخ ، لم تتعرض مدينة في العالم لما تعرضت له محافظة صعدة اليمنية الواقعة شمال غرب العاصمة صنعاء وتبعد عنها حوالي 242 كيلو متر، من حروب ظالمة واعتداءات وحشية على امتداد 14 عاماً (2004- 2018) استهدفت الحرث والنسل ولم تفرق بين رجل أو عجوز ونسوة وأطفال..!
حروب إبادة شنتها اياد أثمة كانت – وما زالت – تسمى “نظاماً ودولة” ووجهت سلاح جيشها صوب ” يمنيين في شمال الشمال “، وأفرغت على صدورهم حقداً قاتلاً لا يمكن قبول أي تبريرات له.. وطبعاً الجارة اللدود “السعودية” الداعم والممول..!.
سريعاً كانت صعدة تنهض من بين ركام الحروب بصورة مدهشة، رغم أنهم لم يتركوا لها فرصة لإلتقاط الأنفاس .. فيجددون خنقها بأياد تلطخت بالدماء والعار.. وذات الحلفاء الذين قاتلوا مدينة صعدة بالأمس ، هم أنفسهم من يمطرون اليمن بأكمله منذ ثلاث سنوات بنيران حقدهم محدثين دماراً يشبه إلى حد كبير ذلك الدمار الذي تسببت فيه الحرب العالمية الثانية (1939-1945).
لم تستسلم صعدة التي تصدر “الكرامة ” إلى كل اليمن .. كانت عصية على “الإبادة” ، عصية على الهزيمة ، ومتكئة على إرادة “مؤمنة” فنهضت بعد 6 حروب طاحنة أكثر قوة، ثم وفي ظرف عامين (2013-2011) تحولت فيها إلى زهرة للمدائن اليمنية .. مدينة بهية ، شابة .. وحاملة لمشروع إيماني تجديدي ، ترى فيه خير الأمة ..وهو خير .
ومنذ 3 أعوام وجدت صعدة نفسها ملزمة بالدفاع عن دين وسيادة وكرامة “اليمن الكبير” المستهدف في عقيدته الإيمانية.. اليمن أول الإسلام وعنوانه المشرق العريض.. وها هي المدينة التي لا تٌهزم ، تنتصر على قوى الشر العالمية ، في حرب كونية ، وقبلها انتصرت في 6 حروب .. ثم حين تسأل أي “صعداوي ” كيف انتصرتم ؟ يجيب بتواضع المؤمن :” هو الله”.
صعدة الواقعة في أقصى الشمال اليمني، تقدمت صفوف المدافعين عن سيادة بلد اخضعته “السعودية” بالرشاوى المالية قرابة نصف قرن.. هذه المدينة التي يسير رجالها في صفوف متراصة متجانسة كما هي جبالها المتشحة بالخضرة والعزة، لطالما حيرة أعدائها، أعداء الحياة والسلام، فقد واجهت على امتداد 15 عاماً فتاوى التكفير والقتل ، وتحدت ممالك ومشيخات النفط التي كانت تحكم “اليمن” من وراء كواليس التبعية.
وصعدة سلة الفواكة اليمنية، المثمرة زراعة وحب وشهامة.. تلقفت بصبر “الأنبياء” أطنان من القنابل العنقودية المحرمة دولياً وغدر الجيران، وخذلان الأخوة وحروب ظالمة لم تترك لهم خياراً أخر غير “قتلهم”.. ولكن كيف يرتضى الحر أن يكون موته سهلاً ؟! .
في صعدة لا مكان لألعاب الأطفال فقد دمرتها آلة حرب تجيد استهداف الأطفال سواء كانوا في منازلهم أم مدارسهم وحتى على قارعة طريق كانوا يخططون أن يتحول إلى ملعب يجمعهم فحولته آلة الحرب إلى مساحة مدمرة تفوح منها رائحة البارود الخانقة.. ووحدهم أطفال صعدة اعتادوا على مواجهة الموت ، ويظهرون شجاعة لا تتناسب مع أعمارهم “الربيعية”.!
ويبرع أطفال صعدة – مضطرين – في استخدام “البنادق” ويصوبونها بدقة عالية.. هم يستعدون لعدو غاشم قد يأتيهم في صورة “صديق أو أخ”، لكنه في حقيقة الأمر متربص يسعى “بغلٍ” لإقتطاف أرواحهم الغضة النظرة.
و لم يعتد صبية صعدة على الخوف، فهو بالنسبة لهم مجرد تحدي يتلخص في خيارين فإما المواجهة بشجاعة أو الشهادة المشرفة.. فثمة عقيدة ترتبط بالله وراء كل هذا الصمود الأسطوري .
ولصعدة فلسفتها الحياتية الخاصة، فهي تستقبل العزاء بإبتسامة رضا، وتتشكل منازلها من طينها المعتق بدماء الشهداء وعلى أرضها تتوزع السماحة والتسامح والتضحية في هيئة مزارع رمان وعنب، وقباب وأضرحة ومقابر تكسوها الورود.
قررت صعدة أن تكون تقف متحدية قوى الاستكبار العالمي و”تصرخ” في وجوههم ، ذاك لأنها تدرك ضرورة أن تكون قويًة فالحياة تُميت الضعيف قهرًا، والمرء بالجبن لا ينجو من القدر.
واليوم، تملأ صعدة الخارطة السياسية والجغرافية المحلية والعالمية ، وقد عادت كأصلٍ ثابت إلى خريطة اليمن المجيد الذي حاول “نظام تبعي” أن يبتر أجزاء منها ” كمديريتي الساقين وحيدان” لكن الأصل لابد أن يعود ويظهر ولو بعد حين.
انها المدينة التي لا تهزم .. ولطالما أخرجت من بين الأهوال أبطالاً..!